المستشارة في بلدية سانت ليونارد أريج القربي "مثال يحتذى به" : يجب أن تحصل المرأة على نفس الدعم الذي يتلقاه الرجل لتدخل الى عالم السياسة

  • article

صدى المشرق ـ مونتريال

هي أوّل إمرأة مسلمة تشغل منصب مستشارة بلدية في سانت ليونارد، بفضل جهدها ومثابرتها نجحت في فرض نفسها على ساحة العمل السياسي البلدي.

موقع "صدى المشرق" تحدث إلى السيدة أريج القربي، اطلع على تجربتها، وأبرز المحطات المفصلية في حياتها، وانجازاتها التي أهّلتها تمثيل صوت الجالية العربية في بلدية مونتريال.

السيدة أريج تولي أهمية كبيرة لصوت الشباب العربي، وتسعى دائماً إلى إشراكهم في العملية السياسية، كما تسعى إلى مدر جسور التواصل بين المجتمع والجالية المسلمة ومواجهة الخطاب التمييزي وبشكل خاص الاسلاموفوبيا.

 

فلنتعرف على أريج القربي لمن لا يعرفها كيف نشأتِ وماذا درستِ؟

أنا أريج القربي، 32 سنة، درست في جامعة كيبك في مونتريال UQAM  في مونتريال، عن طريق معادلة شهاداتي الجامعية. حصلت على ليسانس في التأليف والكتابة الفرنسية Certificat en composition et rédaction françaises، ودرست العلوم السياسية بتخصص فرعي. ولدت في مونتريال وعشت في تونس 8 سنوات ثم عدت وسكنت في سان ليونارد منذ عام 1998، حتى اليوم.

بدأ اهتمامي في عالم السياسة منذ درست العلوم السياسية في العام 2012 مع ميثاق القيم  La charte de valeurs وأزمة الطلبة وعدد كبير من القضايا التي عشناها على مرّ السنوات العشر الماضية.

 

تعيشين في سان ليونارد منذ 20 عامًا تقريباً، هذا يأخذنا للتساؤل عن مشوار وصولك إلى مقعد مستشارة بلدية مونتريال، وهل كان هناك دور للجالية في دعمك؟

حول دخولي في عالم السياسة البلدية، أذكر أنَّ الباب كان من خلال المشاركة في مجلس الشباب في مونتريال Le Jeune Conseil de Montréal  وهو منبر مخصص للشباب بين الـ18 و 30 عاماً ، وعبارة عن محاكاة برلمانية غير حزبية، حيث يعمد الشباب إلى متابعة أداء مجلس مدينة مونتريال. هذا المجلس يتم تشكيله مرة كل عام، لكنني حينها شاركت فيه لأربعة أعوام على التوالي، ومنذ ذلك الوقت أدركت ماهية السياسة البلدية وما هو العمل الاستشاري ومن يستطيع الانضمام للعمل البلدي، وتعلّمت أيضاً القواعد كيف نتحدث وكيف تتم العملية الانتخابية وغيرها من الأمور.

 وبالفعل في عام 2017 ترشّحت لأوّل مرة مع Projet Montréal في الانتخابات البلدية العامة إلاّ أني لم أنجح، ثم عدت وترشحت مرة ثانية مع Projet Montréal في الانتخابات الفرعية، وكانت الانتخابات حينها في 15 أذار/مارس 2020 إلا أنَّه وبسبب وباء الكوفيد أغلق كل شيء في 13آذار/مارس، الأمر الذي أدى إلى إلغاء الانتخابات. ولأنَّ موعد الانتخابات البلدية العامة  كانت قد اقتربت في 2021 حينها قرر القائمون على العملية الانتخابية إلغاء الانتخابات الفرعية والانتظار حتى الانتخابات العامة.

وبالفعل في حزيران 2021 طلب مني العمدة السابق لمدينة مونتريال ديني كودير Denis Coderre الترشح مع الحزب البلدي  Ensemble Montreal إلى جانب نائب رئيس بلدية  شمال مونتريال، أنا حينها كنت قد تركت Projet Montréal بسبب عدم تفاهمنا على بعض الأمور، ولم يكن في بالي أنني سأعود وأترشح للانتخابات البلدية، لكن الفرصة أتت وأنا وافقت وقلت لأجرب للمرة الثالثة والحمد لله نجحت وتم انتخابي في عام 2021 كمستشارة في مجلس بلدية مونتريال.

وقد مرّ عام ونصف تقريبًا على وجودي في مجلس بلدية سانت ليونارد كمستشارة. تحديداً في تشرين الثاني/نوفمبر أكون قد أكملت العامين. عملي ليس كما يعتقد الناس أنني أذهب إلى المكتب بدوام معين، أبدًا . الموضوع مختلف فعملي عبارة عن ملفات أقوم بدراستها، أكون حاضرة في الأنشطة وأقوم أيضًا بنسج العلاقات، وبالتالي بمعنى آخر عملي  يعتمد على المهام التي يوكلها إليّ رئيس بلدية مونتريال، حتى الساعة أحب جدًا ما أقوم به ضمن عملي، هناك العديد من التحديات والكثير من الملفات الصعبة، لكن نحن فريق جميل نعمل بشكل مشترك، في منطقة جميلة .

 

هل نفهم من كلامك أن الجالية لم تلعب دورا في ترشيحك؟

بصراحة من لعب الدور في ترشيحي هو السيد عبد الحق ساري والعمدة السابق لمونتريال ديني كودير Denis Coderre ، فمنذ أعوام كانوا يعرفون أني ناشطة في هذا المجال، واختاروني على قاعدة أن الجالية المغاربية في مونتريال باتت كبيرة وبالتالي هم يحتاجون إلى من يمثلها، وفكّر الاثنان بي لانّني كنت منغمسة في العمل السياسي البلدي كما أن سيرتي الذاتية كانت مناسبة بالإضافة إلى خبرتي.

الجالية المغاربية التي لم تكن تعرف أنني سأترشح وأعتقد أنه في مجتمعنا الاثني، لم ندرك كيف نشارك على المستوى البلدي، نحن موجودون على مستوى سياسة المقاطعة وعلى المستوى الفيدرالي لكن على المستوى البلدي لا يوجد مشاركة. كما أن الوعي بأهمية العمل البلدي الذي لا يختلف أبدًا عن السياسة الفيدرالية أو السياسة في المقاطعات ـ بل هو أقرب إلى الناس ويمس باحتياجاتهم اليومية، فالعمل البلدي هو المعني بتحسين الملاعب والأرصفة والأمن الحضري، كل ذلك يمس بشكل مباشر الجالية. وعلى مستوى سان ليونارد أعتقد أنه منذ أعوام طويلة الجالية المسلمة العربية لم تكن ترى نفسها في أي من أعضاء المجلس البلدي، لانَّه لا يوجد أي شخص يمثلها.

اليوم أعتقد أنَّه بات هناك المزيد من الاهتمام، فالعرب المسلمون وخاصة الجالية المغاربية موجودة بشكل كبير في مونتريال، وأنا أرى نفسي فيهم، وأدرك أهمية أن احمل صوتهم وصوت كل المواطنين، وما يثلج قلبي هو عندما أجد أنني بت مثالا يحتذى به للفتيات في جاليتي يرونني ويقولون أنا سأصبح مثلها.

فعدد كبير من الاشخاص يعتقدون أنَّهم لن يصلوا إلى ما وصلت إليه، وأنَّ ذلك غير ممكن حتى في أحلامهم، لكنني مثال لأي شخص يعمل ويجتهد، دائماً لديه الفرصة للوصول، وأقرب مثال أعلى ذلك هو العدد الكبير من الشخصيات العربية الذين دخلوا إلى المجال السياسي. على مستوى المقاطعة أو الفيدرالي، هناك الكثير من التنوع اليوم وأنا أؤمن أنَّ أي شخص مهما كان بلده ودينه يستطيع أن يكون رئيس وزراء كندا، اذا أراد ذلك.

 

أنتِ رئيسة اللجنة الدائمة المعنية بالتنمية الاجتماعية والترفيه والثقافة والتنوع والإدماج في سان ليونارد ... حدثينا عن أهمية هذا المنصب والمهام التي تضطلعين بها من خلاله؟

لدينا العديد من اللجان المختلفة في منطقتنا، كل لجنة لها أهميتها، لجان معنية بالعمل على التخضير والبيئة، وأخرى معنية بالأمن العام وغيرها من اللجان، أمّا أنا فمسؤولة عن اللجنة الدائمة للتنمية الاجتماعية والترفيه والثقافة والتنوع وإدماج سان ليونارد، نجتمع أكثر من مرة في الشهر، ونعمل على مشاريع لتنويع الخدمات، وتقديم أكبر عدد ممكن منها للمواطنين. فمثلا في العام الأول لانتخابي عملنا كمجموعة على إنشاء مجلس للشباب، أنا المسؤولة عنه، واعتبره كطفل لي،  من خلاله نجحنا بخلق نموذج يمكّن الشباب بين سن الـ15 و25 عاماً، من تنظيم  مجلس خاص بهم، يقترحون عبره أفكارهم التطويرية للمدينة. ونحن نستمع إليهم ونراجعهم حول مثلاً كيف نحسّن الحدائق. فلدينا عدد كبير من الشباب المغاربي وشباب من أعراق مختلفة في منطقتنا، ومهمتي هي معرفة احتياجاتهم وجمع المعلومات على الأرض، ودراستها وكيف من خلال هذه المعطيات نستطيع أن ننظم أنشطة جديدة وخدمات خاصة وشاملة. العمل ليس سهلاً أبداً في بعض الاحيان هو صعب جداً. وأنا متفائلة جدا بالمجلس الشبابي الذي يتكوّن الآن  من 10 شبان.

ومن ضمن عملي أيضاً، تنظيم الأعياد مثل عيد المواطن وعيد المتطوعين، وآلية العمل مع المؤسسات المجتمعية، وكيفية تحسين علاقاتنا وتطويرها، واذا أردنا أن نتحدث بشكل خاص، فنحن نولي اهتماماً كبيرا للمجتمع وللمراكز المجتمعية هل عددها كافٍ، كيف يمكننا مثلا أن نتعاون مع المساجد، نحاول أن نكون صلة الوصل بين البلدية والناس. ولأنَّه في الماضي لم تكن هناك علاقات نحاول اليوم العمل على إعادة بناء الجسور مع الجالية المسلمة  في سان ليونارد، نريد تعاوناً وثيقاً مع المساجد ورجال الدين المسلمين والجالية المغاربية بشكل عام. نريد العمل سويًا من أجل الخير لمجتمع سان ليونارد فنحن بحاجة لهم لذلك سنبحث عنهم لنطلب منهم بأن يصبحوا أكثر نشاطا في تفعيل مواطنيتهم.

 

دائمًا نجد أنكِ تركزين على التنوع الاجتماعي خاصة أنَّه حاضر بقوة لكن ماذا عن الانسجام الاجتماعي وثقافة تقبّل الأخر هل هي موجودة؟

نريد دائمًا العمل بشكل شامل يداً بيد، من أجل مواجهة العنصرية والاسلاموفوبيا وكل أنواع التمييز الأخرى التي نواجهها في مجتمعاتنا،  للأسف هناك شخصيات عامة وبعض الشخصيات السياسية على الساحة الكيبكية، تسمح من خلال بعض خطاباتها بتطبيع التمييز الذي يؤثر على المجتمعات المهمشة، وهو ما ينطبق على سبيل المثال على مواضيع الهجرة والإسلام حيث نجد توجها نحو تغذية الأفكار التمييزية، وهذا الواقع لا يمكن مواجهته إلاّ بالعمل الجاد على دمج وتطوير ثقافة  التنوع، وعلى إظهار المثال الجيد لمجتمع يندمج فيه المسلمون وكل الأفراد من مختلف المجموعات الاثنية، حيث بإمكانهم رؤية ما الذي قدموه إلى كيبيك. وبالنهاية  ـ سواء كانوا من كيبيك أو مونتريال ـ جميعهم كنديون.

المعركة ليست سهلة والمهمّة كبيرة، لكن هناك أمل. نعم هناك عنصرية في كيبيك لكن الأمة الكيبيكية ليست عنصرية، كيبيك ليست عنصرية، وبالتالي هذا ما يجب أن نحميه لأنه قد يكون قابلا للكسر،  خاصة إذا تركنا الأمور على حالها حيث يوجد نزعة خطيرة جدًا تجعلني خائفة على المستوى الشخصي.

 

الجالية العربية حاضرة بقوة في سانت ليونارد، ما هي أبرز التحديات في هذا السياق خاصة تلك التي لمستها وتعملين على تذليلها؟

في سان ليونارد لدينا مشكلة في الأمن والعنف لدى الشباب وما يؤسفني أنَّ غالبية هذه الأحداث تطال شباب جاليتنا، وهو شيء نحاول العمل عليه مع المؤسسات المختلفة ومع الشرطة، والعمل الذي نقوم به حاليًا هو محاولة ضم رجال الدين لتعريفهم على طرق عملنا في محاولة لايجاد حلٍ لهذه المشكلة المعقّدة.

 لماذا يحدث ذلك مع شبابنا؟ أين المشكلة؟ ومن أين تبدأ؟ ماذا يمكننا أن نعمل من أجل حلّها؟ لذلك كما سبق وقلت  نحاول أن نشبّك مع المساجد ورجال الدين والشرطة والمجتمع، وهذا واحد من الملفات التي تعتبر أولوية شخصية بالنسبة لي وأعمل عليه حاليًا بالإضافة الى أنَّ هناك الكثير من العمل على من أجل مدّ جسور العلاقة والثقة بيننا وبين المجتمع وهو ما سيسهّل عملنا هذا .


كسيدة عربية وناشطة في العمل السياسي والمجتمعي هل أنت راضية عن جهود النساء خاصة العربيات في الوصول إلى مراكز صناعة القرار ولأي مدى المسألة صعبة برأيك؟

هي صعبة وليست صعبة في آن واحد، في الحقيقة هي لن تكون صعبة إذا سمحنا بإعطاء النساء العربيات المساحة التي يحتجنها للدخول إلى هذا المعترك. ومن جهة ثانية نستطيع القول إنَّه ليس من السهل أن يكون المرء سياسياً كما أنه ليس من السهل أيضاً أن تكون امرأة، فما بالكِ عندما تكون امرأة سياسية، فهناك دائمًا معايير مزدوجة في الفهم السياسي عندما يتعلّق الامر بالمرأة. في العالم السياسي يُنظر إلى النساء دائما بنظرة مختلفة، لقد قمنا بتقدم كبير لكسر الصورة النمطية لكن نحتاج دائما إلى أن تتمثل النساء بشكل أكبر كي ينجح عدد كبير منهنّ بالوصول إلى مقاعد المجلس البلدي.

على أهمية تواجد النساء في العمل السياسي البلدي، من المهم أيضا أن تتنوع الأسماء، وأن لا يبقى محصورا بعدد محدد منهنّ، إلاّ فإننا لن نشهد أي تغيير ولن يصبح  لدينا تنوّع في النساء العربيات اللواتي تحتاج إليهن الجالية لتمثيلها.

 كما يجب أن نخلق لهنّ المجال للدخول وهذا يعني أن على الجالية دعمهنّ وأن تكون خلفهنّ، كما تدعم الرجل الذي يمثلها في السياسة، وبالتالي يجب أن تحصل المرأة على نفس الدعم الذي يتلقاه الرجل بشكل عادل، لتدخل الى السياسية سواء كانت محجبة غير محجبة مسلمة غير مسلمة المهم أن تكون عربي،  يجب أن تكون الوحدة في تضامننا.

وبالتالي أقول اني راضية ولست راضية هناك أشياء يمكننا تحسينها، ومرة أخرى  يجب أن نشهد عددا كبيرا من النساء في السياسة، وأن لا يكنّ أعداد فقط بل أن يكون لهنّ وزناً وأن يكنّ حاضرات بطريقة ايجابية ونشيطة.

 

كلمة أخيرة توجهها أريج القربي للنساء العربيات في كندا عموماً؟

 أريد أن أوجّه رسالة إلى الجميع مفادها أننّا نحتاج إلى المزيد من الشباب، المزيد من التنوع في السياسية، ادخلوا إلى عالم السياسة فهي تجربة جميلة مليئة بالتحديات، نحتاج إلى من يحمل أصواتنا. نحن لسنا فقط كيبيكيين مونترياليين، نحن كنديون لا يجب في أي حال من الأحوال أن نترك جزء منا، كما يجب أن نكون فخورين بما لدينا اليوم كجزء نشط في المجتمع ونسهم بشكل كبير في بناء هذه المدينة .