حسن الحسيني المفاوض الإتحادي الناشط في حملة مقاطعة إسرائيل: "معركة الحركة العمّالية لأجلِ العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طويلة" (الجزء الأول)

  • article

زينب مرعي، صدى المشرق

إستقرَّ في أوتَوا، في أراضي شعب "آلغونْكْوِن" (unceded Algonquin Territories) غير المُتنازل عنها منذ 36 عاماً، وما زال محافظاً على روابطه بموطنه الأصلي لبنان.

إنطلق نشاطُه منذ أيام دراسته، ودخلَ مجال السياسة اليسارية في كندا منذ سنوات عديدة. إنتسب إلى الحزب الشيوعي الكندي في التسعينات وغادره عامَ 2006.

بعدها كثَّف الناشط اليساري مشاركته في الحركة العمالية، وقد مضى خمسة عشر عاماً على عمله فيها.

بلدة مشغرة في البقاع الغربي في لبنان مسقطُ رأس الحسيني، الذي يكدّ من غير مساوَمة لتعزيز حقوق الفلسطينيين الإنسانية في أوساط الحركة العمالية في كندا.

في المقابلة التي أجرتها معه صدى المشرق، تناولَ المفاوض لدى الإتحادات العمالية التحدياتِ السياسية والاقتصادية في كندا، ومواضِع الإجحاف، مسلِّطاً الضوءَ على المجالات التي تقدَّمت فيها الحركة العمّاليّة، وجامِعاً بين الواقعية والتفاؤل بالرغم من التحديات.  

 

التشبيك عبر الإتحادات 

يعمل الحسيني مفاوضاً رسمياً بدوام كاملٍ لدى "ائتلاف الخدمات العامة في كندا" (PSAC) منذ وقت طويل، ويمثِّل الائتلاف قرابة 200,000 عاملٍ، معظمهم يعمل في الدوائر الحكومية الرسمية في كندا. كما يمثّل الائتلاف عمالاً من قطاعاتٍ أخرى، كالقطاع الجامعي وقطاع اللعب (gaming)، بالإضافة إلى بعض العمال من القطاع الخاص.

كونه ناشطاً عمّالياً، انتُخِبَ الحسيني ليشغلَ عدداً من المناصب الرئيسية لدى اتحادات العمل. هو حالياً من أعضاء اللجنة التنفيذية لدى اتِّحاد "Unifor Local 2025" وهو يمثِّل العاملين لدى "ائتلاف الخدمات العامة في كندا" (PSAC). ترأَّس سابقاً "مجلس الاتحاد الكندي للموظَّفين الرسميين في أوتَوا" (Ottawa CUPE District Council) وغيرَه عدداً من السنوات.

 

التحرك العمّاليّ لأجل فلسطين

يعمل الحسيني أيضاً متطوعاً تنظيمياً لدى "التحرك العمّالي لأجل فلسطين" (Labour for Palestine)، وقد عمل على بنائه من جديد مع غيره من الناشطين العمّاليين في كندا في السنوات الثلاث الماضية. وعنه يقول الحسيني: "إنه المحرِّك الذي نستخدمه للعمل مع الاتحادات العمالية والناشطين العماليين في كندا لنعمِّق جذور التضامن مع الشعب الفلسطيني وعمّاله.

عامَ 2005، دعَت 170 من منظمات المجتمع المَدَني والمنظمات العمالية إلى العملِ بحملة "مقاطعة البضائع والاستثمارات الإسرائيلية وفرض العقوبات على إسرائيل" (BDS). عامَ 2006، أقرَّ "الاتحاد الكندي للموظَّفين الرسميين في أُنتاريو" (CUPE Ontario) الذي كنتُ من أعضائه القرارَ الخمسين (Resolution 50)، وهو أول قرار يدعم حملة المقاطعة (BDS) على مستوى الإتحادات العمالية الكندية. وقد لجأنا إلى جهودنا التنظيمية في المؤتمر وحرَّكنا معارِفنا من أجلِ تمريرِ القرار المذكور، وهكذا كان.

من حينها إنضمَّت إلى هذا التوجه إتحادات أخرى، داعمةً أو متبنيةً حملة المقاطعة من أجلِ الضغط على إسرائيل لإلزامها بتطبيق القانون الدّولي.

في تلك الفترة الزمنية، أي عامَي 2006 و2007، أطلقت مجموعةٌ صغيرةٌ في تورُنتو "الحركةَ العماليةَ لأجل فلسطين"(Labour for Palestine)، لكن مع السنوات هَمَدَ نشاطها. إنما نعمل منذ عام 2017 على بنائها من جديد في أرجاءِ كندا بهدف العمل على حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني".

وفي هذا السياق يقول الحسيني موضحاً: "ندعو الناس للمشاركة في اجتماعاتنا وتحركاتنا على أساس مفتوح، وندعم الناشطين العمّاليين فى تمرير القرارات المرتبطة بحملة مقاطعة إسرائيل وبالتضامن مع الفلسطينيين داخل اتحاداتهم.

وتُدير "الحركةَ العمّاليةَ لأجل فلسطين" لجنةٌ تنسيقية متطوِّعة تضم أعضاءَ من اتحادات ومناطق متنوّعة في كندا (من القطاعَين الخاص والعام)".

 

الدعم الإتحادي لحقوق الفلسطينيين الإنسانية

"أحد الأساليب التي نستخدمها لإشراكِ الإتحادات والمنتسبين إليها في التحركات التضامنية مع فلسطين يكمن في اقتراحِ القرارات المؤثِّرة في السياسات الداعمة لحقوق الفلسطينيين الإنسانية في المؤتمرات العمّالية، التي تُجرَى كل عامين، أو ثلاثة أعوام، أو أربعة، وفقاً للإتحاد المنظِّم"، والكلام للمفاوِض الإتحادي. 

"يجهد الصهاينة من أجل الضغط بشدة على الرؤساء في تلك المؤتمرات، كما على الموفَدين، وذلك كي يصوِّتوا لإبطالِ القرارات (المؤثِّرة في سياسات دعم الفلسطينيين) أو لحذفها من النقاش أصلاً. هذا النقاش يُؤرِق الصهاينة، ولهذا كثيراً ما يلجأون إلى استخدام تهمة مناهضة السّاميّة لإخافة الناس من اتِّخاذِ مواقف أكثر فعّاليّة في دعمِ حقوق الفلسطينيين الإنسانية.

أما نحن فنرى أن طرحَ قرارات كهذه ليُتَداول بها في المؤتمر هو نفسُه أداة تعليمية مهمة جداً. هذا أمرٌ جيدٌ وإن لم يُمرَّر القرار، ففي هذه الحالة نكون قد عرضنا المسألة مباشرةً على الموفَدين إلى المؤتمر، الذين قد يصل عددهم إلى 3,000 أو 4,000".

يشير الحسيني إلى أن "عدداً متنامياً من الإتحادات المحلية أو اتحادات المقاطعات أو الإتحادات الوطنية قد تقدَّم بخطواته عَبر السنين، ممرراً قراراتٍ مرتبطة بحملة مقاطعة إسرائيل دَعماً لحقوق الفلسطينيين الإنسانية وحقهم في التحرّر من نظام الفصل العنصري والإحتلال الإسرائيليَّين. من الإتحادات الوطنية التي نفَّذت هذه الخطوات "الإتحاد الكندي لعمال البريد" (CUPW)، و"ائتلاف الخدمات العامة في كندا" (PSAC)، و"يونيفور" (Unifor)، و"مجلس العمل الكندي" (CLC).

ففي المؤتمر الأخير الذي عقدَه "مجلس العمل الكندي" (CLC) في حزيران من عام 2021، تبنّى المجلس (المتشكِّل من منظمةٍ تَجمعُ الإتحادات العمالية في البلد) قراراً طارئاً بُعَيدَ العدوان الإسرائيلي على غزة والمجازر التي ارتُكِبَت فيها في أيار من العام ذاته. وقد تضمَّن القرار تأييدَ مقاطعةِ منتجاتٍ/ استثماراتٍ إسرائيليةٍ معينةٍ، كما تأييدَ بعض العقوبات التي تطال إسرائيل، خصوصاً بالنسبة لمبيعات الأسلحة الكندية لها". 

"إذاً فقد حققنا مكاسبَ حديثة مهمة في تحركنا العمالي بالنسبة لرفع مستوى دعمِ نضالِ الشعب الفلسطيني، لكننا ما زلنا بعيدين عن الغاية المنشودة"، والرأي للناشط في حملة المقاطعة (BDS). أعتقد أن الواقع المتمثل باتِّخاذ المزيد من الإتحادات مواقفَ واضحة تؤيِّد حقوق الفلسطينيين الإنسانية وحقهم في تقرير مصيرهم هو خطوةٌ كبيرةٌ إلى الأمام.

وبذلك فإن توجّه الحركة العمّاليّة في كندا إلى دعمِ حقوق الفلسطينيين يعكس تبدّل النظرة والاستيعاب بشكلٍ عامٍّ لدى الناشطين الإتحاديين المَرؤوسين وعامةِ الكنديين. هذا ما يخيف الحركة الصهيونية ومؤيديها والمدافعين عنها في الأوساط الحكومية والشعبية الكندية.

لقد أوشكوا أن يخسروا في المعركةِ لنيلِ تأييدِ الرأي العام، وهم يعلَمون أن المزيد من الكنديين باتوا يعرفون حقيقة إسرائيل: دولة عنصرية استيطانية استعمارية طالَ احتلالُها لِأرض الفلسطينيين. ولِهذا نرى جهود الصهاينة تتضاعف لِوَصمِ كل مؤيدٍ للفلسطينيين بِوَصمة مناهَضَة السّاميّة".

 

"فودْبَندِرز" (Foodbenders)

تتوافق الأحداث التي تعرَّضت لها مؤسَّسة "فودبَندرز" مع رؤيةِ الحسيني. فمنذ فترة غير بعيدة، أي في تشرين الثاني الماضي، ربحَت المؤسسة قضيةً قانونيةً، وكان المشتكون المؤيدون لإسرائيل ادَّعَوا في تموز من عام 2020 أن مالكةَ مؤسسة تأمين المأكولات والمبيع بالجملة كِمبِرلي هوكِنز (Kimberly Hawkins) عاملَت امرأةً كندية يهودية في المنطقة بعنصرية، وحاول المدَّعون تصويرَ هوكِنز على أنها "مناهِضةٌ للسّاميّة". وكما قد يُتَوقَّع، تعرَّضَ محل هوكِنز للتخريب، وتعرّضت هي للمضايقات وهُدِّدَت بالموت مرات متعددة بسبب دعمها الثابت لحقوق الفلسطينيين الإنسانية.

المحكمة المحلية اعتبرت في قرارها الصادر في الخامس عشر من تشرين الثاني من عام 2021 أنَّ هوكنز لم تخالِف القوانين التي تُجرِّم العنصرية.

وفيما سرَّ الخبر الكنديين المؤيِّدين للحقوق الفلسطينية، صمتَت وسائل الإعلام الكندية الكبرى، وكذلك فعلَ النافِذون الصهاينة ("اللوبي" الصهيوني)، الذين ارتفعَ ضجيجهم عندَ الإدعاءِ على هوكِنز عامَ 2020.

أما هوكِنز فاعتبرت بُعَيدَ قرار المحكمة أنها كانت في معركة مع مدينة تورُنتو، فكتبت على منصة "تويتر": "مدينة تورُنتو مقابلَ فودبَندرز"، "التهم أُسقِطَت". وأضافت مالكة المؤسسة: "صمتُ النافذين الصهاينة اليوم مضحك، فقد سارعت منظمة "بناي بْرِث" (B’nai B’rith) سابقاً إلى إعلان التهم الموجَّهة إليَّ قبلَ أن يصلني أو يصل محاميَّ البلاغُ من المدينة. لن تسمعوا الخبر الجديد في نشرات الأخبار، لكن اعلموا جميعاً أنني غير مُذنِبة"...

المؤلِّف والرئيس الأسبق في "اتِّحاد أنتاريو العمّالي" (Ontario Federation of Labour) و"الإتحاد الكندي للموظَّفين الرسميين في أنتاريو" (CUPE Ontario) سِد رايَن (Sid Ryan) كتب عبر منصة "تويتر" في الواحد والعشرين من تشرين الثاني من عام 2021 سائلاً: "أين الاعتذار الرسمي من جهةِ رئيس حكومة أنتاريو دوغ فورد [الذي اعتبرَ كلامَ هوكِنز "مُقرِفاً"] ورئيس بلدية تورُنتو جون توري، ومنظمة بْناي بْرِث في كندا؟ ها هي المنظمة وشركاؤُها يوجِّهون تهمةَ مناهَضَة السّاميّة الباطلة مجدداً إلى طرفٍ جديدٍ بسبب انتقادهِ إسرائيل. لكن القضاءَ لم يوافقهم، وهذا يدمِّر الحملة لاستخدامِ تعريفِ "الائتلاف الدولي لذكرى المحرقة" لمناهضة السّاميّة (IHRA) سلاحاً. #حرروا فلسطين".

بأي حال، من الجميل رؤيةُ لافتاتٍ تقول "أحب غزة" أو "حرِّروا فلسطين" على واجهةِ محل "فودبندرز"، كما رؤيةُ صورةٍ لشخص بالكوفية الفلسطينية رافعاً علمَ فلسطين على صفحة هوكِنز على منصة "تويتر". أما العبارة الرئيسية التي تعتلي صفحتها فهي: "الطعام والسياسة. لا لتعريف "الائتلاف الدولي لذكرى المحرقة" لمناهضة السّاميّة (IHRA)، لا لأنابيب النفط، نستقبل التبرعات المخصَّصة لنفقات المعارك القانونية"...

 

تفضلوا بمتابعة المزيد من النقاش مع الحسيني لاحقاً.