لمى فواز ـ مونتريال
سؤال إن خطر على بالنا في مهجرنا الكندي فهو يدل على عدم انخراطنا في النسيج الاجتماعي هنا وهو يعكس أيضا شعورا مستديما بالغربة . قد تتفاوت الأجوبة على هذا السؤال بحسب العمر ومسقط الرأس. فمن الطبيعي ألا يفكر من ولد وعاش هنا بهكذا احتمال وألا يخطر على باله. كلنا متفقون أن الجيل الأول من المهاجرين قد يطرح هذا السؤال على نفسه كل يوم مع قهوته الصباحية أو كلما شعر بالحنين لتلك الزيتونة او العريشة او حتى لصخرة الروشة. أما الجيل أو الأجيال التي تلته فهي قد غاصت في تفاصيل حياتها في واقع اغترابي لا رغبة لها في الإنفصال عنه وهي في كل يوم تؤكد بجرأة وثقة تزداد وتيرتها عن اليوم السابق أنها فيه ناجحة ومستقرة
إذا نحن باقون...ولكن كيف ؟
هل نبقى ونحن قد وجدنا وتبوءنا مكاننا في هذا البلد الذي قدمنا إليه وفي جعبتنا أحلام وآمال لا حدود لها. أم أننا نبقى كأي مجموعة تحتل مكانا وتعيش تفاصيل حياتها في ظل يقيها حرارة الإلتحام ببقية المجتمع المختلف عنها في بعض من قيمه الوجودية. أقول البعض لأننا كلنا بشر نميل بفطرتنا السليمة إلى قيم وفضائل كالصدق والاستقامة والمحبة والعطاء. نعم، هنالك سياسات وتوجهات لا نقبل بها انطلاقا من قيمنا الأخلاقية وديننا الحنيف وهذا نشترك فيه مع بقية الأديان السماوية. وهنا تحديد طريقة تعاطينا مع هذه التوجهات والسياسات يترتب عليها إما اندماج أكثر توازنا وفاعلية في كندا أو تهميشا وحتى انزواء في ركن غريب قد ينتج عنه تشويه لمجموعة بأكملها وتحريف عن مسارها الصحي في هذا البلد
إذا كيف نبقى؟
نبقى بعقول منفتحة على الحوار مع الآخر وفهم عميق لصعوبة فهم الٱخر لنا. نبقى ونتحرك لبناء حاضر مرصوص البنيان ومستقبل أكثر ازدهارا. نبقى بثقة ونجد اللغة التي نعبر بها عن وجودنا متمسكين بالقانون وعاملين على فهم محيطنا ومقدرين للواقع السياسي الذي يحكمه. نبقى شريطة أن نخوض فيه دون التخلي عن كياننا وأن نعطي لنستمر. نعم، علينا أن نبادر للعطاء لكي نقف بقوة أكثر اقتصاديا، نعطي من مالنا وأيضا من وقتنا لكي يرانا الآخرون في الساحة مساهمين في نشاطات بلدياتنا، أعضاء في مجالس مدارسنا، ومتبرعين للمحتاجين في أحيائنا. بالإضافة لكل هذا يجب أن نبقى على تواصل مع النواب الذين انتخبناهم، فزيارتهم لنا قبل التصويت والبيانات المعبرة عن المشاعر المحترمة لقدسية الجميع لا تكفي. علينا أن نسعى لحقوقنا كأقلية وأن نرفض أي تمييز سلبي تجاهنا وهذا يحصل فقط إن توحدت جهودنا وتظافرت أعمالنا في اتجاه واحد
هل نبقى؟
باقون، لأنه وطننا الذي انتخبنا وانتخبناه ولنا فيه مكان يحترم خصوصيتنا إن نحن أحسنا التصرف ولم نظلم أنفسنا. فالحقوق تؤخذ بالصبر والعمل والحوار ولا تعطى لنا دون ضريبة. ولكن ذلك يتطلب وعيا وتشاورا وتنسيقا للخطوات، فالضجيج يجلب الإنتباه لحظات وسويعات ولكنه سرعان ما يخفت وينسانا
هل نبقى؟
باقون إلى ما شاء الله
نبذة عن الكاتبة
لمى مصطفى فواز هي أكاديمية حائزة على دكتوراه في الطب التجريبي وعلم المناعة، تعمل في مجال الأبحاث وحاضرت في عدة جامعات منها الجامعة الأميركية في بيروت، الجامعة اللبنانية، والجامعة اللبنانية الدولية في اختصاص علوم الأحياء، المناعة، المختبر، والتكنولوجيا وتطبيقها لا سيما في التشخيص المخبري للأمراض والصناعات الغذائية. بالإضافة إلى اهتماماتها الأدبية والفكرية والدينية. وتعمل حاليا في جامعة ماجيل، مونتريال، كندا ضمن برنامج للأبحاث في أمراض الدماغ و الجهاز العصبي.
*تم استخدام صورة غلاف هذه المقالة من Freepik لأغراض توضيحية فقط.