داعش والغبراء

  • article

بقلم حسين السعيد - مونتريال


إحدى مخلفات النظام البائد في العراق هو استقطاب المقاتلين العرب والاجانب الذين "هبوا لنصرة العراق والجهاد في سبيل الله"، حسب زعمهم حيث لم يشاهد العراقيون هذه الوجوه الغريبة من قبل . وجوه كالحة وعابسة لا تبتسم أبداً تثير الدهشة والغضب عن سبب وجودهم بين البيوت الآمنة ليستهدفوا قوات التحالف التي دخلت العراق في العام 2003. لا يهمهم إن اصيب مدني او قتل او تضررت الممتلكات العامة او الخاصة. وكان يتساءل عامة الناس لماذا استقطب النظام هؤلاء وهل عجزت نساء العراق أن يلدن رجالاً يدافعون عنه ؟ ولكن ظني أن النظام كان يعرف أن القوات المسلحة سحبت البساط من تحت هذا النظام القمعي ولذلك لجاء لقطاع الطرق أمثال هؤلاء .

كان هؤلاء المسلّحون يحملون أفكار التنظيمات الارهابية المتطرفة لم يسمع بها المجتمع من قبل، فكر متطرف ومتشدد منغلق على جميع الطوائف والاديان ذو نزعة دموية ويحمل تفسيرات خاطئة ومغلوطة للدين تستبيح دماء الناس وتدمّر مناطقهم وتنشر الرعب في كل مكان.

فساد فكري مبني على فتاوى دموية أسس تنظيم القاعدة عليها كيانه وروج لها، وبأثرها اعتمدت داعش نفس المنهج وبنت عليه منهجا أكثر دموية وأكثر وحشية، وبدأ ينشرها بين الشباب والمراهقين، استباحت دماء الناس واستحلت قتل المخالفين وغيرت ملامح الحياة في العراق بعد ان بثت أفكارها السامة المغلفة بالشرع بعقول البسطاء والسذج والاميين والمنحرفين الذين يصدقون كل نطيحة ومتردية منهم ويعتبرونهم قدوات وأمثلة يجب اتباعها.

رعب في كل مكان يدخلون فيه ، ليس لهم عهد ولا ذمة، استغلوا انشغال الحكومة الوليدة بعد سقوط النظام وبدؤوا بمد شباك رعبهم بكل مكان تطأه اقدامهم من قتل الى تدمير ممتلكات عامة وخاصة واستهداف لافراد الشرطة والجيش وموظفي الحكومة والقطاع الخاص والصحفيين ، مستندين على تلك الفتاوى الدموية التي تستبيح دماء الناس حيث يعمل على نشرها قادة المناطق جلهم من غير العراقيين.

يعادون ويهدمون صروح العمران والتاريخ.. لم يسلم من وحشية "داعش" لا البشر ولا الحجر ولا الشجر ولا حتى الحيوانات. ولكن من الجانب الاخر كانت تلك الوحشية والدموية تدر لهم موارد مخيفة من الاموال التي حصل عليها هؤلاء الارهابيون ومنها جمع الاتاوات من أصحاب المتاجر والاسواق والشاحنات وبيع النفط الخام والاختطاف وتجارة المخدرات والاعضاء البشرية وبيع الاثار وتجارة البشر، وغيرها من الاساليب الدنيئة لكسب المال وانشاء دولتهم القائمة على معاناة البشر وقهرهم.

تعرضت جميع الاديان والمذاهب والقوميات لوحشيتهم فلم يسلم منهم السني والشيعي والمسلم والمسيحي والايزيدي والتركماني والكردي، كلهم نال منهم داعش واعتدوا على حرماتهم وهتكوا أعراض الابرياء بحجة السبي واستعبدوا نساءهم وأطفالهم. وما زال مثال الاخوة الايزيديين خير دليل على وحشيتهم وهمجيتهم.

ختاماً استذكر بعض الشخصيات النسائية اللامعة والبطلة من العراق واللائي تعرضن للتعذيب والقتل ولكن كان موقفهم واحداً الا وهو كشف هذا التنظيم الارهابي وفضح نواياه الخبيثة. ومن كوكبة الشهداء الحقوقية سميرة النعيمي وهي من أهل الموصل. هذه المرأة فعلت ما لا يستطيع أن يفعله الرجال عندما كانت الموصل في قبضه داعش في وضح النهار وامام انظار جميع الناس كتبت على الجدران ( يعيش النبي يونس و يسقط أبو بكر البغدادي)، بالاضافة الى فضح التنظيم في مواقع التواصل الاجتماعي ودعت الناس للوقوف بوجه هؤلاء الوحوش، وكذلك الشيخة أمية الجبارة مستشارة محافظ صلاح الدين لشؤون المرأة والرعاية الاجتماعية  والتي أستنهضت عشيرتها الجبور لقتال داعش وقاتلت جنباً الى جنب مع الرجال حتى نالت الشهادة ، كانت تتجول بين المقاتلين تلقي الخطب والاهازيج الشعبية والاشعار فيعلو صوتها بمقولة (لن يدخلوا العلم الا على جثتي)، فكانت تلهب مشاعر ابناء قريتها للوقوف صفا واحدا لمحاربة الارهابيين والحيلولة دون السماح لهم بالدخول الى بيوت الآمنين وهي القائلة "نحن احفاد حمورابي فكيف نسمح لبلدنا ان يكون بلد تحكمه شريعة الغاب".

تضحيات جسام وقوافل شهداء وجرحى ومرابطين غرزوا أقدامهم في الارض يدافعون عن العراق وأهله هم كالنجوم أضاءت وتضيء سماء العراق وما زاغت أعينهم ولا لانت عزيمتهم.