شقيق سليمان فقيري الذي "قتل على يد حرّاس السجن" في أونتاريو لـ"صدى المشرق ": المخيف أن تحقيقات الشرطة الثلاثة تفتقد للشفافية

  • article

صدى المشرق - مونتريال

 

كان كلّ ذنب سليمان فقيري أنَّه يعاني من مشاكل عقلية (انفصام في الشخصية)، وأنَّه لم يمتلك الحظ ليجد سريراً له في مركز أونتاريو شورز للصحة العقلية، فدفع حياته الثمن.

ثلاثة أيام فقط فصلت بين قرار موافقة قاضي في أونتاريو على نقل سليمان إلى مركز صحي وبين وفاته عام 2016 في سجن ليندساي في أونتاريو على يد حراس انتهكوا الحدود القانونية لاستخدام القوة في تقييد فقيري وتعرّضوا له بالضرب المبرح، قيدّوه ورشوه بالفلفل فضلا عن انتهاكات أخرى كشفها تقرير الطبيب الشرعي الذي وللمفارقة صدر في منتصف عام 2017، ووثّق 50 علامة قوية على جسد سليمان، بالإضافة إلى كدمات في طرفيه العلوي والسفلي بما في ذلك رقبته.

يروي يوسف فقيري الأخ الأكبر لسليمان ومؤسس حركة "العدل من أجل سولي"  في حديث خاص مع "صدى المشرق" رحلة شاقة جسدياً ومعنوياً لعائلته التي تبحث عن العدالة المفقودة حتى  كتابة هذه المقابلة.

العدالة الضائعة في ثلاثة تحقيقات منفصلة أحدهما أجرته دائرة شرطة "بحيرات كاوارثا" وتحقيقان لاحقان أجراهما مكتب المدعي العام . واللافت أنَّه رغم تقرير كبير أخصائيي الطب الشرعي في أونتاريو الدكتور مايكل بولانين العام الماضي والذي أكّد أن وفاة فقيري كانت نتيجة لممارسات حرّاس السجن، ورغم شهادة زميل لسليمان كان في الزنزانة القريبة وشهد على ما تعرّض له الراحل حينها من اعتداءات وغيرها من الأدلة، كانت الإجابة دائماً "لا تزال هناك أدلة غير كافية لتشكيل الأسباب اللازمة للاعتقاد بأن جريمة جنائية قد ارتكبها فرد أو مجموعة" ضد سليمان، وعليه فإن شرطة مقاطعة أونتاريو لن توجه اتهامات ضد الحرّاس المتورطين في وفاة فقيري في سجن أونتاريو في ديسمبر 2016.

خُذلت عائلة فقيري للمرة الثالثة برسالة وصلتها عبر البريد الإلكتروني في فبراير/شباط الماضي، قال فيها مكتب المدعي العام إنه لا تزال هناك "أدلة غير كافية" لتوجيه اتهامات ضد أي من المتورطين في اليوم الذي توفي فيه فقيري.

وهكذا أغلق الباب أمام المساءلة الجنائية بعد صراع دام سنوات.

"صدى المشرق" تفتح الباب مجدداً في مقابلة خاصة طرحت خلالها عدداً من الأسئلة على شقيق سليمان السيد يوسف فقيري في محاولة لرفع صوت العدالة ومساندة عائلة الراحل سليمان.

 

  • للمرة الثالثة، شرطة مقاطعة أونتاريو ترفض توجيه الاتهامات لحراس سجن ليندساي، ألم يكن ذلك متوقعاً لكم نظرا إلى مسار سير القضية منذ البداية سواء في التحقيق الأول أو الثاني وعلى ماذا كنتم تعوّلون لتحقيق شفّاف في المرة الثالثة؟

 

الشرطة أظهرت للجميع أن لديها نظامان للعدالة نظام للكنديين والآخر لحراس السجن أو لعناصرها. حتى اليوم لم نستطع أن نفهم كيف أنَّ الأدلة ليست كافية لتوجيه الاتهامات ضد حرّاس السجن خاصة مع اعترافات جون تيبو الذي كان في زنزانة على الجانب الآخر من زنزانة سليمان واقرّت الشرطة بمصداقيته، أو من خلال شهادة الطبيب الشرعي في أونتاريو الذي قال إن هناك علاقة مباشرة بين ممارسات حرّاس السجن وبين مقتل أخي سليمان رحمه الله.

 كما أنَّ هناك حارساً اعترف بأنّهم لم يتقيّدوا بسياسات استخدام القوة في تعاملهم مع أخي مقابل كل ذلك تقول الشرطة في أونتاريو ـ وعبر البريد الكتروني دائما ـ أن الأدله ليست كافية!

 

يوسف فقيري الأخ الأكبر لسليمان ومؤسس حركة "العدل من أجل سولي

  • في مقال لك نشر في صحيفة The Globe And Mail قلت أنَّه لم يحاسب أحد حتى الآن بعد ثلاثة تحقيقات منفصلة: أحدهما أجرته دائرة شرطة بحيرات كاوارثا وتحقيقان لاحقان أجراهما مكتب المدعي العام، ما هو المشترك في التحقيقات الثلاث والذي أوصل القضية إلى عدم كفاية الأدلة؟ وبرأيك ما هو الفرق بين التحقيقات الثلاثة من وجهة نظرك؟

رغم أنَّنا  لم نكن نأمل فعليًا أن تقوم الشرطة بعملها وتحقق العدالة لعائلتي، إلاّ أنَّنا اعتقدنا أن هذه المرة ، أي في التحقيق الثالث ستقوم الشرطة بالشيء الصحيح من أجل العدالة.

ولكن الشئ المخيف أنه في التحقيقات الثلاثة للشرطة كان هناك نقص في الشفافية، لا نعلم ماذا قالت الشرطة خلال التحقيقات أو ماذا فعلت وهذا هو المهم للكنديين ليس فقط لعائلتي. يجب على الشرطة أن تكشف للرأي العام ما جرى، هناك نقص في المعلومات.

كما أنَّنا لا نعلم ما هي الأدلة الكافية بالنسبة للشرطة، ومحامي الدفاع  نادر حسن كان قد قال لي "إنَّ شرطة المقاطعة تعتقد أن النظام الجنائي الكندي غير موجود لمثل هذه القضايا. وقال أيضاً إنَّ الشرطة تعلم أن سليمان قد قتله حراس السجن ولكنَّها تعتقد أن القضية مختلفة ونظام العدالة لا ينطبق على قضية سليمان فقيري.

 

  • أيضا في مقالك في صحيفة ( The Globe And Mail)قلت إن عائلتك تناضل منذ أكثر من خمس سنوات، من أجل العدالة، وبدلا من ذلك واجهت نظاما من مستويين اشرح لنا أكثر ما تقصده؟

يعاقب القانون الجنائي الكندي كل كندي وكيبيكي يخالف القوانين وينتهكها، إلاَ أن الأمر مختلف في قضية أخي سليمان فرغم الأدلة التي تثبت صحة ادعاءاتنا ضد الحراس المسؤولين عن مقتل سليمان، سواء الشاهد جون تيبو الذي شهد لما تعرّض له أخي من اعتداءات  داخل السجن وأكدت الشرطة على مصداقية شهادته، أو سواء تقرير الطبيب الشرعي عام 2021 والذي أكد على الصلة بين وفاة سليمان وممارسات حراس السجن ضده ، فضلاً عن اعتراف حارس السجن بعدم التزامه وزملائه بالحدود القانونية لتدخلهم.

باختصار إن قام أي كندي بمخالفة القانون الجنائي فهو يجب أن يُحاسب، لكن المسألة اختلفت في قضية سليمان فالشرطة قامت بشيء مختلف عندما تعلّق الأمر بحراس السجن.

 

  • إذنْ تعتقدون أن هناك تمييز ضدكم؟

هناك تمييز، اذا فكرنا في عملهم والنتائج الصادرة عنها. هناك تمييز فعلا لانَّنا لا نستطيع أن نتوصل وأن نفهم كيف وصلوا إلى هذه النتيجة وعليه نحن نحكم عليهم من خلال أفعالهم.

 

  • هل نحن أمام ممارسة تمييزية ضد المرضى العقليين أم هل لنتيجة التحقيق علاقة بالاسلاموفوبيا برأيك أو نحن أمام خوف من تشويه صورة رجال الشرطة؟

لن أتكلم عن الاسلاموفوبيا. أريد أن أقول ان حياة سليمان كانت رخيصة لأنه يعاني من مرض عقلي، وما قامت به الشرطة هو خذلان لكل الكنديين الذين يعانون من أمراض عقلية وكانوا ينتظرون ما ستؤول إليه هذه القضية، هذا هو المهم.

كانت حياة أخي ـ بالنسبة لهم ـ ليست مهمة لأنه كان يعاني من أمراض عقلية هذه هي المشكلة.

فنحن لا نحتاج إلى دعم الشرطة بل نحتاج إلى أن تقوم الشرطة بعملها، من أجل كل الكنديين والكيبيكيين.. هذا هو المهم.

يجب أن تسألي الآخرين عن الإسلاموفوبيا، المهم هو أن كل الكنديين يعانون بسبب ممارسات الشرطة في مثل هذه الحالات. لقد قالو إن سليمان يعاني من مرض عقلي هل هذا يعني أن حياة سليمان رخيصة، لقد خذلوا الجميع، العائلة وأمي التي تعاني دائما وكل يوم منذ عام 2016.

 

  • أين المؤسسات التي تعني بالمرضى العقليين، لماذا لم تتحرك وهل توجهتم إليها؟

هذا هو المحزن في الموضوع، فقبل ثلاثة أيام من موت أخي، كنت قد نسقت مع قاضي في المحكمة وأحضرت أدلة تفيد بأن سليمان يجب أن يُنقل إلى مستشفى، وبعد ساعات قليلة من تقديمي الأدلة، القاضي وافق على نقل سليمان إلى مستشفى أونتاريو شورز للصحة العقلي،  ولكن سبب عدم نقله كان عدم وجود سرير في هذا المشفى. وبعد ثلاثة أيام فقد سليمان حياته.

المشكلة في هذه الحالة ليست في المستشفى إنما في نظام السجون، وللأسف عدد كبير من الناس وعدد كبير من السجناء، يعانون بشكل معين من مشاكل صحية، وسليمان كان منهم. كما أن  السجن والحراس هم الذين قتلوا سليمان ومنعونا من رؤيته رغم محاولاتنا لزيارته أربع مرات.

هناك العديد من المؤسسات التي تدعم عائلتي ولكن الأهم أن أخي فقد حياته بسبب نظام  السجون. ويوجد عدد كبير من الناشطين والناشطات من مؤسسات مختلفة وعدد كبير من المحامين والأطباء ساعدونا.

 

  • هذا الاهتمام الاعلامي والشعبي الواسع ما أسبابه برأيك وكيف تبنون عليه في دعم قضيتكم وتحقيق العدالة لشقيقكم؟

أخي مات ونحن المسلمون نتقبل هذا ولكن هناك الكثير من الناس الذين سيقولون دائما عن أخي إنه مسكين.

 هناك الكثيرين مثل سليمان يجب أن يعيشوا بكرامة، وبالنسبة لنا من المهم أن نحارب ليس فقط من أجل سليمان بل من أجل كل الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية، من أجل كل الذين يشبهون سليمان.

هذا العمل الصغير الذي نقوم به هو لمساعدتهم وللمحاربة من أجل العدالة لأن المسألة باتت تتعدى سليمان إلى حبنا لكندا، ولأطفالنا وكبارنا ولكي نتمكن من إنشاء مجتمع يستطيع أن يعيش فيه أخي بكرامة ودون أحكام مسبقة.

بالنسبة للإعلام أنا فخور بالإعلام الكندي الذي له الفضل في أن عائلتي تواصل جهودها لكشف الحقيقة حتى الساعة. كنّا محظوظين لدعمهم.

 

  • هل يمكن للجالية الاسلامية أن تلعب دورا ما في هذه القضية ؟

كما أنا فخور أنني كندي وكيبيكي أيضا فخور أنني مسلم. من جهتي أتحدث بصدق نحن المسلمون نعمل ولكن دائماً نحتاج إلى المزيد من العمل، لأنًنا موصومون في المجتمع، والمهم أنَّنا أحرزنا تقدماً في الأونة الأخيرة. وفي ما يتعلق بأخي سليمان لدي أخوان وأخوات ساعدوا عائلتي كثيرا وهناك مؤسسات مسلمة ساعدت عائلتي، في البداية كان الأمر صعبا، لكن في الأعوام الأخيرة المسلمين من مختلف أنحاء كندا وقفوا إلى جانبنا... ليس فقط المسلمين بل هناك أناس غير مسلمين أيضاً.

الحمد لله الجالية المسلمة بقيت إلى جانب عائلتي وأنا فخور بدعمهم ومساندتهم ولكن يبقى على المسلمين العمل على مواجهة  الصورة النمطية ضد المسلمين والتي تؤدي إلى التعاطي معنا بإهمال خاصة على المستوى الصحي والمرضي.

لذلك مهم جدا أن نعمل على مسألة الصحة العقلية أيضاً. هناك تحديات كبيرة تقع على عاتق الجالية المسلمة ويجب أن تواجهها.

 

  • هل يمكن للحكومة في أونتاريو أو الحكومة الفيدرلية أن تتدخل في هذه القضية وهل هناك تحرك على هذا المستوى؟

عملنا يبقى مع الشرطة وليس مع الحكومة الفيدرالية أو حكومة أونتاريو.

  • ماذا عن الرأي العام؟

الرأي العام بقي إلى جانب عائلتي لأنَّنا لطالما تحدثنا عن قضية سليمان ومعاناته الصحية وما وصلنا إليه ليس نهاية القضية. لأنّنا ننتظرَ العام المقبل  الـ( the coroner’s inquest) وهو تحقيق القاضي الجنائي أمام هيئة المحلفين لكشف ظروف وفاة سليمان فقيري ونعتزم المشاركة في جلسة الاستماع.

 

 

 

*الصورتان من يوسف فقيري