المديرُ الأسبق في "منظمة العفو الدولية" في كندا روجِر كْلارك: "فلْنَحرص على منعِ ترحيلِ حسن دياب تعسفاً مجدَّداً" (الجزء الثاني)

  • article

 زينب مرعي، صدى المشرق

"لقد خذلت كندا حسن خذلاناً كبيراً وكارثياً، فهي لم تراعِ المبادئ التي تقوم عليها "الشرعة الكندية للحقوق والحريات"... بيدَ أنَّ روح الشرعة الكندية ما زالت موجودة، والاحترام للمعاملات القانونية الملائمة هو في صلب الشرعة الكندية، وهو يكفل حقّ الاستجواب المقابل (cross-examination) وإن لم يكفَله قانون الترحيل (Extradition Act). لذا فَعلى كندا القيام بالكثير من العمل لتصحيح معاملات الترحيل"، والكلام أدلى به المدير الأسبق لفرع "منظمة العفو الدولية" في كندا روجر كلارك (Roger Clark) في حديثه إلى "صدى المشرق".      

 

رسائل متلاحقة

"بات واضحاً في الأشهر المنقضية أن اضطهاد الأستاذ الجامعي دياب ليس إخفاقاً فاضحاً في تحقيق العدالة فحسب، بل هو أيضاً اضطهاد سياسي بطبيعته، لذا فهو يستدعي حلاً سياسياً"، والرأي لفرع منظمة "الأصوات اليهودية المستقلة" (IJV) في كندا في رسالة وجَّهَتها إلى رئيس الحكومة جستن ترودو. "الحل بين يديك... لديك السلطة لتضغط على فرنسا كي تُسقِط القضية عن كاهل الأستاذ الجامعي دياب ولتضمن حريته بشكل حاسم". (Send an Email to Justin Trudeau: No Second Extradition for Hassan Diab! | IJV Canada)

رسالةٌ أخرى وجَّهتها المديرة التنفيذية رايتشل أبستاين (Rachel Epstein) بِاسم الفرع الكندي لمنظمة "الشعب اليهودي المتحد" (United Jewish People’s Order) تقول: "لا ترحِّلوا الأستاذ الجامعي دياب، فمحاميه الكندي دونَلد بِييْن (Donald Bayne) يقول: "قرار محكمة الاستئناف الفرنسية هو استكمالٌ للمسار التعسفي الطويل"... كما تقول الرسالة: "حان الوقت لتُنهِي الحكومة الكندية هذا المسلَك المُجحِف".  

جمعَ الأستاذ الجامعي روجر كلارك وغيره من أعضاء "لجنة دعم حسن دياب" (Hassan Diab Support Committee) الشهرَ الماضي تواقيع مختصين قانونيين تأييداً لرسالةٍ كتبها مُحامٍ. "بعض هؤلاء المحامين معروف بعمله الإنساني وما إلى ذلك – وإن لَم يكُن مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقضية حسن، كالمحامي غاري بوتِنغ (Gary Botting)، الذي هو من كبار المُحامين المختصين بقضايا الترحيل في فانكوفر وهو معروف جداً.. أعتقد أن الاستفادة من الجماعات المحترفة المختصة توسِّع نطاق التضامن مع الحملة المعنية، وهذا مهم"، والإفادة لِكلارك في حديثه إلى "صدى المشرق".

الرسالة المفتوحة المذكورة أرسلتها في 14 أيلول 2021 "المجموعة الدولية لِلإشراف على الحريات المدنية" (ICLMG) إلى وزير العدل والمدعي العام في كندا دايفد لاميتي (David Lametti)، وقد وقَّعها 118 من العاملين في مجالَي القانون والدراسات القانونية في كندا. كما أُرسِلَت نسخٌ منها إلى سياسيين بارزين وزعماء عدد من الأحزاب. (More than 110 Canadian Jurists Demand Justice for Hassan Diab - International Civil Liberties Monitoring Group (iclmg.ca))

تذكِّر الرسالة لاميتي أن "ما يفوق 10,000 رسالة من الأفراد والمنظمات أُرسِلَ حديثاً إلى الحكومة الكندية للإعراب عن القلق البالغ إزاءَ آخر التطورات في قضية حسن دياب واحتمالِ ترحيله ثانيةً"...

تقول مجموعة الإشراف على الحريات المدنية (ICLMG) إن لاميتي ردَّ قائلاً: "بما أن طلبات الترحيل تُعتَبَر من الشؤون الخاصة بين الدول، لا أستطيع أن أؤكد ولا أن أنفي وجود طلب الترحيل المذكور قبل أن وما لَم يُعمَل عليه. ستراجع كندا أي طلب جديد للترحيل بالتوافق مع "قانون الترحيل" و"الشرعة الكندية للحقوق والحريات" (Canadian Charter of Rights and Freedoms) والإلتزامات التي تُمليها علينا معاهداتنا. عندما يُراد اتخاذ قرارٍ ببدء معاملات الترحيل يُقيَّم مستوى الأدلة المتوفرة لِيُرى إن كان كافياً لدعمِ طلب الترحيل، ولِيُرَى إن كان من المصلحة العامة أن تُتابَع المعاملات".

موقعو الرسالة رأوا أن جواب لاميتي "غير مقنعٍ للأسباب التالية: التصرف على قاعدة الإنتظار لرؤية النتائج غير مبرر. وفيما تلتزم كندا بترحيل مواطنيها إلى فرنسا، لا تبادِلها فرنسا الأمر، لذا فالمعاهدة مجحفةٌ ومتخلخلة. ولا دليلَ يتوفر لِدعمِ طلب الترحيل الثاني. كما أن متابعة معاملات الترحيل لا تخدم المصلحة العامة"...

ولهذا يطالب الموقعون مجدداً بِإنهاءِ الظلم المستمر في قضية دياب، وبِتعليقِ معاهدة الترحيل مع فرنسا.

 

المحامي غاري بوتِنغ: "أمرٌ مُقرِفٌ"

يستهجِن محامي المحاكم العُليا غاري بوتِنغ (Garry Botting) الطريقةَ التي يتعاملَ بها الوزير لاميتي مع قضية دياب. (https://legalmatterscanada.ca/hassan-diab-deserves-better-from-the-justice-minister/)

يقول بوتِنغ: "لقد منح المجلس النيابي الصلاحيةَ الكاملةَ لِلاميتي بالنسبة لرفض طلبات الترحيل الإشكالية، وبالنسبة لإنهائها عندَما يتبين أنَّ متابعتها ستُضرُّ بالمصلحة العامة. هذا البند الإستثنائي من قانون الترحيل يقوم على الاعتقاد بأن مفهوم الترحيل – في أساسه – ليس مسألةً قانونية أو قضائية، بل هو سياسي بطبيعته"...

يشير بوتِنغ الذي ألّف عدداً من الكتب بشأن الترحيل أن "كل بلد في العالم يرى المسألة هكذا، إلا كندا. ففرنسا، مثلاً، لا تقبل أبداً بتسليم أي من مواطِنيها إلى بلد أجنبي، ولا ينحصر السبب بكَونِها تقدِّر وتحمي مواطنيها أكثر مما تفعل كندا، فهي أيضاً تدرك أنها إن قبلت بالترحيل فستواجه تعقيدات سياسية كبيرة على أرضها...

لقد أثبتت فرنسا أنها شريكةٌ غير موثوق بها في معاهدة الترحيل، مدعيةً أن الدليل بيدها حينَ لم يكُن كذلك، ومدّعيةً أنها مستعدة للمحاكمة حينَ لم تكُن. لقد كذبت...

ويبدو أن وزير العدل يظن أنه يستطيع استخدامَ المسار العشوائي الذي استخدمه للسير في قضية مَنغ ((Meng Wanzhou) مديرة شركة "هْواوِي" (Huawei) المالية) بِذريعة "حكم القانون المعظَّم". أمرٌ مقرفُ فعلاً"! والكلام لِبوتِنغ.

 

تحقيق مَري سيغال "المستقل"  

رئيس الحكومة جستن ترودو كان قد وعدَ بتحقيق خارجي بعد عودة دياب إلى كندا، وأجرى التحقيق نائب المدعي الأسبق والمدعي الأول الأسبق في أنتاريو مَري سيغال (Murray Segal). لكن كلارك يرى أن التحقيق "كان أشبه بالمهزلة، فقد طُلِبَ من سيغال أن يحدد إن كان المسؤولون العدليون الكنديون اتَّبعوا الإجراءات الصحيحة. لكن التحقيق كان محدوداً، ولم تُترَك الفرصة لِسيغال ليقابل المعنيين ويُسائِلهم، ولِيحقق في أمر بعض التحركات المشبوهة التي قام بها المسؤولون العدليون في فترة جلسات المحاكمة التي سبقت الترحيل، كإخفاء "دليل" البصمات، الذي كان في الواقع سيدعم حسن لو لم يُخفَ".

يشير الأستاذ الجامعي كلارك أيضاً إلى أن "ما يُسمّونه "دليلاً" سحَبه المدّعون قبل انتهاءِ جلسة المحاكمة قُبيل الترحيل. وقد قاموا بذلك لأن الجميع اتضح لهم فوراً أن لا مصداقيةَ لهذا "الدليل" ولا يُمكن الاعتماد عليه في المحكمة. قاضي الترحيل، قاضي المحكمة العُليا في أنتاريو روبِرت مارانغِر (Robert Maranger) أيضاً أوضح أنه لم يكُن لِيسمحَ بمتابعة معاملات الترحيل لولا وجود "دليل خط اليد". والخلاصة التي توصل إليها الكل – حتى الإدعاء – مُنذُ ذلك الحين هي أن دليل خط اليد بنفسه متخلخل وبدون قيمة.

كان على سيغال أن يراجع الكثير من الإشكاليات، لكنه لم يُمنَح الصلاحية لمراجعتها، لذا عندما أصدر تقريره في أيار عامَ 2019، كانت خلاصة قوله أن لا مشكلة وأن كل الإجراءات اللازمة اتُّبِعَت. إذاً كان تحقيقه لتلميع الصورة – أقُصِدَ ذلك أم لا، وبالتأكيد لم يكُن تحقيقاً خارجياً.   

كان مخيباً للأمل فعلاً. بدا لنا أنه طريقة فحسب لتتهرّب الحكومة من مسؤوليتها بالنسبة للأخطاء المُرتَكَبة، وهذا الواقع لم يتغير، ولم يُعالَج. كنا نأمل أن يتناول التحقيق شؤوناً معينة كإخفاء الدليل والفشل في إجابة التساؤلات المتعلقة بالاستخبارات السرية وكل ما تحدثنا عنه".

"الأدلة الخمس" التي يتحدث عنها سيغال في تحقيقه تتضمن "إفادات الشهود التي أدلى بها بعض الرفاق الأسبقين لحسن دياب، الذين تحدثوا عن عضويته في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"".   

وهذا فعلياً يكشف السعي لِتلبيس التهمة لرجل من الشرق الأوسط هو تحديداً لبناني مسلم يُزعَم أنه كان ينتمي إلى حركة مقاومةٍ مسلحة، وذلك من أجلِ إطفاءِ تعطّش المجموعة الدولية الكبرى من الصهاينة النافذين (lobbyists) الراغبين في الانتقام. واضحٌ أن ما يسهّل تلفيق التهمة لِدياب هو كونه من بلد تتصارع مقاومتُه المسلحة مع إسرائيل.

يقول سيغال إن مَهامَه "شملت تقييم مدى اتِّباع المعنيين الحكوميين القانونَ وسياسات وزارة العدل وممارساتها في التعامل مع هذه القضية، وتحديد مدى إمكانية تحسين الأساليب التي اتبعتها "المجموعة الدولية المساعِدة في وزارة العدل" (IAG)، وتحديد الإشكاليات – إن وُجِدَت – التي على كندا التداول فيها مع شريكتنا الأجنبية (فرنسا)"...

وكما أشار كلارك في نقده للتحقيق، نصَّت استنتاجات سيغال على أن "كل الإتهامات الموجَّهة للمستشارين القانونيين في وزارة العدل باطلة. والخلاصة التي توصلتُ إليها هي أن مستشاري الوزارة القانونيين تصرفوا بأخلاقية، وقد بنيتُ خلاصتي على أساس واقعي متين. لقد تصرف مستشارو وزارة العدل كما ينبغي فعملوا على المُضي جدياً بالقضية الفرنسية...

عالم الترحيل يُساء فهمه نظراً لِصعوبة تحصيل المعلومات بشأن طريقة عمل نظام الترحيل في كندا. يجب أن تُبذَل جهود كبيرةٌ متتابعةٌ لتوضيح آلية الترحيل وزيادة شفافيتها. أعتقد أن هذه الجهود قد تساهم في تعزيز الثقة والاحترام لنظامنا الترحيلي".

 

الهُجنة

يقول كلارك: "ما أكبر ما كانت خيبة أملنا! وقد أعربنا عنها بقوة، فعندَ صدور تقرير سيغال، عقدنا مؤتمراً صحافياً وأوضحنا أن نتائج التقرير مرفوضة رفضاً تاماً، فالتقرير كان سيئاً واقعاً. أذكر أن حسن رفض أن يتعاون مع مَري سيغال أو أن يتحدث معه، وقال: "لن أشارك في هذه المسألة طالما أن صلاحيات سيغال أُطِّرَت بإطارٍ معينٍ". هذا كان موقفه، ولا أظن أنه أثَّر على النتيجة التي كنا – على الأرجح – نستطيع رؤيتها منذ البداية".

يُستهجَن أن فرنسا طالبات بترحيل دياب إليها في تشرين الثاني من عام 2008، أي بعد 28 عاماً من تفجيرِ كنيسِ شارع كوبرنيك (rue Copernic). الكثيرُ الكثير قد يحدث في 28 عاماً. فِلِأي سببٍ انتظر النظام القضائي كل هذه المدة لتوجيه التهم لو كانت قضيته محقة فعلاً؟ ألا يُضعِف هذا الانتظار ذرائعَ النظام القضائي؟ حتى أن مفجِّر الكنيس الحقيقي قد يكون ميتاً الآن، فمَن يعلم؟

 

المقال الأول:  صدى المشرق (sadaalmashrek.ca)

تفضلوا بمتابعة الجزء الأخير من تفاصيلِ هذه القضية لاحقاً.