الإِمامُ الحُسَيْنِ (ع) وَألْخُروجُ عَنِ ألْمَألُوفِ

  • article

زعيم الخيرالله - ويندزُر

لَيْسَ كُلُّ الناسِ لَهُم القُدرةُ للخروج عن المألوف ، وانما غالبيةُ الناسِ تسيرُ مع التَّيارِ وتمشي باتجاههِ . الذين يَخرُجُونَ عن المألوف ، ويغادرونَ ثقافةَ القطيع هم أُناسٌ استثنائيونَ ، يمتلكون رؤيةً للواقعِ سابقة على رؤيةِ أَكْثرِيَّةِ الناس ِ، ولديهم فهمُهم للواقع متقدم على فهم غالبيةِالناس . ووعيُهُم متقدم على وعي َالسَّوادِ الأَعطَمِ مِنَ الناس . الخارجون عن المألوفِ المتمردونَ عليه هم الذين يُلْقُونَ أَحجاراً في البركِ الراكدةِ ليُحدِثوا فيها حراكاً وهياجاً .

 لولا هذا الخُروجُ عن المألوفِ ، لما حَدَثَ إِبداعٌ في مجالاتِ العلم ، ولاتَطَوُّرٌ في الأفكار ؛ فنحن مدينونَ لما قَدَّمَهُ غاليلو ونيوتن وكوبرنيكوس ، في خروجهم عن المألوفِ وتفكيرهم خارجَ الصندوق ، ومدينون لكل الذين ساهموا في الابداع وتَجاوَزوا المألوفَ ، في حقولِ الأدَبِ والفنِ والشعر وسائِرِ المعارِفِ الإنسانِيَّةِ .

القُرآنُ الكريمُ يرفضُ ثقافةَ المَألوفِ

ألقُرآنُ الكَريمُ عابَ على الذينَ ألغَوا عُقُولَهُم واتَّبَعُوا الْثَقافةَ السائِدَةَ ألْمَألُوفَةَ من خلالِ إِتِّباعِ آبائِهِم حتى ولو كانَ آباؤُهُم لايمتلكونَ عِلماً ومعرفةً . يقول الله تعالى :

(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ). الزخرُف: الاية: (22).

(وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ). الزخْرُف: الاية: (23).

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ). البقرة: الاية:(170).

 إِتِّباعُ أَلآباءِ سَيْرٌ مع المألوفِ والتَّيّارِ السائِدِ ؛ ولذا ؛ فَالمَسْأَلَةُ ليست باتباع السائد والمألوف وانما المَسْأَلَةُ هِيَ إِتِّباعُ العلمِ والحُجَّةِ والدَليلِ.

الامامُ الحسين(ع) وثَقافَةِ المألوفِ

كانَ خُروجُ الامامِ الحسينِ (ع) ضَدَّ يزيد بن معاويةَ خروجاً عن المألُوفِ والثقافةِ السائِدَةِ التي كانت ترى في يزيدَ خليفةً شرعياً للمسلمين ، وقد حَشَّدَ وُعاظُّ السلاطين الأحاديثَ المكذوبةَ لِشِرعَنَةِ حُكم يزيد . الامام خرج من المدينةِ رافضاً البيعة وكان هذا الخروجُ خُروجاً عن المألوفِ والسائِدِ ، وغادر الى مَكَّةَ  وخرج منها في الثامنِ من شهرِ ذي الحِجَّةِ ولم يكمل حَجَّهُ متوجهاً نحو العراق ، وكان هذا الخروجُ من مكةَ خروجاً غير مألوفٍ وخلاف الثقافَةِ السائِدَةِ .

وقد حَذَّرَتهُ شخصيّاتٌ لها ثقلُها الاجتماعي والديني امثال ، عبدالله بن عباس ومحمد بن الحنفيّة وعبدالله بن عمر ، ولكنَّ الامامَ الحسين (ع) خرجَ على كلِّ هذا المَألوفِ وتوجه نحو العراق . خروج الامام (ع) بالاطفال والنسوة لم يكن خروجاً مألوفاً ومستساغاً عند الناس . ونفس خروجه سلام الله عليه بهذا العدد القليل في مواجهة دولةٍ عاتية في أوجِ قوتها وسطوتها لم يكن خروجاً مألوفاً . كانت الثقافة السائدة ، وكان المألوفُ هو طاعةُ الحاكمينَ مهما كانت قسوتُهم وظلمُهم . وهناك فقهٌ اسسه عبدُالله بن عُمَرَ بقوله : ( نحن مع من غلب ) ، وعلى ضوء هذه المقولَةِ المُخَدِّرَةِ نشأَ فقهٌ وهو امامة المتغلب ، الذي شَرَّعَ لسلطَةِ كُلِّ مُغامِرٍ نَزى على السُّلْطَةِ بعَمَلٍ مُسَلَّحٍ . هذا هو الفقه السائِدِ والمألوفِ الذي وقَفَ بوجههِ سَيِّدُ الشهداء عليه السلام . ولذلك بهذا الفقه السائد حكموا على الامام الحسين سيد شبابِ أهلِ الجَّنَّةِ بالخروجِ على وليِّ الامرِ ، وبهذا الفقه قال ابو بكر بن العربي: ( الحسين خرجَ عن حَدِّهِ فقُتِلَ بسيفِ جَدِّهِ ) .

 ومازالتِ هذهِ الأصواتُ النَّشازُ الى يومِنا هذا تَدينُ حركةَ الامام الحسين(ع) وتعتبره خارجاً على الشرعيَّةِ.

 الامامُ الحُسَيْنِ (ع) بهذا الخُروجِ غيرِ المألوفِ أرادَ أَن يَضَعَ الأمورَ في نِصابِها الصحيح ، ويصححُ لِلأمَّةِ مفاهيمَها وتصوراتِها ويَهُزُّ وجدانَها المُخّدَّرَ ؛ ولذلك فان نهضة الامام الحسين عليه السلام آتت أُكُلَها وطوت صفحةَ الظالمين وَأعادت للأُمَّةِ وعيها ووجدانها وعقلها المغيب وروحها التي تبلدت وتخدرت . هذه هي الرؤُيّةُ التي كان يمتلكُها سيّدُ الشهداء عليه السلام التي لم يمتلكُها الآخرون الذينَ عاشوا الثَّقافةَ السائِدَةَ المألُوفةَ .

السلامُ عليكَ يا أبا عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعاً سلام الله أبَداً مابقي الليلُ والنَّهار .
الصورة من ويكيميديا كومنز /. SFC Larry E. Johns