تحية طيبة وبعد : مشاهدات من دبي!!

  • article

غسان عجروش 

إمارة دبي، مدينة الحديد والزجاج ؛ مدينة التطور والحداثة ، مدينة النمو السريع مدينة سابقت أوروبا وأميركا بالتطور والانفتاح ، لا 
تتعب نفسك بالسفر الى لاس فيغاس ولا الى أبراج كوالا لامبور  الشاهقة ولا الى الحدائق الصينية واليابانية المعلقة ولا  الى ناطحات السحاب في ميامي ونيويورك أو كات والك cat walk  الموضة في "ميلانو"  و" كان"  و "موناكو"  ولا  الى توابل الهند ومجوهراتها وأسواقها ولا نحو شواطيء " نيس" 
الفرنسية وأضواء باريس الساحرة ولا  حتى نحو كورنيش لؤلؤة الشرق الاوسط بيروت وسهراتها وزحمتها ومسارحها... كل شيء جميل ومميز جلبته دبي إلى أراضيها الصحراوية الجافة القاحلة وطورته بشكل أجمل وأحدث وأروع فباتت الأكثر جذبا للسياحة بل في المرتبة الاولى عالميا، قبل سبعين عاما  فقط كانت مساحات دبي الممتلئة حاليا بناطحات السحاب والمنتجعات السياحية والاسواق التجارية
والطرقات العريضة النظيفة جدأ، رمالا حمراء حامية وأراض صحراوية مهجورة وإبلا ونوقا تنقل المسافرين وحياة بدوية بسيطة لم  تحلم يوما بمنتجع على الماء مثل برج العرب ولا  ببناء هو الاطول في العالم مثل برج خليفة ولا في مركز " شوبينغ " عالمي مزود بماركات عالمية  مثل " مول 
دبي" الفاخر والاكبر عالميا أيضا .. والقائمة تطول . طبعا، الفضل يعود لله أولا ، وإلى حكام الإمارات العربية المتحدة ثانيا، الذين حولوا دولتهم من البداوة الى الحضارة ومن الصحراء الى الماء لدرجة أنهم أنشؤوا محطة أرصاد جوية تستطيع أن تجلب المطر للصحراء عبر 
تركيبات كيمائية وجيولوجية ومتيولوجية متطورة جدا. وجعلوا من أموال النفط والغاز ميزانية لبناء بلد سياحي من الطراز الأول . 
هذا في الشكل العام، وهذا تطور أفتخر به كعربي أذهلته نهضة البلد ونموه وتطوره السريع إنما لا بد من ذكر الأشياء كما هي . وكسائح وكمراقب لا  بد من ذكر المشاهدات التي رأيناها بأم العين . البلد ممسوكة أمنيا بالكاميرات المركزة والشرطة المموهة مدنيا وعسكريا  
وعناصر أمن الدولة بشكل كبير ، الخصوصية ممنوعة،  أنت مراقب أينما كنت في الشارع في المول في المصعد في البر في البحر في الصحراء، لدرجة أنك قد تجد محفظة في الشارع أو على مقعد حديقة عامة أو في محطة إنتظار ولن تلتقطها أبدا. تصل مطار دبي الدولي تلفتك نظافة المكان وترتيبه وحداثته ، تسلم ضابط الأمن والهجرة " باسبورك" ( ربما هو المواطن الإماراتي الوحيد الذي قابلته 
خلال ١٠ أيام) في بلد مليء بالسياحة والعمالة الأجنبية التي تمثل ٨٠ % من عدد السكان الاصليين. ياخذ هذا الضابط صورة لك عبر كاميرا متطورة دون إذنك حتى،  وهذه الصورة توزع الى مركز الشرطة الرئيسي وإلى الفندق الذي ستنزل به ولا  أدري الى من أيضا ، 
الاجراءات عادية ولا أسئلة امنية وإستخبارتية  طرحت علينا كل شي مر بسلاسة ليس في المطار فحسب بل خلال الاقامة كلها.  إحترم النظام ولا أحد يأتي صوبك. هذه هي المعادلة وهذا هو المنطق . 
خلف الوجه المشرق لدولة الامارات ودبي بالتحديد ،  هناك وجه آخر وهناك معاناة تسكن تحت كل ناطحة سحاب قامت على أكتاف العمالة الهندية والباكستانية والسيرلانكية بل الاسيوية بشكل عام ، عمال وعاملات قذفتهم الحاجة الى العمل والعيش في ظروف قاسية جدا ، يصل العامل بعقد عمل محكم يؤخذ منه جواز سفره على المطار ويعمل الواحد منهم بمعاش زهيد نسبة الى عدد الساعات ( ١٢ - ١٤ ساعة)  
وقساوة ظروف العمل والطقس الحار ) ٥٠ فوق الصفر صيفا( باختصار هو ممنوع الحياة والرفاهية والاستجمام ، عمل وطعام بسيط جدا يقتصر على الأز في معظم الوجبات ، سألت راجيف، العامل الهندي الجنسية في مركب سياحي كم يتقاضى في الشهر وإذا كان مرتاحا ، أجاب فورا ب : لا ...  لست مرتاحا . فالمعاش الذي يتقاضاه عبارة عن ٣٥٠ دولارا  اميركيا بالشهر او ١٣٠٠ درهم في حين الحد 
الادنى للاجور هناك ٤٠٠٠ درهم شهريا وينام وياكل ويشرب ويستحم داخل المركب . وهكذا تسأل وتسأل عامل الفندق وسائق التاكسي وعامل التنظيفات الخ منهم من تتملكه الجرأة على البوح ومنهم من يفضل السكوت و منهم مرتاح ومغبون الحقوق ، إنما نتيجة فرق 
المعاشات بين الهند والامارات التي تتفوق عليها بأضعاف يقبلون واقعهم المر .
المصالح الكبيرة في دبي بمعظمها مملوكة من أفراد العائلة الحاكمة من الامراء والمشايخ،  كمحطات الوقود والمنتجعات السياحية والجزر 
المستحدثة ومعظم الفنادق المطلة على البحر بما فيها من أسواق تجارية ومرابع ليلية ومطاعم وملاهي . خلف كل هذا يسكن أثرياء وجدوا الهرب من الدخل الضريبي ملاذا لهم في دبي وأيضا المؤثرين  ( انفلاونسر ) على وسائل التواصل االجتماعي وبائعات الهوى لهم مكان في أفخم الفنادق والشاليهات والفيلات تحت عناوين مختلفة . 
لمن يسأل عن الصحراء ، الصحراء موجودة بمساحات شاسعة إنما لم تعد مكانا للسكن بل تواجد الخيم والابل والجمال هناك لم يعد عنوانا 
للبداوة والبساطة ، بل للرحلات السياحية والتقاط الصور الفوتوغرافية  و" السلفي" ، وإبل الصحراء أصبحت من الماضي بل باتت مصدرا ماليا محترما لمن أراد أن يعاين الصحراء العربية سابقا . 
في الختام الجالية اللبنانية هناك نشيطة جدا ومن تهون عليه كرامته العمل في مطاعم بيروت وفنادقها لا يجد ضيرا في العمل في دبي.
اللبنانيون يعملون في شتى المجالات وفي مراتب مختلفة من المطاعم الى الهندسة والطب والتعليم  والتجارة ضمن دولة القانون وهذا ما يفتقدونه في الوطن الأم.  قد لا يكون المعاش عظيما إنما راحة البال والنفس هي الاهم . سألت شابا لبنانيا أسمه محمد يعمل في أحد المطاعم اللبنانية 
هناك هل  انت مرتاحا بالعمل هنا أجاب ب " ماشي الحال"  واردفت مازحا هل تسكن بعيدا من هنا؟ اجاب ب "نعم" فقلت له هل باستطاعتنا نحن الاربعة أن ننام عندك أجاب: " بنيمكم بقلبي"  هذا هو اللبناني أينما حل . لبنان ذا الطقس الجميل والجبال الرائعة والشواطيء الطبيعية يتفوق على دبي الاصطناعية التركيب سحرا وجمالا إنما المعنيين على الوطن لا يعرفون قيمته علهم يتعظون من حكام دبي والامارات.