ناس بسمن و ناس بزيت

  • article

د. علي ضاهر - مونتريال

 المواد الدهنية المستخدمة في الطهي متعددة ومتنوعة ولها مراتب مختلفة في قلوب الناس وأفئدتهم وفي بطونهم خاصة. للقشدة والزبدة الغَلَبَة والتَّفَوق على غيرها. لكن هذا لا ينفي الأهمية التي تحظى بها مواد اخرى مثل السمن والشحم والزيت في عملية الطهي وإن كانت بدرجات متفاوتة. في الماضي، قبل ارتفاع اسعار هذه المواد في الفترة الأخيرة لدرجة ان البعض قام بتحريمها من دخول مطبخه، ليس لتعارضها مع دينه وقيمه وأخلاقه وصحّته، بل للأضرار التي تحدثها على ميزانيته ومحفظته وجيبه، كانت المواد الدهنية متاحة للعديد من البشر. فقد كان رب البيت يقدّم السمن لبعض من ضيوفه المميزين. أما الزيت فكان يقدّمه الى البقية الباقية. لذا فقد شاع بين العامّة مثل يقول: "ناس بسمنة وناس بزيت". هذا المثل استعمل وما زال يستعمل، لتبيان ان الناس لا ينظرون الى بعضهم البعض على أساس خصائص لها علاقة بالتصرفات والأعمال او انطلاقا من ان لا فرق بين عربي و أعجمي و لا بين أبيض و أسود إلا بالتقوى، او من ان الجميع أخوة و"سواسية كأسنان المشط"، بل إنطلاقا من معايير ترتكز على الفقر والغنى والمركز و العرق و اللون و المواطنة الخ. وهي معايير لا تعتمد نفس المعيار او الميزان، بل تظهر بوضوح ان التحيّز هو جزء طبيعي من طبيعة عمل مخ الإنسان، فطر عليه، وانه، اي الانسان، يلجأ الى المُحَاباة عند النظر للأفراد والجماعات والأحداث. فإن أضفت أجزاء أخرى طبيعية الى طبيعة عمل مخ الانسان كالنفاق والتعصّب والعنصرية والمصلحة وغيرها من العناصر كالجهل والخوف والكره، تصبح الصورة واضحة تسمح لشرح الكثير من الأمور، مثل لماذا تفتح العديد من دول أوروبا وأمريكا الشمالية مخازن أسلحتها للجيش الأوكراني بينما تمنعها عن دول أخرى تجهد للحصول عليها؟ وما سبب تشريعها لأبواب خزائنها أمام حكومة زيلينسكي الغارقة في الفساد والفاشية في حين انها تغلقها بإحكام أمام شعوب بحاجة ماسة للمساعدة؟ وما السر الذي يدفع بلدان الغرب لأخذ أاللاجئين الأوكرانيين الشقر بالأحضان بينما تقوم بترحيل طالبي اللجوء ذوي البشرة السمراء؟  لماذا قام الغرب بإطلاق حملة مقاطعة لا مثيل لها لكل ما هو روسي كرمى لعيون زيلينسكي بينما هو يحرّم ويمنع النبس ببِنْت شَفَة عند الكلام عن مقاطعة اسرائيل التي تعيث بأرض فلسطين فسادا؟

 وهذا المثل ينطبق أيضاعلى تصرفات الحكومة الكندية حيث لم يبق سياسي كندي الا تعاطف مع أوكرانيا. فضجّت الصحف والمجلات بتصريحاتهم لدرجة ان إذاعة كندا الرسمية تحولت الى بوق ينطق بإسم زيلينسكي، فسدت آذاننا بالكلام عن أوكرانيا ومعاناة شعبها. الناس اختلفوا في تعليل هذا التحيّز. البعض علّل ذلك بالخوف من الولايات المتحدة، الجار الجنوبي المتسلط، والبعض الآخر أرجعها الى طيبة قلب رئيس الوزراء، "جوستان"؛ منهم من فسّرها بالتعصب للثقافة الغربية، ومنهم من ركّز على شخصية نائبة رئيس وزراء كندا، كريستيا فريلاند، القوية والتي تعود بأصلها، من ناحية الأم، الى أوكرانيا، مما دفع كندا الى الإنحياز بحماس شديد لا نظير له للهجوم على الروس! ومنهم من أرجعها الى كل هذه الأسباب مجتمعة. للحقيقة: ناس بسمنة وناس بزيت!