حَجْر صحي وحَجْر سياسي

  • article

د. علي ضاهر

الحَجْر مصطلح انتشر في الفترة الأخيرة واحتلّ مكانة مرموقة بين الناس. وبالرغم من وجود بعض الفروقات في استعمالاته إلا انه يفرض القيود على حركة البشر ونشاطهم، يحدّ من تنقلهم، يجبرهم على التباعد، يفصل بينهم ويحثّهم على الإنفراد بأنفسهم والإنزواء في بيوتهم والتخفيف من الإتصال ببعضهم البعض وذلك سعيا لإعاقة انتشار الأمراض المعدية كالكورونا مثلا.

 والحَجْر يقترب من المنع ويلامس العزل ويصاحب الوقاية ويتآخى مع الصيام. فالصيام يعتبر منعا شرعيا وسدّا طوعيا يحدّد أوقات دخول الطعام والماء الى الفم وملامسة اللسان والإستقرار في المعدة التي هي بيت الداء. واذا كان الصيام في فلسفته لا يقتصر على عدم الأكل والشرب فقط بل من الضرورة ان يطال قضايا أخرى ومن بينها كفّ أذى اليد واللسان والإبتعاد عن الشتم والنّم وهجر الإساءة، فالحَجْر ايضا يجب توسيعه للحد، ليس فقط من انتشار الأمراض، بل ليمنع ايضا انتشار الموبقات والمهلكات. فالحَجْر في الشَّرع هو المنْع، كأن يُمنع الصغير من التَّصرُّف لصغَرٍ السن حتى البُلوغ ويحجر على المجنون حتى الإفاقة من الجنون ويحجر على السَفيه إلى أن يكفّ عن السفاهة ويحجر على المؤذي حتى يتوقف عن الأَذِيَّة. وما أكثر الذين يجب الحَجْر عليهم كي يستريح المجتمع منهم ومن شرهم! بعض البلدان تعج بالمؤذيين المفروض الحجر عليهم. مثلا، فائدة العرب ستكون جليلة لو تمّ الحجر على حناجراكثر المطربين الذين يخدشون الاذان باصواتهم واغانيهم الهابطة او تم الحجر على افواه اغلب مراسليي ومحللي المحطات المرئية والمسموعة الذين يعيثون في الهواء كذبا ونفاقا وكفّ أَذَاهُمْ  بمنعهم مِنَ التَّصَرُّفِ بِحناجرهم التي يرتفع فحيحها بقدر ما تزداد ارصدة حساباتهم؛ والفائدة ستكون كبيرة لو تمّ الحَجْر على أصحاب المصارف ومنعهم مِنَ التَّصَرُّفِ بِمُمْتَلَكَاتِ المودعين؛ والفائدة ستصبح عظيمة لو تمّ الحجرعلى السماسرة والوكلاء والوسطاء الذين ينهبون ويسرقون ويتقاسمون لقمة عيش الشعب هم ومشغليهم من السياسيين.

 وعلى ذكر السياسيين فيا حبذا لو تمّ الحجر على معظمهم وعزلهم لإرتاحت الشعوب من قرفهم ونهبهم وبلطجيتهم. امّا بالنسبة لسياسيي لبنان فأعظم فائدة لا يمكن ان تتحقّق الا بفرزهم والحَجْرعلى معظمهم ومنعهم من التصرّف بأموالهم وممتلكاتهم، ومن ضمنها ملكيتهم لشعب لبنان المقسّم، حسب مندرجات الصيغة الطائفية السارية المفعول، الى محسوبين وزبائن وتابعين ورعية!