"أمّ الكلّ" الحاجة أم هادي سبيتي تتوجه للأمهات في كندا في عيدهن ... عليكن التسلّح بالثقافة الدينية والصبر لتحفظن أولادكن!

  • article

صدى المشرق ـ مونتريال

الكثيرون يعرفونها بـ "أم الجالية" في كندا فهي لم تبخل يوماً بمساعدة الامهات اللواتي يقصدنها. كما انها عملت بكل ما تملك من قوة للوقوف إلى جانب من يحتاجها منهن .. هي الحاجة أم هادي سبيتي التي اختار موقع "صدى المشرق" أن يكرّمها على طريقته في عيد الأم للحديث عن تجربتها كأم وإبراز دورها ودور الأمهات اللواتي يقمن بتربية أبنائهن في الغربة ويسعين لبناء اسرة نموذجية رغم التحديات الكبيرة .

نجحت الحاجة ام هادي وزوجها المرحوم سماحة الشيخ محسن السبيتي في بناء أسرة نموذجية في البلاد. وهي قالت لنا في لقاء معها "بعون الله تحملنا مسؤولياتنا أمام الله حيث حرصنا بشكل دائم على تربية الاولاد تربية صالحة وتوصيتهم الدائمة بعدم الالتفات للمغريات الكثيرة والانتباه من الوقوع في شباك الأفكار المنحرفة". واكدت الحاجة سبيتي " أن توجيههم بشكل عام لتعلّم الرياضة هو مكسب لهم تملأ ساعات فراغهم وتساعدهم على صقل شخصيتهم"، مشيرة الى توجه ابنائها الى رياضة التايكواندو حيث "برز من بينهم مهدي الذي وصل الى الفوز ببطولة كيبك وكان المعلّم لجيل كامل في المجمَّع الإسلامي في مونتريال، و تخرَّج على يديه شبّان صاروا اليوم أبطالا ومعلمين من بعده لجيل ثانِ. وهو اليوم استاذ ناجح لأكثر من 150 طالب يتدربون على التايكواندو تحت اشرافه في أوتاوا"، كما قالت في لقائنا معها .

هذه التربية " أنجبت أبناءً صالحين مؤمنين غيارى على مصالح أبناء جاليتهم.. سبعة شبان طيبون وابنة واحدة، من بينهم وَلَدي الشيخ علي حفظه الله والمعروف جاليويا وله يعود الفضل الكبير في تربية جيل من الشبان إلتفوا حوله أينما وجد وأينما حلّ. وكان هو الواعظ  والمرشد الديني والمدافع والمساعد في بناء مؤسسات دينية تكون داعمة كالبيت الثاني لأبناء الجالية في أكثر من مدينة من مدن كندا".

كانت قارئة العزاء الأولى في كندا فكانت تقوم بالارشاد الديني "من خلال قراءة مجالس الحسين وواقعة كربلاء التي كانت مدرسة لنا علّمتنا الإيثار والتضحية والنصيحة، والتكافل والتكاتف وشد أواصر بعضنا وأن نكون سنداً لبعضنا البعض".

 

بداية هل يمكن أن نتعرف على الحاجة أم هادي سبيتي ؟

أنا الحاجة أم هادي سبيتي هاجرت الى كندا في شهر كانون الاول من العام 9871، وكانت رحلة طويلة لم تكن في الحسبان.

أذكر كم بكيت طويلاً عندما بُلِّغْتُ بمغادرة لبنان، فليس من السهولة ترك وفراق الأحبة وفراق أهل بلدتي الأعزاء. فزوجي المرحوم فضيلة الشيخ محسن صاحب البيت المفتوح لجميع المحتاجين في البلدة وإمام مسجدها، كان الوحيد الذي بقي في المنطقة الجنوبية الذي يساعد أهلها، لكن عندما اضطربت الأمور بيننا وبين الأعداء، وعندما أُقفِلَتْ المدارس والجامعات التي كان أولادي يصلونها بشق الأنفس، وخوفنا الدائم عليهم من الغدر والاستفزاز، اتخذ زوجي قرار الهجرة إلى كندا، وساعده في ذلك أقاربه وأصحابه الذي كانوا يعيشون فيها..

في كندا في بداية الأمر عانيت في الغربة سيما وأنا أعيش في بلاد تختلف عنَّا لغةً وثقافةً ومجتمعاً، ولكن بعد مرور الوقت فيها تأقلمت وتغيَّرت نظرتي إليها، إذْ ادركت أنًّ مجيئي إلى كندا كان توفيقا من عند الله لنشرِ الدين وتعريفه للذين يجهلونه. وكان زوجي رحمه الله هو العالم الوحيد في جاليتنا والواعظ في هذه البلاد، فكان لزامًا علينا كعائلة متدينة ومحافظة ان نقوم بدعوة الناس الى التمسك بالدين ونعظهم ونظهر الدين القويم بصورته الجميلة والكاملة لأنَّ الإعلام المعادي شوَّه صورة الإسلام.

 

عندما نذكر اسمك في أوساط الجالية الجميع يقول إنها "أم الكل" لماذا برأيك؟

مناداتي بأم الكلّ لم يأتِ عبثاً، لأنّي كنت أشارك الجميع في أفراحهم وأتراحهم، وتخفيف أوجاعهم وهمومهم، وأساعدهم على تجاوزها فلذا اعتبروني كأم لهم، وهذا يسعدني عندما ينادوني بأم الكلّ، حيث كنت مستعدة لأكون مع أي مهاجرة صغيرة تأتي كعروس. وعندما تصبح حاملاً أقول لها لا تحملي الهم أنا هنا كأمك سأكون معك عند الولادة ومتى ما تحتاجينني سأكون مستعدة و لو كان في منتصف الليل.

 

لو عاد بك الزمن هل تقترنين بعالم دين كسماحة الراحل الفاضل الشيخ محسن ولماذا، وهل يمكن ان نسلط الضوء على تجربة العيش التي قضيتموها في النجف الاشرف؟

أجل وبكل ثقة ، فاقتراني بزوجي رحمه الله كان توفيقًا إلهياً رغم أني لم أكن محجبة تماماً وكنت طالبة في مدرسة الراهبات الكاثوليك. كنت أعرف عن المسيحية أكثر مما أعرف عن الإسلام. لكن ارتباطي بأهل البيت والمحبة الخاصة للإمام علي عليه السلام وُفقت بزواجي من عالم ديني أخذ بيدي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من المعرفة الدينية والثقافة الإسلامية والاجتماعية.

حملني معه إلى العراق والى مدينة النجف الأشرف بالتحديد حيث مرقد الإمام علي عليه السلام، فتلقى علومه الحوزوية على أيدي المراجع والفقهاء. في النجف وُفقت لزيارة مرقد الإمام وحمدت الله ان وفقني لأكون بجوار أمير المؤمنين عليه السلام.

رغم خشونة العيش وقلة المؤونة قضيت خلال هذه المرحلة أسعد أيامي بجوار الإمام عليه السلام وفي ديار مقدّسة حيث كنت أقضي أكثر ساعاتي في المطالعة وهذا ما كان يؤنسني.

 

حاجَّة أم هادي الكلُّ يُجمِع على أن الغربة في السنوات الماضية كانت أصعب بأشواطٍ طويلةٍ من الحال اليوم، هل توافقين على ذلك وماذا عن تجربتك في تلك الأيام؟

نعم في البداية عانيْنا الأمريّن. فللغربة والهجرة سلبيات، وصعوبة بالعيش فيها. نعم لا أخفي عليكم هجرتنا نحن الأولين أصعب من اليوم، حيث كنَّا غرباء بكلّ معنى الكلمة، أمَّا من هاجر بعدنا واستفاد من وجودنا قبله، فعرف كيف يعيش بسهولة ورفاه وحياة هانئة لعائلته ولنفسه وحياة أسهل مع وسائل الراحة. كنَّا غرباء فعلاً والغريب أعمى لو كان بصيرًا.

 

هل ترين فرقًا بين دور الأم في الوقت الحالي ودور الأم سابقا؟

دور الأم في السابق أهون لقربها مِمَنْ يساعدها والعيش مع عائلتها، أمَّا في كندا فدورها حاليًا يحتاج إلى الكثير من العلم والثقافة والانتباه وتحمل المسؤولية ولولا ثقل هذه المسؤولية وتحميلها للأم لما كانت الجنة تحت قدميّها.

 

رغم المسؤولية الكبيرة المتمثلة بالأسرة إلاّ أنك أيضًا كنت وما زلت قارئة عزاء.. ما هي أهمية هذه الرسالة التي حملتها أيضا في توطيد أواصر الجالية المسلمة؟

كنت اول قارئة العزاء في كندا وكان من واجبي الديني الوعظ والإرشاد، من خلال قراءة ثورة الحسين وموجباتها وواقعة كربلاء التي كانت مدرسة لنا علّمتنا الإيثار والتضحية والنصيحة، والتكافل والتكاتف وشدّ أواصر بعضنا وأن نكون سنداً ومدافعين عن المظلوميبن وأصحاب الحقّ نؤيدهم ونقف إلى جانبهم أينما كانوا. هكذا علّمنا الحسين عليه السلام الذي كانت مجالسه واجتماع الناس فيها يزيد من تواصل الجالية وتمتين الاواصر بينها.

 

كيف تقيّمين دور الأمهات المغتربات في هذه المرحلة خاصة مع إقرار القوانين التي تهدد الأسرة المسلمة وما هي رسالتك لهنّ؟

ساعد الله قلب أمهات هذه المرحلة وهذا الزمن، خاصة المغترِبات الجدد، على صعوبة العيش والتأقلم وإقرار قوانين تهدد الأسرة وتكوينها، علماً أنَّها لا تهدد الأسرة فحسب إنما تهدد بناء مجتمع العالم بأسره، كاقرار الزواج المثلي . على المرأة في هذه الأيام مسؤولية أكبر وأقسى. فهي أخت الرجل وبجانبه، تسانده في ميدان العمل وتتحمل معه وعنه مسؤوليات الأولاد ورعايتهم وتعليمهم، أنا أراها تتعب معه وتشاركه في دفع مصاريف المدارس والفواتير المتلاحقة وهي معه في كل ما يهمّه لمساعدته وإسعاده، وهذا من حظ الرجل، لكن في نظري ليس من حظ الأبناء الذين هم بحاجة لقضاء وقت أكثر مع والدتهم. بينما نرى الطفل يستغل عدم وجود الاهل للعب مستخدما الوسائل التكنولوجية عبر الهاتف وغيره والتواصل مع رفاق غير مجديين. هنا نخاف عليهم من الوقوع في شباك بعض المغرضين والفاسدين. وهنا لا ألوم الأم وحدها فهي تضحي لحماية بيتها وأسرتها .

 

ما هي أهم المشاكل التي تواجه الام في تربية أولادها في كندا وكيف تواجهها؟

الأم تواجه بالفعل الكثير المشاكل في كندا، ابرزها القوانين التي أقرّتها الدولة والتي تسبب مشاكل  في تربية الأطفال. فتربية الأم للأبناء عموماً ليست سهلة، فكيف اذا كان الامر في ظل قوانين تمنع الاهل من تربية ابنائهم تربية اخلاقية تستند الى القيم الدينية والفطرية التي فطر الله الناس عليها . في اطار تربية الأم في كندا لأطفالها هي تحتاج أولاً إلى ثقافة دينية ، وأن يكون لها باع طويل من الصبر لتواجه أسئلة الاولاد برد منطقي رضين يتناسب مع تفطيرهم وبيئتهم، سيما انهم يعيشون وسط مجتمع متنوع وقوانين تساهم في ابتعادهم عن الدين والفطرة السليمة ، حتى لا يكون يكون هناك اندماج سلبي وانحراف فكري وسلوكي. لذا في كندا على الام ، كما الاب ايضا، مضاعفة جهدها في التربية لأنَّ الأم في بلدها الأم لديها من يساعدها على تربيتهم من أهل واقارب وجيران وبيئة تكون في كثير من الحالات شبه معدومة هنا .

 

كأم وكجدة ما هي نصيحتك للأمهات في هذه الايام ؟

كنت في البداية أخاف ككل أم على أولادي من الانزلاق في الظلمات والمغريات لكن بفضل التربية الصالحة نجوا بحول الله وقوته، لكن اليوم كجدة صرت خائفة على أحفادي الأعزاء فأكثر لهم بالدعاء وهدايتهم للطريق السويّ ولا أبخل بنصيحتهم وتعليمهم كلما سنحت لي ولهم الظروف ومجالستهم للرد على بعض الأسئلة وحل مشاكلهم الدراسية ومساعدتهم.

نصيحتي للأمهات ألا يدعن فرصة ولو صغيرة للجلوس مع أبنائهم ومعرفة مشاكلهم والاطلاع على كل ما يعايشونه في مدارسهم، والوصول الى ما يدور في اذهانهم من افكار من اجل تصويبها او تثبيتها. كما لا بد من الإكثار من الدعاء لهم والتعبير عن محبتهم وشدة الاهتمام بهم.

وماذا تقولين للأبناء والبنات ؟

نصيحتي لأبنائي وبناتي في الجالية هي أن يتدرعوا بالدين فهو وقاية وحماية لهم من الوقوع في المحرمات، فالدين درع واق. ولا تتقاعسوا عن العلم ففي هذه البلاد علوم شتى ومختلفة فلا تتردوا في طرق ابوابها وكونوا من الناجحين والمتفوقين. يظنون أن فتياتنا المحجبات لا يستطعن الوصول لنيل الشهادات العليا ليكن الرد مزيدا من التفوق والنجاح والتميز . فالعلم ينقذ المجتمع من بحر الجهالة . واقرنوا نجاحكم بالعمل المجدي الصحيح لترفعوا من مجد مجتمعكم وتُسَلّموا الراية لمن سيأتي بعدكم. سدَّد الله خطاكم وثبتكم على دينكم.