الأطعمة الجهادية والغرب

  • article

د. علي ضاهر - مونتريال

 

إنطلاقا من قول يتردّد كثيرا يدّعي ان "أقصر طريق لقلب الرجل معدته"، ومع حلول شهر رمضان الكريم، أعاده الله على الجميع بالخير والبركة والسعادة، إليكم قصص عن الطعام وعلاقته بالمعدة والقلب والعقل وحتى بالإرهاب! 

 1- في مقابلة مع محطة تلفزيون في مينيابوليس، استغلت ميشيل ماري باكمان، عضوة سابقة في مجلس النواب الأمريكي، الوقت لمهاجمة المطبخ العربي، فناشدت المستمعين ودعتهم الى تنظيم حملات لشطب كل طعام له أصول عربية من مدارس الولايات المتحدة، مستنكرة ما يجري في تلك المدارس، وموضحة أنها بعد زيارة مدرسة إبتدائية صُدمت عندما وجدت أن الفلافل تحظى بشعبية واسعة بين الطلاب حيث تقدّم الفلافل كخيار في القائمة النباتية.

 المذيعة شعرت بالذهول من تصريحات باكمان. فأرادت مناقشتها، فقالت لها: "يجب أن أسأل كيف يشكل هذا مشكلة، أعني أن الأطفال يحبّون طعم الفلافل، فما الخطأ في ذلك؟ أجابت باكمان: الفلافل بوابة دخول لعقول الطلاب. يبدأ الطفل بالفلافل، ثم ينتقل إلى الشاورما، وبعد فترة يقول حسنًا، هذا مذاق رائع، فيذهب الى استماع موسيقى العرب وينتقل بعد ذلك الى قراءة القرآن، وينتهي به الأمر الى الوصول الى مرحلة التآمر على امريكا والإعتداء على الأمريكيين. فنحن بحاجة إلى وقف هذا الإرهاب الآن، قبل أن يتسلّل إلى أبعد من ذلك! لكن باكمان أبدت إنفتاحا (كثر الله من أمثالها وجزاها خيرا) ولم تصل الى حد المقاطعة الشاملة والدعوة العامة إلى حظر جميع الأطعمة العربية وفي جميع الأماكن. فقالت: إن البالغين ربما يمكنهم الإستمرار في تناول الطعام العربي لكن بإعتدال! ثم ما لبثت ان استدركت "إنفتاحها النسبي"، فأعربت عن خوفها من الوتيرة التي يتغلغل بها المطبخ العربي في الولايات المتحدة، فإستشهدت بصديقة لها، فقالت: لدي صديقة في تكساس، عليها تدريس أطفالها في المنزل لأن مدرستهم تجبر طلابها على تناول الحمص. إنه موجود في كل مكان الآن. وهذا أمر مخيف حقًا! ثم اضافت: ان الإنتشار الواسع للأطعمة العربية في المدارس الأمريكية يمكن أن يكون علامة على مؤامرة. وأنهت مقابلتها قائلة: أولويتي عند عودتي إلى الكونجرس ستكون تقديم مشروع قانون يحمي أطفال أمريكا من مخاطر المطبخ العربي. لذلك يجب أن نحظر الفلافل والأطعمة الجهادية الأخرى في المدارس قبل فوات الأوان.

 2- باكمان ليست فريدة عصرها في نظرتها الى تأثير الطعام على القلوب والعقول. ففرنسا التي تدّعي انها بؤرة الأنوار ومُسْتَقَر العقل ومَوئِل الفكر أطلقت طريقة للمساعدة في محاربة الفكر الإرهابي الجهادي معتمدة في ذلك على الخبز الفرنسي او "الباغيت". فقد اعتمدت تلك الحكومة الفلهوية مؤشرا علميا مبتكرا أسمته "مؤشر الباغيت"، يرتكز على المعادلة التالية: كلما أكثر الفرد من تناول "الباغيت" ابتعد عن الإرهاب وكلما خفّف من تناول "الباغيت" تقرّب من الجهاد والإرهاب!  

 3- مؤشر الباغيت وجد استحسانا في انكلترا. فمَدَحَهُ خبير الإرهاب، جوناثان راسل، مسؤول الإتصال السياسي في مؤسسة كويليام لمكافحة التطرف ومقرها لندن، مدّعيا ان مؤشر الباغيت أثبت فعاليته في مكافحة التطرف والقبض على المتطرفين، وناشد السلطات الانكليزية إستحداث مؤشر انكليزي خاص يعتمد على طعام إنكليزي، مقترحا مؤشر "السمك والرقائق" او مؤشر "فطيرة الجالوزى"! حسب المعادلة التالية: كلما أكثر الفرد من تناول "السمك والرقائق" ابتعد عن الإرهاب وكلما خفّف من تناوله تقرب من الجهاد والإرهاب! 

 4- إيطاليا لم تشذّ عن القاعدة. فقد وجد بعض الإيطاليين إرتباطا بين الطعام والإرهاب (أطال الله بعمر عادل امام صاحب فيلم "الإرهاب والكباب"). فها هو أومبرتو بوراتي، عمدة مدينة "فورتى ديل مارمي" بإقليم "لوتشا" الإيطالي، يقوم بمنع إعطاء رخص لمحلات كباب جديدة أو أية أطعمة أخرى، فارضا الحظر على افتتاح متاجر الكباب والوجبات السريعة، موضحا ان هذا الإجراء يسعى الى حماية ايطاليا والثقافة الإيطالية!

 خاتمة: هذه القصص تسمح بتقسيم الأطعمة الى فئتين: الأولى مسالمة، منفتحة، متقبلة للآخر ومحبة للإنسانية، والثانية مجرمة، مقاتلة، كارهة للآخر وعدوة للإنسانية. فالأطعمة الشرقية كالحمص والتبولة والفلافل والشاروما والمناقيش تدخل ضمن الطعام المشبوه، الإرهابي، الجهادي، المقاتل. بينما الاطعمة الغربية كالهوت دوغ والبيتزا والبستا والهامبرجر، تدخل في قائمة الأطعمة البريئة، المسالمة، المهدئة للأعصاب. ولكن هذا يتناقض مع العلم الذي تقول أبحاثه ان هذه المأكولات مليئة بالكوليسترول والدهون، مواد يدّعي العلم إنها تدفع الى التوتر والعصبية والعنف. عنف إن لم يمارسه مستهلك هذه المواد تجاه الآخر فهو يمارسه تجاه نفسه وذلك عن طريق الإصابة بأمراض السكري والنوبات القلبية!  

 بمناسبة رمضان، أخي الصائم، إستهلك ما طاب لك من الأطعمة الشرقية لكن بإعتدال، فهي صحية، ولا تخف من ان توصف بالإرهاب ولا تهتم لا بمؤشر "الباغيت" ولا مؤشر " السمك والرقائق" ولا مؤشر "الهوت دوغ" ولا حتى بمؤشر "البوتين" ان كنت تعيش في كيبيك او مؤشر "ذيل القندس-beaver tail" ان كنت في باقي كندا!

 وكل عام وانت بخير!