اشكالية الحضارة الاسلامية و العربية مع "عبارة رجال الدين"

  • article

سامر المجذوب - مونتريال

يترامى الى مسامعنا في الكثير من الاحيان من الناطقين بلغة الضاد استخدامهم مصطلح "رجال الدين "clergy(religious men )  دون ادراكهم لاساس هذا المصطلح ومنشئه. ولا شك في ان هذا الإستخدام اللغوي لا اصل له فى الحضارة العربية و الاسلامية، إنما هو ترجمة من اللغات اللاتينية لتعبير درج على استعماله قبل عصر النهضة، في العصور الوسطى الأوروبية ، للدلالة على الطبقة الحاكمة انذاك و التي كان جلّها محصور بالكنيسة الكاثولوكية . وفي المقابل كان يستخدم وصف lay men للإشارة الى "عامة الشعب" او الناس العاديين، الطبقة  المحكومة انذاك .

و كان مفهوم التفرقة بين الفئتين المجتمعية فى اوروبا ، رجال الدين و عموم الناس ، يحمل في طيّاته ابعادا سياسية و طبقية مجتمعية و اقتصادية و دينية . و منها امر في غاية الحساسية وهو  ان التواصل بين الانسان "العادي " و خالقه لا بد ان يتم عبر "رجل الدين " و الذي هو نفسه الحاكم و القاضي و صاحب اليد الاولى بالقرار السياسي . هكذا نرى ان كل مقومات القوة بيد الفرد الواحد ، "رجل الدين".

عندما اجتاح ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة القارة الأوروبية كانت الانتفاضة العارمة بوجه كل ما هو متعلق "بالحاكم، رجل الدين " من نظام سياسي و اجتماعي و قيمي و ثقافي محملا اياه قرونا من الظلام كانت تشهدها أوروبا على اكثر من صعيد .

كما ذكرنا آنفاً ، لا يوجد في أم الكتب الحضارة العربية و الاسلامية اي استخدام لعبارة رجال الدين .إنما الاستدلال لمن له علم عميق بالعلوم الشرعية ، بالعلماء . كما هناك علماء بالرياضيات و العلوم الاجتماعية و الاقتصادية ، هناك من هو ملم بالعلوم الشرعية و اصول الفقه و الحديث و غيره مما هو مرتبط في هذه العناوين.

لم يحصل في تاريخ الحضارة العربية و الاسلامية بعموم تاريخها ان حُكمت من قبل هيئات "دينية" بمعنى الكلمة. فلم يكن  هناك جسد ديني محدد قام بإدارة البلاد الشاسعة انذاك . الحاكم في تلك الفترة ، و ان يكن البعض منهم له نصيب من العلوم الشرعية ، الا انه لم يكن له مدرسة مع اتباع بالألاف لكي "يؤسس" من خلالهم طبقة دينية حاكمة .

اضافة الى عامل في الأهمية و أساسي محوري ، ان العقيدة الاسلامية تقوم على اساس علاقة الانسان بخالقه دون وساطة . إنما هي علاقة مباشرة لا تتطلب رضى او موافقة اي فرد باي شكل من الاشكال . و هذه الحقيقة الثابتة تُسقط من يد اي حاكم ورقة يمكن التسلط بها على رقاب الناس من حيث ادعائه بأنه الطريق الوحيد لرضى الخالق على عباده .

هذا الاشكال في تطبيق استخدام نفس العبارات في الثقافة الغربية و ايضا في العربية والاسلامية يؤدي، كما هو متوقع، الى ارتباك و خلط كبير في المجتمعات الغربية و التي تربط فكرة "رجال الدين " بالإرث الحضاري الذي انتفضت بوجهه هذه المجتمعات منذ عدة  قرون .

امّا استخدام عبارة رجال الدين عند الناطقين باللغة العربية في عصورنا الحالية قد يعكس اهدافا سياسية او محاولة ايجاد شرخ وهمي  او هو ترجمة حرفية دون معرفة اصل المعنى في الثقافة الغربية .

في الختام لا بد من دور لنا كأبناء و جزء من النسيج المجتمعات الغربية ان نشرح لشركائنا في هذه المجتمعات التي نعيش فيها هذا اللبس الذي يؤدي في كثير من الاحيان الى توترات لا داعي لها و الى استغلالات سياسية من قبل التيارات الشعبوية و اليمينية المتطرفة .

* رئيس المنتدى الإسلامي الكندي