قطع الأرزاق والأعناق والابرياء والقانون21  

  • article

د. علي ضاهر

 تردد جوستان تردودو طويلاً في وصف الهجوم الذي طاول عائلة مسلمة في لندن أونتاريو، بالارهابي. والارهابي كان لغاية الان وصفا محصورا بالمسلمين. خطوة ترودو جاءت بعكس مواقف العديد من الكنديين الذين ما زالوا يعتبرون ان ما يقوم به غير المسلم عملا سببه او الجنون او الخبل او العته او الخلل العقلي بينما يلصقون رأسا صفة الارهاب بما يقوم به المحسوب على الاسلام او من يدعيه، على اساس ان المسلمين كلهم اصحاء لا مكان للجنون او العته او الخبل عندهم، بينما لا يسرح ولا يمرح بينهم الا الارهاب.

 وحين سئل ترودو بعد ذلك عن وجود علاقة بين الهجوم المذكور وبين القانون21، حول علمانية الدولة الذي اقرته حكومة كيبيك والذي بموجبه يحظر ارتداء الرموز الدينية على كلّ موظفي الدولة في موقع سلطة، لم ينف وجود علاقة مما فتح عليه نار جهنم فرانسوا ليغو وشلته. فهل هناك فعلا ما يربط  بين جريمة انتاريو والقانون 21؟ وما العلاقة بين تلك العملية الارهابية وبين القانون المذكور؟ ليغو وشلته ينكرون ذلك ويدعون ان القانون 21 لا يستهدف المسلمين حصرا بل هو مسالم، محايد، عادل، غير موجه ضد الرموز الاسلامية حصرا بل هدفه حظر ظهور كل انواع الرموز الدينية في مواقع السلطة.

من الناحية الشكلية، القانون لا يركز على المسلمين بالاسم ولا يفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وهندوسي إلا بظهور الرموز الدينية او عدمها. لكن من الناحية العملية القضية مختلفة. ومناقشة بسيطة لهذا القانون من ناحية 1) التوقيت وظروف التشريع 2) التطبيق وفكر وانتماء المطبق 3) اعداد المتضررين منه وانتماءاتهم الدينية، تظهر تحيزه الواضح وإلحاقه الضرر بإتباع دين اكثر من باقي الاديان.

 1) فمن ناحية التوقيت والظروف لا احد يشك ان القانون 21  تم اعتماده مع قلق من قبل الاكثرية الفرنسية على الهوية وإنحدار استعمال اللغة وتناقص ديمغرافي في اعداد الفرنسيين وتزايد اعداد المهاجرين الجدد ولا سيما اعداد المسلمين وبروزهم وظهورهم على الساحة وطرقهم لابواب، كانت حتى الماضي القريب، لا يدخلها الا اتباع اديان تعوم فيما يسمى بحضارة يهودو-مسيحية سائدة تنشر رموزها واعيادها ومناسباتها على كل من يعيش في كيبيك.

2) من ناحية التطبيق، القانون 21 كغيره من القوانين، يعتمد على شخصية المسؤول عن تطبيقه ونظرته للاخر ومعتقداته ومعرفته بالرموز. والقانون 21 لا يذكر بوضوح ماهية الرموز الظاهرة والمشرع ولا يعرفها كلها. فماذا مثلا عن تأبط كتاب دين او وضعه على المكتب، وعن السروال الباكستاني، والعباءة والكفتان؟ وماذا عن حف الشوارب والعفو عن اللحية، والهلال، وسَيف ذي الفَقار، كف العباس، يد فاطمة، قلادة آية الكرسي او الفاتحة، او بروش اسم الجلالة، خاتم النبي، الخ الخ؟ وما هو الديني والسياسي والثقافي في هذه الرموز ومن يحددهم؟ وما هو المسموح والممنوع منها؟ كما والقانون لا يذكر حجم الرمز ومدى وكيفية ظهوره: اقل او اكثر من 5 سنتمتر، معلق على الرقبة او اليد او خلخال، ظاهر بوضوح او بحياء. ألا يعطي تحديد ذلك دورا للمسؤول عن تطبيق القانون وتاويله؟ والدور في التفسير، الا يرتبط ويتأثر بمعتقداته وانفتاحه وتقبله للاخر وفهمه وعقله وايمانه ومعرفته بكافة الرموز؟ يقول، سيد القوالين، عن القانون الاخرص الصامت انه: "لا ينطق بلسان وإنما ينطق عنه الرجال". وهذه حال القانون 21 الذي يعتمد في تفسيره وتأويله على مسؤولين كيبيكيين، في اكثريتهم الساحقة، ينتمون الى فكر ولهم نظرة مكونة تاريخيا وعندهم مواقف جاهزة غير ميالة للاسلام وغير مرحبة بأتباعه، لذا فلا عجب ان تأتي ترجمتهم للقانون 21 في غير صالح المسلمين فتصيبهم اضراره اكثر من غيرهم.

3) اعداد المتضررين من القانون وانتماءاتهم الدينية، توحي بإنحيازه، على عكس ما يدعيه ليغو وشلته. وتحيزه وإلحاقه الضرر بإتباع الاسلام اكثر من غيرهم واضح للعيان، لا سيما في المدارس والمستشفيات ودوائر الشرطة، العدلية. والدراسات تظهر كثرة عدد المسلمين الذي طالهم واتساع ضرره عليهم بصورة خاصة، فإن اصاب البعض من اعضاء اديان اخرى او مس مؤمنين غير مسلمين، فيمكن تشبيه ذلك، بما يطلق عليه خلال الحروب "النيران الصديقة". فليغو وشلته وجهوا نيران هذا القانون على المسلمين، فان أصابوا عرضا بعضا من عائلته الكاثولكية ومن عائلة اقاربه من يهود وغيرهم، فهي نيران صديقة، مفهومة ومقبولة منهم، وهم لا يلومون ليغو عليها، كونها موجهة لحصد اكبر عدد من المسلمين المكروهين منهم.

 خاتمة: العمل الارهابي في لندن اونتاريو اودى بحياة 4 مسلمين. والقانون 21 اودى بأرزاق العديد من المسلمين بمنعه عنهم العديد من الوظائف وقطع ارزاقهم. أَلَيْس قطع الأرزاق من قطع الأعناق! وقد اصاب ترودو عندما قال عن وجود علاقة بين العمل الارهابي والقانون 21. فنتيجة قطعِ أرزاق الناس ومنع توظيفهم في اختصاصاتهم، يؤدي الى حرمانِهم من أقواتِهم ومعائشِهم وهذا هو هلاكُهم. فالحكم على الناس بقطع أرزاقهم كالحكم عليهم بإلإعدام وقطع أعناقهم. وهنا تكمن صحة مقارنة ترودو بين القانون 21 وجريمة لندن.