كندا بين الغزو السعودي المقبول و الغزو الروسي المرفوض!

  • article

هاشم البحراني - مونتريال 

الموقف الرسمي الكندي وشبه الرسمي من الغزو الروسي لاوكرانيا يثير الاستغراب حقا. و الهستيريا التي اصابت حكومة ترودو والاعلام الكندي بسبب هذا الغزو يثير الاشمئزاز لانه موقف منافق ويكيل بمكيالين .

فمن يتابع الاجراءات العقابية ضد روسيا والنوح و البكاء الرسمي والاعلامي على اوكرانيا و السفر المستعجل للمسؤولين الى البلد الذي تعرض للغزو الروسي واظهار التعاطف اللامحدود مع الشعب الاوكراني يتساءل عن موقف كندا بالذات من الغزو السعودي المستمر للبحرين منذ عام 2011 والى الان والغزو السعودي المستمر لليمن منذ عام 2015 والى اليوم (اي ما قبل غزو اوكرانيا والى ما بعده )والذي لم يكن موقفا  صامتا او محايدا فقط بل متجاهلا وداعما سياسيا للغازي السعودي ضد الشعبين البحراني و اليمني ومساندا ومشاركا في هذا الغزو الهمجي، عن طريق استمرار تزويد الحكم المتطرف في السعودية بالاسلحة اللازمة لاستمرار هذا الاعتداء على دولتين وشعبين ، فما هو الفرق بين الشعب الاوكراني الذي يجب الوقوف معه وتاييده والشعبين البحراني و اليمني الذين يجب تجاهلهما ورفض اي دعم لهما ؟ ولماذا الغزو السعودي مقبول و الروسي مرفوض ؟

ترى ما هي القيم والمباديء التي تجمع الحكومة الكندية بالحكومة السعودية ؟ فالحكم السعودي المعروف بتبنيه للفكر الوهابي المتطرف الذي اخرج للعالم التنظيمات الارهابية ( القاعدة وداعش وجبهة النصرة وبوكو حرام وغيرها ) حظي بصمت كندي رسمي في غزوه للبحرين عام 2012 رغم ان الجيش السعودي ارتكب المجازر ضد الشعب البحراني الذي لم يطالب باكثر من احترام حقوقه والعيش بكرامة، كاي شعب اخر ، كذلك اتخذت كندا موقف الصمت وعدم التنديد حتى بالغزو الارهابي السعودي لليمن رغم ان ضحايا مجازره من المدنيين فاقت عشرات الالاف حيث اكدت تقارير رسمية لمنظمات عالمية استهدافه لمدارس اطفال ومستشفيات ومنازل سكنية وتجمعات اهلية عمدا اعترف هو ببعضها رسميا بانها كانت خطأ ورفضت حكومتنا حتى ادانته. بل وانكى من كل ذلك انها شاركت بالغزو عبر استمرارها بتزويد النظام السعودي الهمجي بالاسلحة المختلفة، وبالاخص المدرعات التي تقول عنها الحكومة بانه لم يثبت استخدامها ضد المدنيين وكأن المدرعات الكندية تنثر الزهور على منازل الابرياء وليس القنابل التي تحيل بيوتهم الى ركام ومقابر جماعية .

بالمقابل ماهذا الهيجان والهستيريا التي اصاب حكومتنا امام الغزو الروسي لاوكرانيا حيث لم تترك اي وسيلة الا واستخدمتها لاعلان رفضها للغزو الروسي ( والذي يجب ان يدان بكل تاكيد ) وفي الوقت الذي قدمت للغازي السعودي الاسلحة للاستمرار بغزوه وارتكابه للمجازر فانها قدمت لاوكرانيا ليس فقط ما تستطيع من دعم سياسي واعلامي ومادي وعسكري بل حتى انها ادخلت الرياضة و الفن والسينما والثقافة في حربها ضد روسيا، في وقت كانت ودول كثيرة جدا ترفع شعار ان ابعدوا الرياضة و الفن و الثقافة عن السياسة لانها تقرب بين الشعوب، واذا بها تدخلها هي بنفسها بالحرب ضد روسيا. فما عدا مما بدا حتى يكون الغزو السعودي مقبولا و الروسي مرفوضا ؟

ما الذي يدفع كندا التي ترفع الصوت ضد اي انتهاك لحقوق الانسان وتقطع العلاقات مع دول بسببها لان تسكت عن كل المجازر السعودية في اليمن و البحرين ؟ وتغض الطرف تماما عن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن السعودي في عمله وحياته ومعيشته ؟ بل ولا تعترض على دخول عملاء للحكومة السعودية للاراضي الكندية للقيام باعمال ارهابية ولا تعتقلهم ولكنها مجرد تطلب منهم المغادرة دون اتمام العملية التي جاؤوا من اجلها،في وقت تقيم الدنيا ولا تقعدها على معلومات مزيفه تطلق ضد اخرين ؟

الم تسمع حكومتنا بما حدث للصحفي السعودي جمال خاشقجي ؟ الم يخنق وتقطع اعضاء جسده في البعثة الدبلوماسية السعودية في تركيا في اكبر فضيحة علنية ارادتها السعودية سرية. فلماذا لم توقف وتحاكم فريق الاغتيالات السعودي الرسمي الذي وصل كندا وتم اكتشافه في المطار وترك حرا للعودة الى السعودية دون محاكمة، رغم علم الحكومة بالهدف الذي من اجله جاؤوا الى كندا ؟ ما هذه الحصانة التي تتمتع بها الحكومة السعودية التي انتجت اعنف العصابات الارهابية في العالم وحشية ودموية بحيث لا تقدم حكومتنا على اتخذا اي اجراء ضدها ؟

ما هو الفرق بين الحكومة السعودية و الروسية ؟ ولماذا تسكت حكومتنا عن الغزو السعودي وتصمت بينما تقيم الدنيا ولا تقعدها ضد الغزو الروسي ؟ هل الدم الاوكراني اغلى حسب قيم حكومتنا وعقيدتها من الدم البحراني واليمني ؟

اضحت حكومتنا الكندية افضل مثال للنفاق السياسي وتشويه القيم والمبادىء وللكيل بمكيالين في تعاملها مع الشعارات التي ترفعها حول الحرية و الديمقراطية واحترام حقوق الانسان ، واذا كان اللوم لا يقع على حكومة المحافظين لانها اساسا متطرفة الا ان حكومة الاحرار بقيادة ترودو كان يجب ان تحترم ولو قليلا مباديء حقوق الانسان التي اعلنتها كندا اثناء حكم بيير ترودو ( والد رئيس الوزراء الحالي) في السبعينيات وبقية الشعارات التي ترفعها حول الحرية و الديمقراطية . ولكنها ابت الا ان تكون نسخة عن حزب المحافظين بكل اسف .

فالهستيريا السياسية والاجراءات الكندية العقابية اتجاه روسيا بسبب غزوها لاوكرانيا يظهر وكأن هذا الغزو هو الوحيد في عالم يسوده الوئام والاستقرار و الحرية و الديمقراطية وان روسيا قد اخلت بالامن العالمي .

لاشك ان غزو اي دولة هو امر مرفوض اخلاقيا وسياسيا وقانونيا ومهما كانت اسبابه وان شجبه واستنكاره والوقوف بوجهه هو واجب على عاتق كل الحكومات والمنظمات العالمية و الدولية كما هو واجب في مساندة اي شعب يتعرض للغزو والقتل ولكن ان تتدخل السياسة و المصالح المادية والايدلوجيات في التغاضي عن غزو ومعين بل وتاييده والمشاركة فيه فيما تتدخل نفس تلك المصالح لادانه غزو اخر و العمل على محاربته وانهاءه فهذا قمة النفاق و الكيل بمكيالين فهل ستعلمنا الحكومة سر سكوتها وتاييدها للغزو السعودي ورفضها للغزو الروسي ؟ ام ان القومية واللون و العقيدة هي التي تحدد مع اي شعب نقف واي شعب نتجاهل ؟

 *الصورة من : كنديون من اجل حقوق الانسان