عن الغربة أحدثكم

  • article

حسين السعيد ـ مونتريال

أنهمرت أدمعي وأنا استمع للمطرب العراقي الفنان هيثم يوسف وهو يغني أغنية (مشتاك)

"حنيت حتى لزعلهم ...كل روحي عدهم ...ما دػو الباب" وكأنه طفل يضرب صدر أمه عتباً وحسرة ، لم أتمالك نفسي وبكيت بحسرة وقد فارقت في هذين العامين أختي وأبي جراء ڤايروس كورونا وتبعاته ، غادروا الحياة وقبلهم أمي لنفس الاسباب رحمهم الله أجمعين...

شيع ابي الى مثواه الاخير ولم أكن بجواره ولكن .. وصلني تشييعه وهم يهمون بإخراجه من بيتنا برسالة فيديو عبر الواتس اب، والصلاة عليه عبر الواتس اب ، ومراسم دفنه  ومن حضر من المشيعين ومجلس العزاء عبر الواتس اب ... صوروا كل شي عبر الواتس اب ومقاطع فيديو بزاوية يختارها المصور ليشفي غليل الحزن الذي في داخلي عبر هذا التطبيق.

لم تكن الغربة رحيمة بي ، ومواقف تلو المواقف وأنا أشاهد أهلي في الوطن في افراحهم وأتراحهم ... أقف هنا لوحدي أنظر من بعيد ما يفوتني من أحداث كنت فاعلاً فيها والان أجلس بعيداً في الركن المنسي أعدّ الايام وكأني أنتظر قيام الساعة وأحدث من حولي عن سرعة انقضاء الايام بلا مبالاة مني او شعور بلذة تلك الايام.

الغربة لا ترحم يا سادة ، مجتمع جديد ولغة جديدة وعادات وتقاليد وقوانين جديدة وشوارع وأزقة ومترو وثلج .. ما كل هذا التغيير ؟؟

في كل زاوية في الشقة او في الشارع او السوق ابحث عن ذكرى طفولتي ومراهقتي ابحث عن ضحكات ومزاح بيني وبين رفاقي .. أين معلّمي؟ أين مدرستي؟ أين من يمسك الناقوس ويرنّ الجرس ؟

أين الكرة ؟ اين ساحة اللعب ؟ أبحث عمن مزّق قميصي لاعود لامي أبكي فتكمل قسوتها الرحيمة فتضربني على إهمالي واتساخ ملابسي ... انا هنا اشحذ ذكرياتي ...

ابتعت دراجة هوائية لأتنقل فيها بين شوارع مونتريال ولكنها رغم حداثتها لا تشبه دراجتي في صباي ورغم أنها كاملة المواصفات وارتدي خوذة معها ، الا انها لا تشبه دراجتي التي كانت عبارة عن هيكل بلا فرامل وبلا واقي للاطارات الامامية والخلفية، وكانت الفرامل هي حذائي الرياضي ولكنها في تلك الايام كانت متعة لا توصف .

فاتتنا " لمّة أهلنا " وضحكات وجرْي الاطفال في باحة البيت ، فاتتنا نكهة الطعام مصحوباً بحديث السفرة ، فاتنا (كلام نواعم ) البيت وهن يذكرن أحداث الحي بتشويقهن للملتفين حول سفرة الطعام يسردن أخبار هذه وتلك وأيهن اصلح لاخي او لابن عمي.

فاتنا الكثير يا سادة ونحن في الغربة ... هنالك من مرّ به السرور ونحن لسنا معه وهنالك من مر به العوز ونحن لم نقف معه وهنالك طفل رزقت به عائلة اخيك وأنت لم تكن اول من يعلم وتزوج ابن جارك وحضر جميع الجيران وخلا منك، كلهم رقصوا وطربوا الا انت رأيته على الواتس اب او صفحة الفيس بوك او الانستغرام .. تخرّج فلان وتزوّج فلان وحجّ فلان ونحن في زاوية النسيان وأن سألوا عنك قيل لهم " هو في الغربة .. كان الله في عونه".

إن صادف ونزلت لوطنك الام في أجازة ورزقك الله حضور عرس او ولادة طفل أو حتى ـ لا قدر الله زرت ـ مأتماً فأنت محظوظ لانك ستجد ضالّتك بعد أن تسرد لهم جزءً يسيراً من سيرة  المشي في ضباب الغربة وسيقصّون عليك أحداثا لم تشهدها وتحاول تصورها وتفسيرها وأنت تقرأ ملامح وجوههم وهم يتحدثون بلكنتهم المعروفة لتروي عطش روحك وظمئها لما فاتك منها لانك كنت في الغربة.

تم استخدام صورة غلاف هذه المقالة لأغراض توضيحية فقط.