غسان عجروش ـ مونتريال
يطلق اسم الهنود الحمر مجازا على فئة من الناس تعرضت للتهميش والإضطهاد والعنصرية . في الواقع هم ليسوا هنودا ولا حمرا، بل هم سكان الأرض الأصليون، وهم أول من وطأ هذه الأرض وعانوا ما عانوه من شحّ في الأكل والملبس والدفء. أمريكا الشمالية والجنوبية آخر القارات في العالم التي استوطنها الإنسان .عاشت هذه الشعوب في كندا وفي الولايات المتحدة الأميركية في الغابات ، ويعترف التاريخ الأميركي ومؤرخوه ما تعرض له هؤلاء السكان من اضطهاد وعنصرية وسوء معاملة وسلب للأراضي التي يقطنون عليها . وفي كندا الأمر ليس بأفضل للأسف، حيث أن آخر الإكتشافات التي وجدت بينت عن دموية وفظاعة تم الكشف عنها كما سنورد لاحقا . في آخر إحصاء أجرته الحكومة الكندية عام 2016 بلغ عدد السكان الأصليين في كندا 1.673.785نسمة، أو 9.4 ٪من السكان الوطنيين. وهذه الشعوب تألفت من شعب الأمم الأولى و من شعب الميتي، و من الإنويت. . هناك أكثر من 600 من قبائل أو عُصبات الأمم الأولى تتمتّع بثقافات ولغات وفنون وموسيقا خاصة بها. يعترف اليوم الوطني للشعوب الأصلية بثقافات وإسهامات الشعوب الأصلية في تاريخ كندا. أصبحت لدى شعوب الأمم الأولى والأنويت والميتي شخصيات بارزة كانت بمثابة نماذج يُحتذى بها في مجتمع السكان الأصليين، ساعدت على بلورة الهوية الثقافية الكندية. اذا هذه الشعوب لها انتماؤها وتاريخها وثقافاتها التي هي من النسيج الكندي الحالي والتي تحافظ الحكومة على حقوقهم واستقلاليتهم ضمن الفدرالية الكندية .
التاريخ يحدثنا أن ثمّة من أراد لهذه الثقافات وربما للشعوب أن تنقرض وتتبعثر، وكان لزاما على من هم في موقع السلطة أن يجدوا طريقة ما ، تحولت الى فاجعة تقض مضاجع الحكومات الكندية على مر العصور والسنين وتترك صفعة على وجه الإنسانية لن تزول أبدا .
من يصدق أن دولة مثل كندا ترأف وتهتم لحقوق الحيوان والشجر والحجر والطفل والعجوز واالمرأة والرجل بل كل شي ، ممكن أن تدنّس حاضرها بفواجع يندى لها الجبين ؟. بين عامي 1899 و 1996 أنشأت الحكومة الكندية، قسم الشؤون الهندية نظاما لاستيعاب أطفال الشعوب الأصلية عبر مدارس داخلية تسيطر عليها الكنائس المسيحية التي سعت الى إجبار الأطفال على ترك ثقافاتهم وتعلّم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية . كانت المدارس متواجدة عمداً على مسافات بعيدة من مجتمعات السكان الأصليين لتقليل الإتصال بين العائلات وأطفالها. فأضرّ نظام المدارس السكنية بأطفال السكان الأصليين بدرجة كبيرة من خلال حرمانهم من أسرهم ، وحرمانهم من لغات اجدادهم ، وتعرض الكثير منهم إلى الإيذاء الجسدي و الجنسي والنفسي وعانوا من الحرمان بعد فصلهم قسرا عن عائلاتهم وثقافتهم . انها إبادة ثقافية في الدرجة الأولى والأخطر أنها تحولت الى إبادة بشرية لعدد كبير من الأطفال الذين وصل عددهم الى 6 آلاف ضحية على الأقل تم دفنهم في حدائق هذه المدارس دون شواهد على قبورهم تبيّن أسماءهم واعمارهم أو مراسم دفن تليق بهم ، تمنح الفرص لاهاليهم لاستذكارهم، بل دفنوا سرا ولم يتم اكتشاف المئات منهم الا في ايامنا هذه . فاجعتان واكثر حتى اليوم هزت المجتمع الكندي والحكومة معا بل والإنسانية جمعاء عندما تم العثور على رفات 215 طفال مدفونة في احدى المدارس الداخلية في مقاطعة برتش كولومبيا ومقبرة ثانية في مقاطعة سيسكاتشوان حيث تم اكتشاف أكثر من 750 قبر في عمليات تنقيب داخل موقع مدرسة داخلية سابقة كانت تديرها وتشرف عليها الكنيسة الكاثوليكية . تعود هذه القبور الى اطفال الشعوب الأصليين ، بعضهم لم يتجاوز الثلاثة أعوام . مستعينا بآلات تنقيب في جوف الارض ورادارت يعلن زعيم سكان كندا الأصليين قدموس ديلمور عن مسرح جريمة ثان متهما ممثلين عن الكنيسة الكاثوليكية بإزالة شواهد القبور لإخفاء الجريمة. رئيس الوزراء جوستان ترودو أعرب عن حزنه وقال : " بصفتى أبًا، لا أستطيع أن أتخيّل كيف سيكون شعورى عندما يُسلب أطفالي مني، وبصفتي رئيسًا للوزراء، أشعر بالفزع من السياسة المخزية التى سرقت أطفال السكان الأصليين من مجتمعاتهم.." كل ذنب هؤلاء الأطفال أنهم ولدوا بسطاء طيبين ، رمت بهم الأقدار الى هذه الأرض ، تحمّل أهاليهم شظف الحياة وقساوتها ، أكلوا ما تأكل الحيوانات والطيور ، لبسوا ورق الأشجار وجلود الحيوانات رداءا لهم ، وصنعوا لنا موطىء قدم ، ننعم به اليوم في هذه الدولة العريقة المسمّاة كندا. ولكن نفوسا مريضة وعنصرية أرادت لهم أن يعيشوا كما هم يريدون ، مجرّدين من الدين باسم الدين ومجرّدين من الإنسانية باسم الانسان ، قتلوا براءة الاطفال في مهدها هتكوا أعراضهم على مقاعد دراستهم وتحت المذبح المقدس دفنوهم سرا واجراما .
الكنيسة الكاثوليكية بشخص بابا الفاتيكان مطالبة بالإعتذار من هؤلاء الناس ، والكنائس الكندية مطالبة بالإعتذار من هذه الامم وتقديم كل ما يملكون من معلومات عن هذه المقابر الجماعية كي لا نفجع مجددا بهول المفاجأة الرهيبة .