الكُسكُس يوحد المغاربة غذائيا ويفرقهم سياسيا

  • article

د. علي حويلي

اعلنت منظمة اليونيسكو العالمية اخيرا عن دخول المعارف والمهارات والممارسات المتعلقة بالكُسكُس في قائمة "التراث غير المادي للبشرية".

يشار الى ان الكُسكُس هورمز لطبق شعبي خاص بدول شمالي افريقيا. دخل رسميا في  لائحة التراث الثقافي لمنظمة اليونيسكو بعد ان قدمت اليها اربع بلدان عربية مغاربية طلبا  للاشتراك هذا السباق العالمي. 

حمل هذا الملف المتعلق بإنتاج واستهلاك الكُسكُس، كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس ، وهي دول لطالما شككت كل منها في أبوتها لهذا الطبق الموروث من الاجداد والاسلاف ،والمصنوع  من القمح القاسي أو الشعير أو سميد الذرة ،والذي  يقدم بطريقة ماهرة  مع الخضار واللحوم والأسماك.

وعبر ممثلو الدول الأربع في اجتماعهم مع منظمة اليونيسكو  عن سعادتهم وفخرهم بهذا الاعتراف الغذائي الثقافي خلال حفل رسمي عرض على موقع اليونيسكو.

ففي البلدان المغاربية يتذوق ، "النساء والرجال ، الصغار والكبار ، المقيمون والرحل ، من العالمين الريفي والحضري ،ومن المهاجرين ايضا، يتذوقون هذا "الطبق الرمزي" الذي يقدمه امهر الطهاة في أكثر المطاعم شهرة عالمية.

اسماء متعددة لطبق واحد

يعتبر الكُسكُس احدى اهم  السلع الغذائية الاكثرانتشارا في المجتمع المغاربي .  فهو وان تعددت صفاته  واسماؤه وطرق طهيه، فهو حاضر في جميع المناسبات العائلية والثقافية، وفي مناسبات الافراح  والاتراح .

وتشرف على تحضيره ومراقبته  الامهات والاخوات وسائر الخبيرات في عالم الكُسكُس.ففي المغرب يجري طهيه في مطاعم  مدينة الرباط القديمة، وفي يوم  الجمعة  بالذات كأشهر طبق لدى  جميع العائلات سواء كانت فقيرة او غنية .

اما في الجزائر فتوجد انواع عديدة من الكسكس تقوم العائلات  بتحضريها  منذ زمن بعيد. واصل كلمة  الكُسكُس تعود الى جماعات البربر.وتعرف بمصطلحات عديدة منها ( لفظة كسكسو( حبوب ملفوفة جيدا )او ( سيكسو )او( كوسكي ) .اما سكان الصحراء الغربية فيسمونها - اوو- اي طعام باللغة الامازيغية . وفي الجزائر وتونس يطلق عليها كلمة " نعمة " او " العناية الالهية".

خلاف جزائري مغربي

في شهر ايلول ( ىسبتمبر ) عام    2016اثار اعلان الجزائر تقديم ملف الكُسكُس الى منظمة اليونسكو،  حفيظة جارتها المغربية.ما جعل هذا الاعلان يؤسس  لمنافسة سياسية ودبلوماسية وثقافية كبيرة عبرت عنها وزيرة الثقافة الجزائرية مليكة بندودة بقولها " ان  الجزائر كانت من الاسلاف الاُول لنشأة طبق الكُسكُس ". في حين

يعتبر ذواقو هذا الطبق ان النوع المغربي هو الأفضل بمكوناته التي تحتوي على سبع خضراوات وبهارات لذيذة .

وبعد ثلاث سنوات ، وتحديدا في شهر آذار ( مارس ) عام 2019  اتفقت أربع دول مغاربية، لأول مرة ،  حول تقديم ملف مشترك الى منظمة اليونيسكو تحت عنوان " الكُسكُس المغاربي طبق شعبي" . فكانت تلك المبادرة   بداية لتقارب سياسي لم يحصل من قبل . وهكذا اصبح طبق الكُسكُس عنصر توحيد بين تلك الدول ، وان احتفظ كل منها  بطريقة تحضيره وبخصائصه  المميزة  في الطهي.  وهكذا توصل المغاربة  بعد طول انتظار الى قناعة وطنية  مفادها : ان الجميع   يعتبرون انفسهم  من عالم واحد و الكُسكُس من شمالي افريقيا وهو اولا واخيرا الملك الجامع .

ما جمعه الكُسكُس افسدته السياسة        

لم تدم تلك التمنيات الوحدوية طويلا .اذ سرعان ما توترت العلاقات بين المغرب والجزائرحول  بناء منطقة مغاربية كبيرة  في الصحراء الغربية ، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تطالب بها المملكة المغربية وانفصاليو جبهة البوليساريو.

وبقيت الخلافات حول مصير هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة تعرقل تنفيذ اتحاد المغرب العربي (الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا وليبيا) الى اليوم .