الكوفيد كالإِنْسَان: حنون واجتماعي  

  • article

د. علي ضاهر - مونتريال

الناس يُقَدِّرون الصداقة ويعتبرونها ملطّفة للعيش، فإن انعدمت قَسَت الحياة. وهم ميالون للتآلف والتلاقي، يكرهون التباعد ويمقتون الانعزال. المعرّي وصف هذا الميل بقوله:

وَلَوْ أَنِّي حُبِيتُ الْخُلْدَ فَرْدًا

   لَمَا أَحْبَبْتُ بِالْخُلْدِ انْفِرَادًا

بيت شعر حولته العامة الى: "الجنة بلا ناس لا تُداس"، لنبذ العُزْلَةُ وتمجيد وجود الاخر كضرورة لتحمل صعوبة العيش عن طريق التواصل والملاطفة والمماحكة والضحك والتَّفَكُّه، كوسائل لتَفْرِيج الكُرَبِ والهم وفك الغَمِّ وتمضية الوقت والتسلية، لدرجة ان الناس في ايام حظر اللقاءات وشحّها وتدني فرص التلاقي وحظرها، بسبب الكوفيد الفلتان من عقاله، شحذ همته، فقام بتطوير تطبيق "زوم" و"سكايب" و"هانغ اوت" وحتى "كلوب هاوس" واخوانهم، كترضية افتراضية للتعويض عن التلاقي وجها لوجه مع اهله واصحابه وخلانه واقعيا وفعليا.

 لكن العالم الافتراضي مهما حاول لا يمكنه التعويض عن الواقع الفعلي، لن يغبر عليه ولن يصل الى كعبه او يحل محله لا سيما خلال شهر رمضان. فهل لصلاة "زوم" افتراضية قدرة الحلول محل صلاة عيد فعلية؟! وهل لسهرة "سكايب" التعويض عن ليلة رمضانية فعلية تتخللها صلاة ولقاء حول شوربة عدس، تليها أطباق المحمر والمقمر وتتبعها صحون البقلاوة وزنود الست ويتم بعدها "الحبس" بفناجين الشاي "الرايحة جية"؟! وهل لأي تطبيق افتراضي القوة للتعويض عن امسية رمضانية فعلية تدوم لساعات يتخللها القيل والقال وتركيب المقال، هواية البشر المفضلة؟ لذا، يمكن القول ان الكوفيد قد أصاب مقتلا في محبي التلاقي وموائد الرحمن وضَرَبَ عاشقي السمر والسهر. فهذه امور، بالنسبة للبعض، فرض عين، من مناسك الشهر الكريم وشعائره، التي بدونها تخف حلاوته وتقل بهجته وتفسد طعمته.

 لكن رمضان الكريم أبَى إلاّ أن يظهر كرمه للعباد لِعِلمِه أن العديد منهم، مثل المقبور سياسيا ترامب، يضربون بالقواعد الصحية عرض الحائط. لذلك فقد أُوْحِيَ لفرانسوا ليغو، قبل حلول رمضان بقليل، بتخفيض اعداد الحضور داخل دور العبادة الى 25 بعد ان كان قد رفعه الى 250 شخص على اعتاب اعياد الفصح المسيحية واليهودية، إكراما وهدية منه لأتباع هاتين الديانتين! هدية تمثلت بالسماح لهم بالتلاقي بأعداد كبيرة في دور العبادة، وهي خطوة نعيش تداعياتها حاليا على شكل إزدياد في اعداد الاصابات بالكوفيد.

إذا فوُحِيّ فرنسوا ليغو جاء رحمة للمسلمين. فلو ابقت حكومة كيبيك على التجمعات الكبيرة التي كانت قد خصت بها المسيحيين واليهود في اعيادهم، لكان الكوفيد قد ضرب المسلمين بقوة خلال رمضان حيث الاكل والاحاديث والرذاذ المتطاير في اماكن عبادة، معظمها فاقدة للتَهْوية الصحيحة، كان قد شكل فرصة ذهبية للكوفيد ليسرح ويمرح ويطلع منهم "شَرْدْ مَرْد". فالكوفيد كالبشر حنون، محب وإجتماعي يلتذ بالحَشْر ويهوى التواصل. فكلما حَنّ الناس ودَنَوْا من بعضهم كلما حَنّ الكوفيد اليهم ودنا منهم وقويت رغبته فيهم واشتد شغفه للاِلْتِصَاق بهم.