نقشت 100 "بالمية"

  • article

د. علي ضاهر

 مع اكتشاف الذهب الأسود تشكّلت حالة جديدة عند العرب العاربة والمستعربة، ما لبثت ان ترسّخت بفعل الفيض الغازي والبترولي الذي هبط بغتة على رؤوس أودى بنادر ما فيها وطيّر قلّة ما تحتويها، فأصابت تداعياته معظم الشرق الأوسط وخلخلت جميع مفاصله الاقتصادية والسياسية والإجتماعية والأدبية، وضربت بصورة خاصة المفصل الإعلامي العربي من مكتوب ومرئي ومسموع وفرضت على أغلب العاملين فيه تعلّم  قرض قصائد المديح وتدبيج مقالات التبخير والتمرّس في نشر مقالات التفخيم. وهذا ما توحي به أوضاع جمهرة مهمّة من حملة القلم من كتّاب صحف ومحلّلي إذاعات وشاشات من الناطقين بالضاد المنتشرين في مختلف الأمصار والقابعين تحت ظلال براميل البترول والغاز المسيّل التي حلّت محل ظلال النخيل والسنط والعرعر والمنتظرين حفنة البترودولار التي تُرش عليهم او تودع في حساباتهم، بعد ان سيطرت العملة الخضراء وحلّت محل عطاءات الإبل والعجوة وأكياس الفضة التي كان يُنْقد بها مهرج الملك او الشاعر المتزلّف او الزائر المتملّق بعد حركات إضحاك او إلقاء قصيدة مدح او تلاوة كلمة تبخير.

 هذه الحالة الجديدة التي تشكّلت لا تسبق فقط كل لقاء وقمّة وإجتماع يعقد في تلك البلاد بل تواكب كل حدث وترافقه وتعقبه لأيام وأسابيع وأشهر. وأسطع مثال على ذلك ما جرى عندما تمّ توقيع كتاب بعنوان"علاقة البطريركيّة المارونيّة بالمملكة العربيّة السعوديّة". فقبل هذا الحدث كان أنصار السعودية وأزلامها ومحاسيبها وسماسرتها المنتشرين في أكثر من مفصل إعلامي وسياسي وديني يأملون بفرصة ترضي رغبتهم في التهليل والتبخير ومسح الجوخ وكيل المديح فجاءت مناسبة صدور الكتاب المذكور هديّة ربّانية هبطت عليهم من السماء ومنحتهم ذخيرة وفرصة ذهبية لا تفوّت سيما وان التبخير والتهليل يسري في دم بعضهم ولا قدرة له على مقاومة مسح الجوخ والعيش دون تقبيل الأيادي فسعى الى إظهار السعودية على انها الأم تيريزا التي لم تعتدِ على سيادةِ لبنان ولم تَنتهِك استقلالَه وانها الشفيع والراعي الذي لم يَستبِحْ حدودَه ولم يورِّطْه في حروب وانها، اي السعودية، لم تُعطِّلْ ديموقراطيّتَه ولم تَتجاهل دولتَه، وانها المروّج لعروبة منفتحة ومعتدلة.

 صدق من قال: " إذا لم تستح فافعل ما شئت"، فكيف اذا كان عديم الحياء موعودا بكسب مادي! عندها سوف "تنقش معه 100 بالمية" فيبدع وتسمع منه من مديح وتبخير ما يدهش العالم.