في موقف حاخامات يهود: "نكبة ثانية تحصل باسم ديننا"

  • article



دارين حوماني ـ مونتريال

في الوقت الذي يعمل عدد غير قليل من الحاخامات اليهود في فلسطين المحتلة والعالم على الترويج لنصوص توراتية تدعو إلى قتل الأطفال وذلك من أجل تجييش الأرضية الإسرائيلية والدفع نحو ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، دون أي دافع للتبرير، بل من منطق القوة والحق في إبادة الشعوب الأخرى غير اليهودية، تطالعنا أصوات يهودية أخرى في العالم تحكي عن أن إسرائيل ليس لها الحق في الوجود كدولة، وأن التوراة لا تسمح باحتلال فلسطين ولا بقتل الأطفال والنساء. ويعتمد كلا الطرفين على نصوص دينية لتفنيد رؤيتهم لفلسفة العنف/ اللاعنف في اليهودية، وحق اليهود بقتل الأطفال والنساء وكل من يهدد إقامة دولة "إسرائيل"، أو عدم جواز ذلك.

عقب بداية الحرب على قطاع غزة، أفتى 43 حاخامًا لبنيامين نتنياهو بجواز قصف مستشفى الشفاء بغزة، على اعتبار أن العقيدة اليهودية تتضمن أوامر إلهية بالقتل. واستخدم الحاخامات في رسالتهم لغة توراتية تجيز القتل بحسب ترجمة مواقع فلسطينية محلية: "من الضيق الذي ألم بيعقوب جاء الخلاص- ستقوم أمة إسرائيل وسيُضرب أعداؤها بشجاعة، وكما قال داود ملك إسرائيل: ألاحق أعدائي وأبيدهم ولا أرجع حتى تتم إبادتهم".

وذكرت صحيفة هآرتس أن الحاخام عميحاي فريدمان احتفل في قاعدة تدريب عسكرية إسرائيلية بتصرفات إسرائيل في غزة بحماسة مبتهجًا لسيطرة إسرائيل في يوم من الأيام على مساحة من الأراضي من لبنان إلى غزة. وقال الحاخام: "الأرض لنا. البلد كلها! كله! بما في ذلك غزة! بما في ذلك لبنان! الأرض الموعودة بأكملها!... وصلنا إلى النقطة التي ينتقل فيها شعب إسرائيل إلى مستوى أعلى. لقد ولدنا منذ 75 عاماً كشعب جديد. الأرض الموعودة بأكملها لنا... إننا نعود إليها مرة أخرى! إن غوش قطيف - الكتلة الاستيطانية اليهودية السابقة في غزة التي تم إخلاؤها في خطة فك الارتباط عام 2005 - ستكون صغيرة مقارنة بما سنحققه بعون الله!" (1).

كما عارض الحاخام مائير مازوز، الزعيم الروحي لحزب شاس الديني المتطرف، الذي أسّسه اليهود السفارديم، إرسال مساعدات إلى غزة قائلًا: "لو كنا نتعامل مع الناس، لأرسلنا مساعدات إنسانية إلى غزة، لكننا نتعامل مع الحيوانات". وقد استخدم نفس الخطاب من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي شبّه الفلسطينيين بـ "الحيوانات"، وقال: "نحن نقاتل حيوانات شبيهة بالبشر وسنتصرف وفقًا لذلك" (2).

وقال الحاخام الأكبر لمدينة صفد شلومو إلياهو: "إذا قتلنا 100 دون أن يتوقفوا عن ذلك فلا بد أن نقتل منهم ألفاً، وإذا قتلنا منهم 1000 دون أن يتوقفوا فلنقتل منهم 10 آلاف. وعلينا أن نستمر في قتلهم حتى لو بلغ عدد قتلاهم مليون قتيل، وأن نستمر في القتل مهما استغرق ذلك من وقت"، وأضاف إلياهو قائلاً "المزامير تقول: سوف أواصل مطاردة أعدائي والقبض عليهم ولن أتوقف حتى القضاء عليهم" (3).

ومن أبرز الحاخامات الذين ينادون بإبادة الفلسطينيين الحاخام يتسحاق شابيرا الذي نشر عام 2009 كتابًا بعنوان "توراة الملك" بالاشتراك مع الحاخام يوسف إليتسور، وقد قدّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات دراسة عن هذا الكتاب بعنوان "توراه الملك وقتل الفلسطينيين" (2011). ويعدّ الكتاب دليلًا لليهود على شرعنة قتل كل من هو غير يهودي مستندين إلى نصوص تلمودية، حيث يؤكد المؤلفان أن غير اليهودي الذي يخالف شرائع نوح السبعة يجب قتله، فقد طلب الله من جميع البشر قبول توراته لكن بني إسرائيل فقط استجابوا للأمر. وتنفيذ جريمة القتل لا تتطلب محكمة أو شهود إثبات ويكفي أن يعلم اليهودي أن غير اليهودي يخالف أحد القوانين السبعة ليقتله. وبحسب المؤلفين، لا أحد بريء، سواء كانوا كبارًا أو صغارًا أو أطفالًا أو نساءً، ويجب الانتقام من الأطفال والبالغين. وفي تعداد أسباب قتل الأطفال الفلسطينيين، يقول المؤلفان إنه يجب التعامل مع ضرورة قتل الأطفال الفلسطينيين لأنه بقتلهم يمكن تجنب الشر، فهم متهمون بأن يصبحوا أشرارًا عندما يكبرون (4).

ويمكن أن نعود إلى سفر يشوع تحديدًا، ويتضمن عددًا من النصوص التي تجيز لليهود ارتكاب كل الشنائع بأمر من رب موسى، ففي اقتحام أريحا سنقرأ "وحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْف"، يش 6: 21  (5).

وعند اقتحام عاي "وَكَانَ لَمَّا انْتَهَى إِسْرَائِيلُ مِنْ قَتْلِ جَمِيعِ سُكَّانِ عَايٍ فِي الْحَقْلِ فِي الْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَحِقُوهُمْ وَسَقَطُوا جَمِيعًا بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى فَنُوا، أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ رَجَعَ إِلَى عَايٍ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. فَكَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ سَقَطُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، جَمِيعُ أَهْلِ عَايٍ. وَيَشُوعُ لَمْ يَرُدَّ يَدَهُ الَّتِي مَدَّهَا بِالْمِزْرَاقِ حَتَّى حَرَّمَ جَمِيعَ سُكَّانِ عَايٍ. لكِنِ الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ لأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَشُوعَ. وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا تَلاًّ أَبَدِيًّا خَرَابًا إِلَى هذَا الْيَوْمِ"، يش 8: 19-28 (6). وهناك العديد من العبارات في سفر يشوع التي تُشرك الإله في فعل الإبادة وجعله آمرًا بها.

وفي سفر العدد 31: 7-9-10-11 سنقرأ: "فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر. وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار. وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم" (7).

 وفي الإصحاح الخامس عشر من سفر صموئيل الأول (15 - 3): "فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلًا، وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحمارًا". وفي الإصحاح الثالث والعشرين من سفر صموئيل الأول: 2، نقرأ: "فسأل داود من الرب قائلًا: أأذهب وأضرب هؤلاء الفلسطينيين؟ فقال الرب لداود: اذهب واضرب الفلسطينيين وخلّص عقيلة" (8).

وفي الإصحاح الثالث من سفر صموئيل الثاني: 18 "فالآن افعلوا، لأن الرب كلّم داود عبدي أخلّص شعبي من يد الفلسطينيين ومن أيدي جميع أعدائهم"، ونقرأ في سفر صموئيل الثاني مرارًا كيف أن "الرب" أمر داود بضرب الفلسطينيين، وكيف تمكّن داود من ذلك. ففي الأصحاح الثامن:1 "وبعد ذلك ضرب داود الفلسطينيين وذلّلهم، وأخذ داود زمام القصبة من يد الفلسطينيين" (9).

في المقابل، ثمة نصوص أخرى تشير إلى أن "الرب" غضب من الإسرائيليين لأنهم "نجسّوا الأرض" التي وعدهم بها، وكل أرض دخلوها، وتدعو هذه النصوص إلى عدم سفك الدماء، ففي سفر حزقيال (الإصحاح 36: 17-18-19-20-21)، نقرأ "وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ لَمَّا سَكَنُوا أَرْضَهُمْ نَجَّسُوهَا بِطَرِيقِهِمْ وَبِأَفْعَالِهِمْ. كَانَتْ طَرِيقُهُمْ أَمَامِي كَنَجَاسَةِ الطَّامِثِ، فَسَكَبْتُ غَضَبِي عَلَيْهِمْ لأَجْلِ الدَّمِ الَّذِي سَفَكُوهُ عَلَى الأَرْضِ، وَبِأَصْنَامِهِمْ نَجَّسُوهَا.  فَبَدَّدْتُهُمْ فِي الأُمَمِ فَتَذَرَّوْا فِي الأَرَاضِي. كَطَرِيقِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ دِنْتُهُمْ.  فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى الأُمَمِ حَيْثُ جَاءُوا نَجَّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ، إِذْ قَالُوا لَهُمْ: هؤُلاَءِ شَعْبُ الرَّبِّ وَقَدْ خَرَجُوا مِنْ أَرْضِهِ.  فَتَحَنَّنْتُ عَلَى اسْمِي الْقُدُّوسِ الَّذِي نَجَّسَهُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي الأُمَمِ حَيْثُ جَاءُوا" (10).

وفي سفر العدد، نقرأ: "لا تُدَنِّسُوا الأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، لأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الأَرْضَ عدد 35: 33 (11).

وفي مقابل الحاخامات الذين يدعون إبادة الفلسطينيين، ثمة حاخامات يهود حول العالم يرفضون وجود إسرائيل ويطالبونها بالاعتذار من الفلسطينيين وإعادتهم إلى أرضهم، ويشارك هؤلاء في المظاهرات العالمية التي تندّد بالحرب على غزة. وتعدّ المنظمة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية أو حركة ناطوري كارتا Neturei Karta من أبرز الحركات اليهودية العالمية التي تقف إلى جانب الفلسطينيين في حربهم مع "إسرائيل" وتطالب بوقف الحرب على غزة، وهي موجودة بفعالية في كل هذه التظاهرات. تحمل هذه الحركة شعار "يهود موحّدون ضد الصهيونية"، وترفض هذه الحركة الحريدية الصهيونية بكل أشكالها وتعارض وجود دولة إسرائيل وتتواجد المنظمة في القدس ولندن ونيويورك ومونتريال وعدد من مدن العالم. وقد تأسست عام 1935 وتنادي بإعادة الأرض للفلسطينيين، وأنه يُمنع أن يكون لليهود دولة خاصة بهم حتى مجيء المسيح، وترى هذه الحركة أن التوراة لا تسمح بقتل الأبرياء. 

وقد أدان الحاخام حاييم سوفير، عميد حركة ناطوري كارتا في بريطانيا، المذبحة التي تحصل في غزة، مطالبًا بإرسال قوة دولية لحماية الأبرياء الفلسطينيين، متمنيًا أن يرى الفلسطينيين يبنون منازلهم التي "دمرتها قوات الإرهاب الصهيونية"، كما عبّر، وأن يتم تنفيذ القرار 194 الذي ينص على حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم، واصفًا نتنياهو بأنه "كافر"، وأن "الحاخامات الذين يتحدثون عن أن التوراة تسمح بقتل الأطفال والنساء يخدمون القضية الصهيونية. التوراة لا تسمح باحتلال فلسطين والشعب الفلسطيني، قتل الأبرياء أمر بشع، وهذا أمر مرفوض. إسرائيل ليس لها حق الدفاع وحق الوجود وهذا الأمر مكتوب 100 بالمئة في التوراة... الدولة الصهيونية جزء من أميركا... ترجمات التوراة هي صحيحة 100 في المئة، والتي تنص على أن قيام الدولة الصهيونية في فلسطين ممنوع، رب العالمين طردنا من هذه الأرض المقدسة، ولدينا أمر إلهي بأن نعيش مع الجميع تحت جناحهم بسلام وتعايش، ممنوع أن نقيم دولة صهيونية في فلسطين أو أميركا أو أوروبا" (12).

وكان المجمّع الإسلامي في مونتريال (كندا) قد نظّم الشهر الفائت ندوة جمعت ثلاثة حاخامات مع شخصيات كندية بارزة تؤيد حركة مقاطعة إسرائيل، وشخصيات كندية من أصل عربي. وكان للحاخام دوفيد فلدمان، الناطق باسم حركة ناطوري كارتا في كندا، كلمة مهمة، ومما قال فيها: "في وقت نجتمع فيه هنا، يتم تنفيذ إبادة بشعة حيث المئات من الأطفال والنساء يُقتلون بشكل جماعي... أنا كحاخام يهودي وكشخص يهودي أقول إن هذا وبأسف يتم باسمنا، يتم استخدام الدين اليهودي بطريقة خاطئة لتبرير كل هذه الجرائم. الحركة الصهيونية بُنيت على باطل... ومن أشهر ما تستخدمه الدعاية اليهودية مفهوم الأرض الموعودة، وبأن الله وعد اليهود بالأرض المقدسة... حاولوا أن يصوّروا أن كل اليهود يؤيدون هذه الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل وإذا تجرأتم على الانتقاد فأنتم معادون للسامية". وشرح فلدمان مفهوم الأرض الموعودة قائلًا: "نعم، مفهوم الأرض الموعودة مذكور في التوراة، لكنهم لا يُظهرون لكم إلا وجهًا واحدًا من وجهي العملة. فوفقًا للديانة اليهودية وعد الله ولدي إبراهيم، إسحاق ويعقوب، بالأرض للحاخام ديفيد فلدمان المقدّسة، وقد تحقّق ذلك الوعد بإحضار الشعب اليهودي إليها، فنحن نؤمن أننا أُحضرنا إلى الأرض المقدّسة بالمعجزات، وبيد الله لا بقوتنا، لكن الوجه الآخر للعملة أساسي جدًا بالنسبة لليهودية، وهذا للأسف ما نسيه كثر اليوم، فالوجه الآخر يتمثل بالإشارة مرتين في التوراة إلى الآتي: ‘لا تدنسوا الأرض فتنبذكم‘، فإن لم يحافظ الناس على مستوى القداسة فهم سينفون من الأرض. بعد مئات السنين حذّر الله الشعب اليهودي عبر الأنبياء من أنهم ما لم يتوبوا فسينفون في الأرض. وللأسف هذا ما حصل، فقد دُمّر المعبد اليهودي المقدّس وأُخرج الشعب اليهودي إلى المنفى".

ورأى فلدمان أن "كل اليهود عبر كل الأجيال بدون أي استثناء قبلوا النفي كإرادة إلهية وعلينا أن نقبلها ومحرّم علينا محاربتها والعودة إلى الأرض المقدّسة بشكل جماعي، ومحرّم علينا محاربة أي أمة، وهذا من أسس اليهودية التي قبلها كل اليهود حتى بداية الصهيونية منذ قرابة الـ 150 عامًا. وبحسب ديننا خلال وجودنا، كيهود، علينا أن نعيش بسلام مع جيراننا. لدينا دين يهودي منذ 3000 عام وفلسفة صهيونية منذ 150 عامًا. هذه الفلسفة نشأت على أيدي أشخاص غير متديّنين من أمثال ثيودور هرتزل ورفاقه، من أشخاص لم يكونوا يمارسون الشعائر الدينية بل ممن يكرهون الله ودينه، ومثل هؤلاء الأشخاص يمكنهم فقط تأسيس فلسفة على نقيض من الأسس اليهودية".

واعتبر فلدمان أن ما يجري اليوم في غزة "ليس مخالفًا للقوانين الدولية فقط، بل للقوانين اليهودية. دولة إسرائيل لا تمثّل بأي حال الدين اليهودي ولا تمثّل الشعب اليهودي.. لكن نتنياهو يصرّ على أن يسمّي إسرائيل الدولة اليهودية. لماذا ليس الدولة الصهيونية؟ إنهم يريدونكم أن تسمّوها الدولة اليهودية لكي تظهر أنها تمثّل اليهودي، وبالتالي فإذا انتقدها أحد فإنه ينتقد اليهود، أي هو معادٍ للسامية، وهذا ما لا يريده أحد... إن اليهودية والصهيونية متضادين، وليسا متضادين فحسب، بل إن أعدادًا كبيرة من اليهود تعارض الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية وتعارض كل الجرائم التي ارتُكبت على مدى عقود. كان اليهود والمسلمون يعيشون سويًا، هذا الأمر كان موجودًا، كلانا يؤمن بإله واحد، كلانا متقاربون وكنا نحترم بعضنا وحمينا بعضنا وهذا ما عشناه خصوصًا في فلسطين. لا يكفي وقف إطلاق النار في غزة، نريد حرية كاملة ونهاية للاحتلال وحينها يمكن أن نرى السلام الذي كان موجودًا من قبل" (13).

وفي مقابلة مع الحاخام إلحنان بك من حركة ناطوري كارتا عقب الحرب على غزة قال لدى سؤاله إن كان هجوم حماس خطأ: "إن ما حصل هو نتيجة 75 عامًا من قتل الإسرائيليين للفلسطينيين، وأخذ أراضيهم، وحصارهم، أفعال مجنونة، كيف تمكن الفلسطنييون من العيش تحت كل الضغوط التي تعرّضوا لها" (14).

كما أحرق عدد من الحاخامات العلم الإسرائيلي في لندن في مسيرة "يوم القدس العالمي" في شهر نيسان/ أبريل من العام الحالي احتجاجًا على الجرائم الإسرائيلية، ومن أبرز المشاركين الحاخام بك الذي اعتبر أن اليهود كالمسلمين والمسيحيين يبغضون الصهيونية ويعتبرون المواقف الصهيونية كإعلان حرب على الله.

وبالمثل أعرب الحاخام يسرائيل ديفيد فايس، وهو عضو بارز في حركة ناطوري كارتا، عن حزنه لما يحدث في غزة قائلًا: "نحن نتألم، ونعاني لما نراه في غزة، لا شيء يعبّر عن الإحباط الذي نشعر به، إنها نكبة أخرى تحصل باسم ديني الذي عمره 3000 سنة، ولا يمكن لحركة غير دينية اسمها الصهيونية أن تقوم بكل هذا القتل باسم الدين اليهودي، ولا يمكن لهم احتلال أرض باسم ديني، وإسكات كل من يعترض على ذلك باسم معاداة السامية. هذا خطأ كبير. ديني يدعو إلى خدمة الله، وليس احتلال الأرض وسرقتها، وقتل الناس فيها، لقد عشنا مع المسيحيين والمسلمين منذ ألفي عام. إننا نعتبر ما يحدث جرائم باستخدام الدين اليهودي. الصهيونية مجرمة، وما يحدث غير مقبول في ديني". وقد أظهر خلال مقابلته صورًا تجمع حاخامات يهود مع مسلمين في فلسطين منذ ما قبل النكبة، في إشارة إلى السلام والتعايش الذي كان قائمًا بين اليهود والمسلمين قبل احتلال فلسطين (15).

وقد دانت الحاخام شارون بروس المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولكنها في الوقت نفسه اعتبرت أن البقاء صامتين أمر غير مسؤول، وأن تصرفات إسرائيل مع الفلسطينيين ستنفّر رعاياها منها وستعزّز معاداة السامية. وبروس هي حاخامة مؤثرة ولها جماعة تنمو بسرعة في لوس أنجلوس، وقد أمضت معظم حياتها المهنية في الدفاع عن حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وقد اعتبرت في أحد خطاباتها الأخيرة أنه لا يمكن إنكار "الحقوق الأساسية والكرامات والأحلام لملايين الفلسطينيين" (16).

وتعمل منظمة "توراه- الدعوة الحاخامية لحقوق الإنسان" T’ruah: The Rabbinic Call for Human Rights، وهي تجمّع لحاخامات أميركا الشمالية، لضغط الولايات المتحدة على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب. وقالت الحاخام جيل جاكوبس، الرئيسة التنفيذية للمنظمة: "إننا ندعو الإدارة الأميركية إلى التحرك بشكل عاجل لإعادة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى وقف آخر لإطلاق النار، بحيث يمكن إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين بأمان، ويمكن أن تصل المساعدات الإنسانية الكافية إلى الأشخاص اليائسين في غزة، ويمكن اتخاذ خطوات تجاه ذلك. يجب إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن. ويجب أن يتم ذلك على الفور من أجل منع وقوع المزيد من الوفيات بين الفلسطينيين والإسرائيليين". ورغم تأييدها لإسرائيل بالدفاع عن نفسها فإنها ذكرت أنه "يجب أن نكون واضحين للغاية: لا شيء يمكن أن يبرر مستوى الموت والدمار في غزة. يجب على أصحاب الضمير أن يتكلموا. وكما كتب الحاخام أبراهام جوشوا هيشل أثناء احتجاجه على حرب فيتنام: ’إن نزاهتنا كبشر تتدهور في ظل المعاناة والقتل بلا رحمة الذي يرتكب باسمنا’". وأضافت: "هذه الحرب لا يمكن الفوز بها. ومع استمرار الحرب تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين المبلغ عنهم 18 ألف شخص، وتم تشريد 1.9 مليون شخص وانتشار الجوع والمرض. ولا يمكن لهذه الخطط العسكرية أن تشمل القصف الجوي المستمر في غزة أو حرمان مليوني مدني من الغذاء والماء والدواء والوقود الكافي. وعلى مدى شهرين، قصف الجيش الإسرائيلي المباني المدنية التي يقول إنها أهداف عسكرية مشروعة، مع العلم أن الخسائر البشرية ستكون مرتفعة للغاية"... وتابعت: "يجب على الولايات المتحدة تكثيف الضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي في الضفة الغربية. وبينما تركز الاهتمام الدولي إلى حد كبير على غزة، استغلت حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل هذه اللحظة لإثارة وتمكين عنف المستوطنين وتهجير الفلسطينيين" (17).

وكان 19 حاخامًا من أميركا الشمالية، من بينهم الحاخام جيل جاكوبس، والحاخام أنجيلا بوشدال، والحاخام شارون كلاينباوم، قد وقعوا عريضة العام الفائت يرفضون فيها تمويل "الصندوق المجتمعي اليهودي" (في أميركا) لجماعات متطرفة في إسرائيل معتبرين أن تبرعات اليهود في أميركا لا يجب أن تذهب إلى منظمات تدعو إلى العنف، من بينها منظمة "لهافا" المعروفة بمسيراتها العدوانية في القدس والتي تهتف "الموت للعرب".

يُذكر أن إدانة الحرب الوحشية على غزة لا تقتصر على الحاخامات، فالكثير من اليهود، مفكرين، وفنانين، وكتّابًا، حول العالم يندّدون بهذه الحرب ويشاركون في المسيرات المؤيدة للفلسطينيين، ويرون أنه لا يجوز أن تستمر هذه الحرب باسم اليهود.

إحالات:

(1)https://www.haaretz.com/israel-news/2023-11-05/ty-article/rabbi-at-israeli-military-base-says-whole-country-is-ours-including-gaza-and-lebanon/0000018b-a031-d42c-a9ef-ad772cdc0000
(2)https://www.aa.com.tr/en/middle-east/israeli-rabbi-opposes-sending-humanitarian-aid-to-gaza/3050255#
(3) https://shorturl.at/fkwN0
(4)https://www.dohainstitute.org/en/ResearchAndStudies/Pages/The_Kings_Torah_and_the_Killing_of_Palestinians.aspx
(5)https://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showVerses.php?book=6&chapter=6&vmin=21&vmax=21
(6)https://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showVerses.php?book=6&chapter=8&vmin=19&vmax=28
(7) https://st-takla.org/pub_oldtest/04_numer.html
(8) https://st-takla.org/pub_oldtest/09_sam1.html
(9) https://st-takla.org/Bibles/Arabic-Bible-with-Diacritics/pdf/10-2-Samuel.pdf
(10) https://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showChapter.php?book=33&chapter=36
(11)https://sttakla.org/Bibles/BibleSearch/showVerses.php?book=4&chapter=35&vmin=33&vmax=33
(12) https://shorturl.at/oqwNY
(13)https://www.sadaalmashrek.ca/ar/Community/content/04273677-4a89-4f2d-b31d-ab03a7f87e9f
(14) https://www.youtube.com/watch?v=WPr078IK2zM&t=36s
(15) https://www.youtube.com/watch?v=_FNtMV2i8-8
(16) https://www.wsj.com/world/middle-east/on-gaza-an-american-rabbi-decries-hamas-but-finds-fault-with-israels-leaders-too-e5dbca0f
(17)https://truah.org/press/north-american-rabbis-u-s-must-pressure-israel-to-return-to-negotiations-end-war/

  *نقلا ( عن العربي الجديد)
**الصورة من صدى المشرق

معرض الصور