شادية الرفاعي : أبحاثها ثورة في علوم فيزياء الشمس

  • article

(سلسلة مقابلات شخصية غير منشورة من قبل اجراها الزميل د علي حويلي)

لعله من الضروري ان نستذكر، بمناسبة العيد العالمي للمرأة الذي انقضى قبل ايام ،كوكبة  من عالماتنا اللبنانيات والعربيات المقيمات في الاغتراب، وان نسلط الضوء  على  اهمية حضورهن ومكانتهن العلمية والاكاديمية والمهنية التي قلما تحظى في الميديا العالمية  والادبيات العلمية العربية بالقدر الذي  يستحقنّ من تنويه وتكريم واهتمام من جهة ولأنهن يشكلن جزءا لا يتجزأ من الذاكرة العلمية العربية في المهاجرمن جهة ثانية. وتقديرا منها لهذه العقول المهاجرة تنفرد  جريدة "صدى المشرق " بنشرانجازاتهن العلمية  ،وتقدمها تباعا   للمرة الاولى  الى قرائها الاعزاء.

ومن ابرز وجوه هذه الكوكبة من الرعيل الأول : شادية رفاعي حبال 

رسمت شادية رفاعي حبّال (أميركية من أصل سوري) في سجلات البحوث الغربية، صورة للعربي كباحث صبور وأكاديمي مقتدر. وما يزيدها اعجابا واحتراما أنها إمرأة عربية تخالف الصورة النمطية عن نساء العرب، خصوصاً تلك المستقرة في تفكير الغربيين باعتبارها جزءاً من مجتمعات محافظة ومنغلقة. نالت حبّال شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق في علوم الفيزياء والرياضيات. وتابعت دراسة الماجستير في الفيزياء النووية في الجامعة الأميركية في بيروت. وسافرت عام 1973 إلى الولايات المتحدة لإكمال علومها العالية. وحصلت على شهادة الدكتوراه في الفيزياء عام 1977 من جامعة "سنسيناتي" في ولاية أوهايو.

من الجو إلى الشمس

عيّنت حبّال باحثة لمدة عام في "المركز الوطني للبحوث الجوية" في مدينة "بولدر" في ولاية كولورادو. وفي 1978، التحقت بـ "مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية" Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics مصدر الرياح الشمسية، كما سعت الى التوفيق بين الدراسات النظرية وعمليات المراقبة الواسعة التي أجرتها المركبات الفضائية وأجهزة الرصد الأرضية عن الشمس.

وتُعرّف مجلة "العلوم" الأميركية الرياح الشمسية بأنها جسيمات ذرية مشحونة كهربائياً تنطلق من الشمس، وتنتشر عبر المنظومة الشمسية كلها وتبث الاضطراب في كل كواكب المنظومة، وتخترق الطبقات الجوية العليا للأرض.


من جهتها تصف حبّال رياح الشمس بأنها ظاهرة حيّرت العلماء زمناً طويلاً. وأنهم قسّموها إلى نوعين، أولهما رياح سريعة تنطلق من الشمس بسرعة 800 كيلومتر في الثانية، والثانية رياح بطيئة ثقيلة الحركة تأتي من المنطقة الاستوائية للشمس.وتضيف : "اما بحوثي فأثبتت  أن تلك الافتراضات غير صحيحة لأن مُكوّنات الرياح الشمسية تأتي من كل مكان على سطح الشمس. وتعتمد سرعتها على الطبيعة المغناطيسية للمناطق التي قدمت منها... وهذه النتائج أكدت صحتها مركبات فضائية توّلت رصد الشمس من مدار ارضي مثل تلك التي أرسلتها "وكالة الفضاء الأوروبية" وسفن الفضاء العاملة ضمن مشروع "راصد الشمس" التابع لوكالة «ناسا" الأميركية، الذي يعرف باسمه المختصر "سوهو" SOHO، وهو المصطلح الذي يختصر عبارة "سولار هيليوسفيرك أوبزرفاتوري" Solar Heliospheric Observatory. وتؤكد حبّال ان: "بحوثي تناولت أيضاً جانباً كبيراً من دراسة الطبيعة الدينامية للانبعاثات الشمسية في مناطق الطيف الراديوية والضوء المرئي والمنطقة القريبة من موجات الطيف تحت الحمراء وفوق البنفسجية وما يليها، فضلاً عن دراسة الرياح الشمسية الهادفة لتحديد العوامل الفيزيائية المسؤولة عن خواصها، وكذلك دراسة سطح الشمس وامتدادات ما ينبعث منه إلى كواكب المجموعة الشمسية"

تشغل حبال منصب أستاذ كرسي في "قسم الفيزياء الشمسية الأرضية" في جامعة "ويلز"وهناك، شكّلتْ فريقاً علمياً تحت قيادتها لدراسة الرياح الشمسية، واستطاعت من خلال تعاونها مع بعض فرق البحوث في الجامعات الأميركية ان تحصل على برنامج مستمر لرصد الظواهر المرتبطة بكسوف الشمس، وبما يساهم أيضاً في معرفة أصل رياح الشمس. كما شاركت فريقاً من علماء الفضاء الأميركيين أعدّ أول رحلة فضائية إلى الشمس، أو بالأحرى لطبقة الهالة الشمسية التي تمثل الجزء الخارجي من الغلاف المحيط بذلك الفرن الهائل، الذي لا يمكن رؤيته من الأرض إلا اثناء الكسوف حين تبدو هذه المنطقة كتاج أبيض محيط بالشمس.

وقد أثنت مجلة "ساينس" العلمية الشهيرة، التي تنطق بلسان "الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم"، على بحوث العالِمَة العربية حبّال، إذ وصفتها بأنها: "أطاحت التصورات التي كانت سائدة من قبل عن مصدر رياح الشمس". ورأت في بحوث حبّال "خطوة هائلة إلى الأمام... بل ثورة في علوم فيزياء الشمس".

نشاط نسوي وعلمي

قدمت حبّال حتى اليوم أكثر من مئة ورقة علمية لمجلات علمية عالمية. وألقت ما يزيد على 30 بحثاً في مؤتمرات دولية متنوّعة. وشغلت مجموعة من المناصب العلمية، تشمل عضويتها في "الجمعية الفلكية الأميركية" و "الجمعية الأميركية للفيزياء الأرضية" و "جمعية الفيزيائيين الأميركيين" و "جمعية النساء العالِمات" و "الجمعية الأوروبية للفيزياء الأرضية" و "الاتحاد الدولي للفلكيين" وغيرها. ومُنِحَت درجة الزمالة من "الجمعية الملكية للفلكيين". وشغلت منصب أستاذ زائر في جامعة "ويلز"- قسم الرياضيات والعلوم الفيزيائية. وترأّست لجنة الفيزياء الفلكية الأميركية، وكذلك رئاسة تحرير "المجلة الدولية لفيزياء الفضاء وبحوث الفيزياء الأرضية". ونالت لقب "أستاذ زائر" من "جامعة العلوم والتكنولوجيا" في الصين. وتعمل راهناً أستاذة جامعية باحثة في "قسم العلوم الفلكية" في جامعة هاواي، في "هونولولو"

ونالت حبّال جوائز عدّة، شملت "الرواد" من "مؤسسة الفكر العربي" (2004) و "فريق واشنطن – كرونوغراف" (2000) و "المرأة المغامرة" من "مركز هارفارد للفيزياء الفلكية" (1988)، و "الخدمات البارزة" من"المجلس القومي الأميركي للبحوث الغلاف الجوي والمناخ وعلومهما" (1996). وكذلك مُنِحَت جائزة خاصة عن "أعلى مستوى من الإنجاز العلمي" من مؤسسة "سميثونيان" (1993).

وجرى تكريم حبّال في"المؤتمر الثالث للموهوبين العرب" في مراكش، وكذلك في احتفالية "دمشق عاصمة الثقافة العربية" (2008).

وتتحدث حبال عن حال العالِمات العربيات في أميركا، مشيرة إلى أنها تعمل جنباً إلى جنب مع زملائها من الجنسيات المختلفة كفريق موحّد، من دون حواجز ولا حدود ولا فوارق جندرية بين الرجل والمرأة. وتؤكد أن وجود العنصر النسائي في بحوث الفيزياء الفلكية والدراسات الشمسية، يعتبر أمراً نادراً جداً.

وتصرحبّال على انها رغم طول بقائها في أميركا، لم تتغرب ولم تتنكر لوطنها الأم ولا لتقاليدها ولا لغتها العربية. وتأمل بتوظيف علومها وبحوثها في خدمة بلدها أو أي قطر عربي آخر.