الذكرى السنوية الخامسة لمذبحة مسجد الشهداء في مدينة كيبيك: حان الوقت لإعلان شعار" حياة المسلمين مهمة ايضا "

  • article


الشيخ
حسن غِيَّة*  

 

خلال أيام سنحيي الذكرى السنوية الخامسة لمجزرة مسجد كيبيك الكبير التي كان ضحيتها ست شهداء و خلفت ست أرامل و سبعة عشر يتيما و شهيدا حيّا هو أيمن دربالي الذي تركه العدوان معاقا مدى الحياة، و العشرات من الجرحى، و جالية مكلومة ووطنا لا يزال يعاني من تداعيات هذه الجريمة الشنعاء.

ستنظم العديد من المؤسسات الدينية و المنظمات المدنية و الفعاليات السياسية أنشطة و وقفات تضامنية لإحياء الذكرى كما أن الاعلام المرئي و المسموع و المقروء اظهر اهتماما كبيرا بالمناسبة حيث رأينا و سنرى العديد من التقارير و المقالات و المقابلات مع العديد من الخبراء و الناشطين.

سنكرّم و سنحيي ذكرى أبو بكر الثابتي، خالد بلقاسمي، عبدالكريم حسان، عز الدين سفيان، مامادو باري و إبراهيما باري نسأل الله تعالى أن يتغمدهم جميعا بوافر رحمته و أن يسكنهم فسيح جنانه مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًاوسنتضامن أيضا مع الشهيد الحي أيمن دربالي وعائلته سائلين المولى عز و جل أن يخففّ عنه و أن يجعل معاناته و تضحياته في ميزان حسناته يوم القيامة.

و لكن كل هذه الأنشطة و الوقفات التضامنية و التقارير الإخبارية و المقابلات لن تعيد لأرملة زوجها و لن تعيد ليتيم أباه و لن تعيد لأيمن دربالي صحته

حياة أيمن وستة أرامل وسبعة عشر يتيمًا تغيرت إلى الأبد. ليس بإمكان أحد منا أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء و لن تعود الأمور لما كانت عليه قبل يوم التاسع و العشرين من شهر كانون الثاني ( يناير ) 2017.

لا نستطيع أن نعيد شهداءنا إلى الحياة و لا نستطيع أن نعيد للشهيد الحي أيمن دربالي صحته و لكن نستطيع و علينا استخلاص الدروس و العبر من هذه المجزرة  لحماية أنفسنا و مجتمعنا و حتى لا يسقط اخرون ضحايا للعنف و الكراهية.

اول هذه الدروس هو أن ضحايا العدوان الإرهابي جاؤوا من بلدان متعددةلم يفرق رصاص الغدر بين ابيض و اسود و لا بين عربي و غير عربيهذا ما يؤكد ان الاسلام ليس حكرا على قومية دون أخرى او بلد دون آخر فمحمد صلى الله عليه و سلم لم يبعث الى قوم دون غيرهم  و إنما بعث رحمة للعالمين.

مرتكب هذه الجريمة النكراء كيبيكي من أصول فرنسية كاتوليكيةو هذا ما يثبت ان الاٍرهاب لا دين له و لا وطن له و لا قومية له. الاٍرهاب عدو لكل الأديان و كل الاوطان و كل القومياتكان كثير من الناس يحاولون الصاق تهمة الاٍرهاب بالمسلمين لمجرد ان بعض المسلمين او من يدعون الاسلام من المغرر بهم كانوا يرتكبون جرائمهم باسم الاسلام. يجب ان يعرف الجميع ان هؤلاء المغرر بهم لا يمثلون الاسلام ولا المسلمين كما ان مرتكب مجزرة كيبيك لا يمثل الكيبيكيين ولا الكنديين ولا الفرنسيين ولا الكاثوليكانه لا يمثل الا نفسه كما ان اولائك المغرّر بهم لا يمثلون الا أنفسهمكندا بريئة من قاتل الأبرياء في مسجد كيبيك و الاسلام بريئ من قتلة الأبرياء باسم الاسلام.

شجعت مذبحة مدينة كيبيك البعض على محاولة تشويه سمعة كيبيك من خلال محاولة اتهام كيبيك و الكيبكيين بكراهية الأجانب أو كراهية الإسلام. في هذا الصدد ، تجدر الإشارة إلى أنه قبل مذبحة المسجد في كيبيك عام 2017 ، كان هناك قتل المصلين في الكنيسة في تشارلستون عام 2015 ، وبعد مذبحة كيبيك وقعت مذبحة الكنيس اليهودي في بيتسبرغ  عام 2018  والمذبحة التي أودت بحياة ٥١ شخصًا في مسجدين في نيوزيلندا عام 2019 و في عام 2020 سقط احد المتطوعين في احد مساجد تورونتو ضحية عمل ارهابي و في عام 2021  تعرضت عائلة مسلمة في مدينة لندن في أونتاريو لاعتداء ارهابي عند مغادرتها لأحد المنتزهات لاعتداء ارهابي كانت حصيلته أربعة قتلى نحسبهم عند الله شهداء و بقي صبي ابن تسع سنوات جريحا و يتيم الأبوين.

هذا العدد الكبير من الاعتداءات الإرهابية، قبل مجزرة كيبيك و بعدها، يدفعنا الى القول: كما انه  لا ينبغي تحميل جميع المسلمين مسؤولية الجرائم التي يرتكبها بعض المسلمين ، يجب ألا نحمّل جميع الكيبيكيين مسؤولية مجزرة مسجد كيبيك.

قبل خمس سنوات ، في 3 فبراير2017 ، في خطابي الذي ألقيته في مدينة كيبك في جنازة ضحايا المجزرة ، وجهت نداء صادقًا طالبت فيه أن يكون ما بعد 29 يناير2017  مختلفًا عما كان عليه قبل 29 يناير2017  . كما أنني ناشدت المجتمع بأسره. خاصة القادة السياسيين و كان العديد منهم حاضرا و يسمع خطابي مباشرة من بينهم رئيس وزراء كندا السيد جوستان ترودو و رئيس وزراء كيبيك آنذاك السيد فيليب كويار و غيرهم من الوزراء و النواب، طالبتهم باتخاذ التدابير اللازمة ليكون  ضحايا مجزرة مسجد كيبيك آخر من يسقط ضحية الحقد و الكراهية.

 ولكن للأسف كانت هناك جريمة قتل أخرى في تورنتو وأربعة في لندن ، أونتاريو كما أسلفنا. القتلة الثلاثة لم يكونوا يعرفون ضحاياهم ، بل اختاروهم عشوائياً لسبب واحد فقط: "إنهم مسلمون".

نتيجة لهذه الجرائم و بعد كثير من التردد بدأت القيادات الفكرية و السياسية في كندا، و لو بدرجات تختلف من شخص لآخر و من تيار سياسي لآخر، تعترف بوجود الإسلاموفوبيا في المجتمعو لكن الناس يختلفون على تحديد المسار الذي يجب اتباعه للقضاء عليهالقد حاول العديدون في الماضي الاختباء وراء منفذ الاعتداء الإرهابي على مسجد كيبيك الكبير مدعين ان العمل فردي و انه يجب عدم استعمال هذا الاعتداء كدليل على وجود الإسلاموفوبيا في البلدلكن الأحداث التي توالت قبل الاعتداء و بعده اثبتت ان مرض الإسلاموفوبيا موجود و لا يمكن التغاضي عنه ولا يجوز الاختباء وراء شخص واحد للتهرب من المسؤوليةحملة الدعاية العنصرية و حوادث الاعتداء على المسلمين و المراكز الاسلامية التي شهدتها كندا قبل و بعد مجزرة مسجد كيبيك لم تكن من فعل هذا الشخص الذي كان منذ اقتراف جريمته و لا يزال قابعا خلف جدران السجنالإسلاموفوبيا موجودة وتقتل الناس. إنها لا تشكل خطرا على المسلمين فقط ،  و لكنها تهدد  المجتمع بأسره و على المجتمع أن يحمي جميع أبنائه مسلمين و غير مسلمين منها و من جميع أشكال الكراهية و العنف.

علاوة على ذلك ، ووفقًا لتقارير مقلقة ، فقد تمكن أفراد وجماعات متعصبة من التسلل إلى صفوف القوات المسلحة وبعض قوات الشرطة. من المهم أن تظل هذه القوات محايدة لتتمكن من خدمة وحماية  جميع أبناء المجتمع بغض النظر عن أصولهم العرقية او انتماءاتهم الدينية.

في 23 مارس 2017، أقر مجلس العموم الكندي المذكرة الخاصة M-103 التي تدين الإسلاموفوبيا و "جميع أشكال العنصرية والتمييز الديني المنهجي". كما أوصى المجلس بتشكل لجنة لدراسة كيفية القضاء على الإسلاموفوبيا  وجمع البيانات عن جرائم الكراهية.

في 28 يناير 2021، أعلنت الحكومة الفيدرالية عزمها جعل 29 يناير يومًا وطنيًا لإحياء ذكرى هجوم مسجد مدينة كيبيك والعمل ضد الإسلاموفوبيا ، لتكريم الضحايا والتعبير عن تضامنها مع الناجين من هذه المأساة.

في 22  يوليو 2021، عقدت القمة الوطنية الكندية لمكافحة الإسلاموفوبيا. هذه خطوات في الاتجاه الصحيح ولكننا لا نزال ننتظر حلولا عملية للقضاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا.

لقد سمعنا الكثير من خطب التضامن و الإدانات وشهدنا الكثير من أنشطة إحياء ذكرى الضحايا ، و لكننا لم نشهد إجراءات عملية حقيقية لحماية المجتمع من الإسلاموفوبيا.

لقد كان ضحايا جرائم القتل في كيبيك ولندن من الأكاديميين والمهنيين الذين قدموا مساهمة إيجابية للغاية في المجتمع الكندي. لقد اختاروا هذا المجتمع للعيش و تأمين مستقبل آمن لابنائهمو كما استقبلهم هذا المجتمع فإنهم خدموه بكل تفان و ولاء. لذلك يمكننا القول إن الخاسر الأكبر بعد عائلات الضحايا لم يكن بلدانهم الأصلية و انما المجتمع الكندي الذي خسر مواطنين صالحين يعملون على بنائه مع غيرهم من أبنائه

مسؤولية مكافحة الإسلاموفوبيا تقع على عاتق الحكومات الفيدرالية والإقليمية والبلدية و على عاتق وسائل الإعلام والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص.

بنفس الطريقة التي رفع فيها شعار "حياة السود مهمة" بعد مقتل جورج فلويد ، و كما رفع شعار  "كل الأطفال مهمونعلى أثر اكتشاف رفات أطفال الأمم الأولى ، فقد حان الوقت لإعلان شعار " حياة المسلمين مهمة ايضا ".

لقد حان وقت العمل!

لقد حان الوقت لتمرير قوانين ولوائح لتعريف وحظر الإسلاموفوبيا مثل جميع أشكال التمييز وأعمال الكراهية الأخرى ، وتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي لوقف انتشار ثقافة الحقد و الكراهية.

عدونا الأكبر هو الجهل. إننا نعيش بجانب بعضنا البعض دون الانفتاح على بعضنا البعض. نحن بحاجة للتعارف و التعاون بشكل أفضل.

حان الوقت لمراجعة المناهج المدرسية و الجامعية لتعليم طلابنا الانفتاح و تقبل الآخريجب أن يعرف الطالب الكندي منذ الصغر  أن زميله المسلم هو مواطن وشريك وليس عدوًا و لا يشكل  تهديدًا له أو لعائلته.

أن تخصص الدولة الكندية يوما وطنيا لتكريم و احياء ذكرى شهدائنا و لمحاربة الإسلاموفوبيا أمر مهم جدا و لكنه لا يكفينحن المسلمون الكنديون مطالبون أيضا و قبل غيرنا بتكريم ابطالنا و احياء ذكرى شهدائنا لنعطي المثل للآخريناذا نحن لم نحترم أنفسنا لن يحترمنا الآخرونمن هذا المنطلق فإننا و بكل تواضع نقترح على اخوتنا القيمين على المراكز الاسلامية في هذا البلد إطلاق اسماء شهدائنا و ابطالنا على بعض مساجدنا و مراكزنا الاسلاميةليكن عندنا على سبيل المثال مركز عزالدين سفيان و مسجد ابو بكر الثابتي و مدرسة خالد بلقاسمي و مؤسسة عبدالكريم حسان و نادي ابراهيما باري  و فريق مامادو باري الرياضي و مؤسسة ايمن دربالي للأعمال الخيريةعندها بإمكاننا ان نطالب البلديات و الحكومات بإطلاق اسماء شهدائنا و ابطالنا على الشوارع و المكتبات و الحدائق العامة ليعرف الجميع و خاصة اجيالنا القادمة اننا جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع و ان تاريخنا جزء لا يتجزء من تاريخه و نحن و غيرنا من أبنائه اخوة في الانسانية و شركاء في الوطن الذي لا بد من العمل المشترك لبنائه و حمايته من العنف و الكراهية.

في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الكندية، برغم السلبيات التي تحدثنا عنها، تطورا إيجابيا لا بد من التنويه اليه. لقد حدث هذا التطور بعد مجزرة مسجد كيبيك و ربما بسببها رغم بشاعتها،  و نتيجة للعمل الدؤوب الذي قام به بعض الناشطين من أبناء الجالية في حقل التعامل مع الاعلام. لقد بدأت  وسائل الاعلام الرئيسيّة من صحف و راديو و تلفزيون تتوخى الحذر و الحيادية عند معالجتها لأمور تهم المسلمينفي الماضي كانت هذه الوسائل تتعامل مع الشأن الاسلامي بطريقة متحيزة و الى حد ما معادية للإسلام و المسلمينكانت أصابع الاتهام توجه الى المسلمين قاطبة في كل مرة يقع فيها اعتداء من طرف مسلم ما في مكان ما من العالم و كأن المسلمين في كل أنحاء العالم مسؤولون عن تصرفات اَي مسلم في اَي مكان من العالمو كان الاسلام، من وجهة نظر وسائل الاعلام هذه، دائما متهما بالارهاب لان شرذمة من المسلمين، او ممن يدعون الاسلام، تقوم بأعمال ارهابيةكان المواطن المسلم متهما و مدانا دون ان يفسح له المجال لشرح و جهة نظره أو إبراز الحقيقة،  فقلما كان يطلب رأيه في هذه الأمورو اذا ما دعي احد ما للإدلاء برأيه، غالبا ما كان يدعى أشخاص معادون للإسلام، و ان كانوا في بعض الأحيان يحملون أسماء إسلامية، و يطلق على هؤلاء الأشخاص ألقاب "خبير بالشؤون الاسلامية" او "خبير بشؤون الاٍرهاب" او "خبير بشؤون الأمن القومي" و ما شابه ذلك من ألقاباما الآن فإننا نلاحظ بعض الحرفية و الحيادية في التعامل مع الشأن الاسلاميو بدأنا نرى ظهورا اعلاميا لكثيرين من المطلعين فعلا على الشؤون الاسلامية و المدافعين عن حقوق المسلمينولقد كان لكاتب هذه السطور كما يعرف الكثير من القرّاء حظ وافر من الظهور الإعلامي للدفاع عن صورة الاسلام و حقوق المسلمين في هذا البلدبكلمة مختصرة، بعد ان تعوَّد الاعلام في الماضي على الكلام عن المسلمين، اصبح الآن يتكلم مع المسلمين و هذا تغيير جذري على طريق إظهار الحقيقة و احقاق الحق

و أخيرا، بعد كل شيء ، وربما قبل كل شيء ، تقع على عاتقنا جميعا مسؤولية أن نكون جزءًا من الحل وليس جزءا من المشكل. نحن مطالبون بإدانة التمييز العنصري والكراهية والعنف بغض النظر عن هوية الجناة أو الضحايا. هذه هي أفضل طريقة لتكريم شهدائنا وضمان مستقبل أفضل لأبنائنا.

*حقوق الصورة Graphisme Danielle Lambert, pour le Comité citoyen 29 janvier 2017 Je me souviens

 

*إمام و مهندس و محامي متقاعد.

عضو في طاولة الحوار و التنسيق بين الأديان في كيبيك