فاطمة بعلبكي – مونتريال
صدى المشرق
ما إن تمّ الإعلان عن لقاح كورونا وشروع الدّول المتقدمة، ومن ضمنها كندا، تطعيم العاملين في القطاع الطبي وكبار السن الجرعة الاولى منه بالتزامن مع نهاية العام 2020، حتى سرت الشّائعات كالنّار في الهشيم عبر منصّات التواصل الإجتماعي حول أضراره الصحيّة، ما أثار حالة من الرّعب والهلع بين النّاس حول العالم، خوفاً من تداعياته وآثاره على الجسم. وما زاد الأمر سوءاً تقاريرالاطباء المتخصّصين حول العالم وتخوّفهم من اللقاح ورفضهم تناوله والتحذير منه.
ولدحض الأقاويل المغلوطة والشائعات كان لا بدّ من معرفة الحقائق الطبيّة والعلميّة من "لدن حكيم خبير"، لذا، قابلنا د. وليد الأبيض، وهو باحث مساعد في مركز الأبحاث الطبيّة (CHUM) للحديث معه حول خصائص لقاحيْ كوفيد الجديديْن (Pfizer و Moderna) المعتمديْن في كندا.
يستهلّ د. الأبيض حديثه بالقول: "من وجهة نظر طبيّة متخصّصة وكوني متابع لموضوع التطعيم من بداياته وعلى إطّلاع دائم بالدّراسات العلميّة الحديثة حوله، أود أن أبيّن إيجابيات وسلبيات اللقاح، حتى يكون الناس على بيّنة، فنحن الآن نعيش في وضعٍ صعبٍ للغاية في كيبيك، حيث أعداد الإصابات آخذة بالإرتفاع بوتيرةٍ يومية، والمستشفيات أصبحت شبه ممتلئة، خصوصاً وأنّ التدابير الإحترازيّة التّي فرضتها وزارة الصحّة خلال موسم الأعياد لم تكن كافيّة لكسر المنحنى التصاعدي لإنتشار الوباء، واذا استمرّينا على هذا المنوال، فإنّ النتائج ستكون خطيرة وكارثيّة. لذا، أجد أنّ اللقاح هو السّبيل الوحيد لوقف إمتداد الجائحة، وكي يستعيد النظام الصّحي عافيته".
ويشير د. الأبيض الى آليّة عمل (Mechanism) اللقاحيْن السابقيْن ، حيث يتم حقن حمض نووي رسولي (messager RNA) هدفه توصيل رسالة محدّدة الى جزء من الخليّة ويحمل الشيفرة التّي تنتج البروتين الشوكي الخاص بالفيروس) بروتين(S فينتج الجسم عندها مناعة لمحاربة فيروس كورونا، وكل هذه العمليّة تحدث خارج نواة الخلية، وبالتالي ينفي الشّائعات التّي تتحدّث عن تغيير الحمض النووي(DNA) والبصمة الوراثية للأفراد. ويتابع: "اللقاح ينتج مناعة في الجسم تستمر على الاقل حسب الدراسة بين 3 و 4 أشهر، وهي مدّة كافية للسيطرة على أعداد الإصابات وكسر المنحنى التّصاعدي للفيروس، كما أنّ إنتاج البروتين وإختفاء(ال (mRNA من الجسم بعد إنتهاء مدة عمله، لن يؤدي الى حدوث مشاكل صحيّة على المستوى النّظري. وما يتم تداوله من احتواء اللقاح على مواد سامّة وخطيرة كالحديد والزئبق وغيرها لا يمت الى الحقيقة العلمية بصلة".
نقطة أخرى مهمّة يبيّنها د. الأبيض حول إلزاميّة اللقاح وفرضه على الناس "لا يحق للأطبّاء والعاملين في القطاع الصحّي ومجال التّمريض في كيبيك إعطاء أي دواء للمريض بدون إذن شخصي منه، وإلزام الأشخاص الأصحّاء بأخذ اللقاح أمر غير قانوني، وهو غير مطروح حتى الآن، ولكن ربما سيكون هناك إستثناء في الحالات الضرورية القصوى لاحقاَ! القرار بيد المختصّين".
وعن فعاليّة اللقاح، يوضح د. الأبيض أن لقاح (Pfizer) قد تمكّن من تحقيق وقاية في الجسم بنسبة 95%، فيما بلغت نسبة الوقاية جرّاء(Moderna) 94.1%، وتعتبرهذه النسب مرتفعة، ولم تشهدها لقاحات سابقة، بإستثناء لقاح الحصبة الذّي بلغت نسبة حمايته 97%. ويشرح أنّ "من بين كل 100 شخص تلقوا اللقاح، فإنّ 95% لن يعانوا من مضاعفات متوسطة أو شديدة إذا أصيبوا بالفيروس، وسيبقى وضعهم الصحّي مستقراَ، وبالتّالي لن يضطروا الى دخول المستشفى، ويبقى فقط 5% من الناّس معرّضين للإصابة بالمضاعفات، وستكون في معظمها خفيفة ولكن ستكون أمامهم فرصة تلقّي العلاج في المستشفى إذا احتاجوا له". وتطرّق للحديث عن الآثار الجانبيّة للقاح كورونا، معتبراَ أنّها عامّة على غرار اللقاحات الأخرى، وتشمل: الألم الموضعي مكان الوخز، والصّداع، وآلام المفاصل الخ... وتستغرق يومين الى ثلاثة أيّام كحدّ أقصى.
ويعزو د. الأبيض سرعة إنتاج اللقاح خلال مدّة زمنية قصيرة نسبيّاً وسابقة في حقل اللقاحات الى عدّة أسباب، في طليعتها "التطوّر التكنولوجي، فالمنصّات العلمية (Platforms) المخصّصة للتعامل مع الامراض المستحدثة موجودة بالفعل واستخدم الـmRNA في تجارب علاج السرطان وغيره منذ ما يناهز الـ 25 عاماً، ناهيك عن التمويل الهائل الذّي ضخّته الدول في مجال البحوث العلميّة، والتعاون العالمي بين الجامعات وتبادل المعلومات، فضلاَ عن الأعداد الضّخمة للمتطوّعين، ما أثمرإنتاج اللقاح في وقت قياسي".
أمّا سلبيّات اللقاح فتكمن في "صعوبة حفظه لأنّه هش (Fragile) وسريع التلف، حيث يحتاج (Pfizer) الى التجميد بحرارة -70 درجة مئوية لحفظه و (Moderna) الى -20 درجة مئوية، كما أنّه لا توجد معلومات دقيقة عن المدّة الزمنيّة للمناعة التّي ينتجها اللقاح على المدى البعيد، وما اذا كان الشّخص الذّي تمّ تطعيمه سابقاَ سيكون بحاجة لتجديد التطعيم كل سنة لتكوين مناعة لمدّة عام، على غرار لقاح الإنفلونزا السّنوي! بالإضافة الى عدم وجود دراسات علميّة حول تأثير اللقاح على النّساء الحوامل والأجنّة لأنهن لم يدخلن ضمن التجارب السّريريّة، والأمر سيّان بالنسبة للأطفال دون سن السادسة عشر، فضلاَ عن افتقار الدراسات أيضاّ حول تأثيراته على الأشخاص الذّين يعانون من ضعف المناعة جرّاء الأمراض المستعصيّة، كالسرطان، أوالأمراض المزمنة! فقط التّجربة والوقت هما من سيجيب على هذه الأسئلة"، وفق د. الأبيض.
نقطة التحوّر الجديد للفيروس يناقشها أيضا، "الذّي ظهر مؤخّراً ليس نسخة جديدة من الفيروس بل نسخة معدّلة أو متغيرة (variante) وهو أمر طبيعي، لأنّ الفيروسات تتحوّر كثيراَ بسبب وتيرة تكاثرها محدثةَ أخطاء في الجينوم، وقد تكون هذه الأخطاء طفيفة، أو تؤثّر على شكل الفيروس أو طريقة عمله. وقد ظهرت عدّة تحوّرات سابقاَ في فيروس كورونا خلال عام 2020، ومؤخراً ظهرت طفرات أثّرت على البروتين S في حوالي ثمان نقاط". ويردف "من حسن الحظ أن فيروس كورونا ليس كثير التحوّر نسبياَ كما فيروس الرشح، وإلّا كان إنتاج الطعم أكثر تعقيداَ وصعوبةَ، ومن المتوقّع أن لا يؤثّر هذا التحوّر على عمل اللقاح الحالي وفعاليتّه، والتجربة ستثبت هذه المسألة".
بناءَ على ما تقدّم من معطيات وأدلّة علميّة يرى د. الأبيض أن إيجابيات اللقاح اكثر من سلبياته، وتطبيقاَ لمبدأ "الغاية تبرّر الوسيلة" (خصوصاً اذا كانت الوسيلة آمنة علمياَ من وجهة نظره) يحثّ الناس على أخذه لتفادي مخاطر أكبر قد يتعرّضون لها في حال إصابتهم بكورونا، مستشهداَ بمثال حي يختبره النّاس حول العالم ولا يخلو من المخاطر، وهو السفر الدولي "في كل مرة يسافر الإنسان بواسطة الطائرة، يكون معرّضاَ الى إحتمال سقوطها أوتحطّمها، ومع ذلك لم ولن يمتنع عن السفر". وينصح النّاس بعدم تصديق الشائعات ويطلب منهم قراءة الآثار الجانبية للمسكنات التّي يتناولونها منذ عقود وموجودة في كل منزل، حيث سيندهشون من حجم المخاطر التّي تنطوي عليها، وهو ما يفوق بأضعاف حجم مخاطر لقاح كورونا المعروفة!!
بدوره يثير الإختصاصي بالعظم في University Hospital في منطقة London بمقاطعة أونتاريو د.محمد ناصرالدين مسألة مهمّة حول فيروس كورونا ويعتبره جزءاَ من الحرب البيولوجية التّي ظهرت الى العلن، مستغرباَ "حجم الضخ الإعلامي العالمي وترويج شركات الأدوية المنتجة للقاح كي يتم فرضه باعتباره الحلّ الوحيد للقضاء على فيروس كورونا،
ما يثيرالشّك والريبة! ولكن للمرة الأولى لا تكون دول العالم الثالث حقل التّجارب، بل الدّول المتقدمّة، فما هي الغاية الحقيقيّة من الأمر؟!".
وبالرغم من أنّه لا ينفي حجم الأعداد الكبيرة في الإصابات " من يعمل في الحقل الطبي وعلى أرض الواقع يدرك حجم المخاطر وتداعياتها على القطاع الصحّي، حيث يتم إستخدام كميونات تبريد لحفظ الجثث، لكن لا يجب إعطاء اللقاح بشكل عشوائي وتعميمه على جميع الناس بمختلف فئاتهم العمرية"، بحسب د. ناصر الدين.
وبالرّغم مما تقدّم، يشيد د. ناصر الدين باللقاح، باعتباره إنجازاً علميّا َمتقدّماَ، كما أنّ تكنولوجيا الـ (mRNA) المستخدمة في كلّ من (Pfizer) و (Moderna) آمنة وقديمة ولا تدعو الى الخوف أو القلق، ولكنّه ينصح باستخدامة في حالات معينة ولأسباب وقائيّة على غرار لقاح الإنفلونزا، أي إعطائه لكبار السّن للحد من مضاعفات فيروس كورونا على صحّتهم، وكذلك من يعانون من الأمراض المزمنة، والأشخاص العاملين في القطاع الطبّي. امّا الشّباب والأطفال فإصابتهم بكورونا ستمكّنهم من تكوين مناعة طبيعيّة ضدّ الفيروس، تكون أكثر فعاليّة من المناعة التّي يقدّمها اللقاح، "لا سيّما اذا ما تحوّر الفيروس كما شهدنا مؤخراَ، فحينها سيفقد اللقاح فعاليّته، لأنّه يعمل على عدد قليل من البروتينات".
للاطلاع على الحلقة الاولى من هذا التحقيق والتي تناولت آراء الجالية يمكنكم الذهاب الى هذا الرابط التالي :
http://www.sadaalmashrek.ca/ar/Interviews/content/4b81a073-4f30-4ae5-8aa2-ffcecc54ac8d