تحقيق "الحجاب: هل هو فريضة دينية ام بدعة سياسية" ؟ ماذا تقول لجنة الفتوى بمجلس أئمة كيبيك؟

  • article

فاطمة بعلبكي

صدى المشرق- مونتريال

 في معرض الرّد على الفرضيات الجدليّة التّي طرحها د. سامي عون حول عدم إلزاميّة الحجاب كفريضة من الفرائض الإسلامية واعتباره بدعة سياسيّة وموروث ثقافي ،انبرت لجنة الفتوى بمجلس أئمة كيبيك برئاسة الشيخ سعيد فواز وبالتّعاون مع المنتدى الإسلامي الكندي (CMF) الى تفنيد الفرضيّات المطروحة ونفيّها جملةَ وتفصيلاً.

استهلّت اللجنة في سياق نقضها لفرضيّة (تهافت الحجاب) التأكيد على إلزاميّة الحجاب للمرأة المسلمة، "فإن الحجاب فريضة من فرائض الاسلام الواجبة على كل مسلمة بلغت سن البلوغ، وقد ثبتت فرضيته بصريح القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة، وعلى ذلك انعقد إجماع الأمة واستفاض البيان حتى أصبحت فرضية الحجاب من معلومات الدين الضرورية التي لا يتصور غيابها إلا عن من جهل الشرع الحنيف، قال تعالى: ((وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ....الآية)) سورة النور". وتابعت اللجنة: "لا عبرة بما استحدثه أدعياء الحداثة والتحرر من جدل حول فرضية الحجاب والزاميته في الشريعة الإسلامية الغراء، فليس كل خلاف جاء يكون معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر، ولا يكون للجدل حظ من النظر في قضايا التشريع إلا إذا كان مأذونا به شرعا من جانب، ومستوف للضوابط المشترطة لصحة النظر من جوانب أخرى، ولا يأذن بالاجتهاد في ظل وجود النص التشريعي قرآنا أو سنة، وإلا كان ذلك تشريعا مع الله وليس اجتهادا فيما شرع الله، ولأجل ذلك كانت قاعدة الأصولية (لا اجتهاد مع النص)".

 وقد اعتبرت اللجنة أنّ كل محاولة استحداث خلاف متأخر في قضية فرضية الحجاب بعدما خلت القرون على علم وعمل واحد بمقتضى وحي القرآن وصحيح الرواية النبوية الملزمين به على كل مسلمة بلغت مبلغ النساء ما هي إلا محاولة شغب على النص وميل وانحراف في مسلمات الفقه والتشريع. وجدير بالذكر أن فرضية الحجاب في الإسلام هي بمثابة لبنة ركينة جاءت بين ثنايا منظومة تشريعية متكاملة في تكريم المرأة وتعزيز صيانتها ومكانتها في المجتمعات.

ورأت اللجنة أنّ ما ينبغي التأكيد عليه في هذا المقام " ما أكّد عليه الأزهر الشريف في بيانه حول حجاب المرأة المسلمة من أنّه انسجام فطري قبل أن يكون تكليفا شرعيا، فالحجاب في مقصده الأساسي أداة تتمكن بها المرأة من أداء دورها في مجتمعها على نحو ما تريد. وقال: إن المتأمل بإنصافٍ لقضيةِ فرضِ الحجاب ِ يجدُ أنه فُرض لصالح المرأة؛ فالزِّيُّ الإسلامي الذي ينبغي للمرأة أن ترتديه، هو دعوة تتماشىٰ مع الفطرة البشرية قبل أن يكون أمرًا من أوامر الدين؛ فالإسلام حين أباح للمرأة كشفَ الوجه والكفين، وأمرها بستر ما عداهما، فقد أراد أن يحفظ عليها فطرتها، ويُبقي علىٰ أنوثتها، ومكانِها في قلب الرجل. وتابع الأزهر الشريف، كذلك التزامُ المرأة بالحجاب يساعدها علىٰ أن يُعاملها المجتمع باعتبارها عقلًا ناجحًا، وفكرًا مثمرًا، وعاملَ بناءٍ في تحقيق التقدم والرقي، وليس باعتبارها جسدًا وشهوةً، خاصةً أن الله ﷻ قد أودع في المرأة جاذبيةً دافعةً وكافيةً لِلَفت نظر الرجال إليها؛ لذلك". هذا وأهابت اللجنة بالمرأة المسلمة ألا تنساق إلى شبهات أولئك المضللين في قضية تأصيل الحجاب وفرضيته.

وردّا على بعض الأسئلة الجدليّة التّي طرحناها على اللجنة لنقض الفرضيات التي تشكّك بإلزامية الحجاب في الإسلام، أجابت:" إن فرضية الحجاب مقرّة بالقرآن والسنة ومنعقدة عبر العصور والدهور، وأنّه ليس من الموروثات الثقافية إنما هو من الثوابت الشرعيه، وأنه  لا إكراه فيه ولا إجبار عليه فالمرأة المسلمة ترتديه بكامل إرادتها وحريتها وبحب وقناعة. وقضية الحجاب موجودة حتى في الكتاب المقدّس، وهي ليست بدعا من القول، وما عمل به اليهود والنصارى سابقا، ويعمل به إلى اليوم متدينوهم، وورد ذلك في الكتاب المقدّس، في عهده القديم من سفر التكوين، وسفر أشعيا من أسفار الرسل. و كذلك التراث المسيحي يؤكد أن الحجاب فى النصرانية صور للراهبات والقديسة مريم عليها السلام. ودور العلماء في الإسلام هو بيان الحكم وإسداء التوجيه والنصح،  كذلك هو نوع من الحرية للمرأة في اختيار زيها والتعبير عن هيئتها ومظهرها وهو مجمع عليه شرعا في كل الطوائف والمذاهب في الإسلام وتكفله الحقوق والحريات، ومن المغالطات تصوير الحجاب بأنه إكراه للمرأة المسلمة وهذا لا يمت إلى الحقيقة بصلة"..

أمّا خلط الحجاب بالسياسة وأن وراءه تيار معين " فهذا نوع من العبث والهراء، وإلا سوف نسمع بعد ذلك أن هذه التيارات وراء الصلاة والصيام وإقبال الناس عليهما، فإقحام الحجاب في السياسة نوع من الجهل المطبق، بحقيقة تعاليم الإسلام ومحاولة للضحك على العقول الساذجة وتضليلها. وما قيل من أن بعض العلماء اختلفوا في حكم الحجاب فليس بصحيح لأن البعض يتحدث في أمر الحجاب وهم ليسوا من أهل الذكر أو التخصص الشرعي الدقيق ولا يؤخذ منهم العلم ولا الفتوى، فهم بمثابة المهندس الذي يعالج الناس فماذا ينتظر منه غير سوء التشخيص، وهؤلاء الناقمون على الحجاب يسيرون خلف عقولهم وينكرون أو يتجاهلون عن عمد النصوص الصحيحة والصريحة، أو يؤولونها حسب مرادهم لخدمة أهداف معينة".

وفي ما يتعلق بمسألة تغير الحكم الشرعي من مكان إلى آخر ومن زمان لآخر، فهذا لا صلة له بالححاب، لأن الحجاب حكم عام ثابت وليس فتوى قابلة للتغيير والتجديد.

أوصت اللجنة في ختام ردّها بأن يتعامل الناس مع المرأة المسلمة بما في عقلها ورأسها وليس بما على رأسها، "ونحن في بلد تحترم التعددية والتنوع وثقافة الآخر وعقيدته، وأولى بمن يثير مسألة حجاب المرأة أن ينشغل بما هو أهم للمجتمع الكندي وللمواطنين وما يحقق مصلحة الإنسان وصحته وتقدمه وإحياء روح الإخوة الإنسانية في المجتمع الواحد وهو في فترة حرجة بسبب تفشي الوباء. والله من وراء القصد وهو نعم المولى ونعم النصير".

(يمكنكم مطالعة التّحقيق على الرابط التالي: 
http://www.sadaalmashrek.ca/ar/Interviews/content/70995780-838c-41a1-a8be-545c2a2daaed