مدّربة الاسعافات الأولية والعناية التمريضية الوحيدة في الجالية اللبنانية حنان سكيني شحيمي .. لم تثنيني العنصرية يوماً عن أداء عملي وتحقيق أهدافي

  • article

صدى المشرق ـ مونتريال

ذلَّلت كافة الصعاب، وأنجزت دراستها كمدّربة اسعافات أولية وعناية تمريضية بدعم ومساندة زوجها، ووصلت إلى هدفها وحققته عبر المثابرة والتعب... تمتلك من المهارات ما يكفي لتواجه كافة التحديات، وتدرك أن تعاليم ديننا الاسلامي لطالما كانت البوصلة لكل عمل انساني يصب في خدمة المجتمع.

حنان سكينة شحيمي  مدّربة اسعافات أولية وعناية تمريضية تروي لـ "صدى المشرق" قصة تميّزها ونجاحها ورحلة الغربة من لبنان مرورًا بأميركا وصولا إلى كندا.

 

  • تركت لبنان منذ 30 عاماً هل يمكن أن نعود إلى تلك المرحلة وقرار الاغتراب؟

قرار الاغتراب اتخذته رغم تعلّقي بلبنان وبعملي الذي مارسته في عدد من مستشفيات بيروت، فعملت كمسؤولة ممرضات وتمريض، ولكن عندما تقدم لي زوجي والذي كان يمتلك الكثير من الصفات الحميدة كالدين والأخلاق والعلم والعائلة المحترمة وهي صفات تتمناها أي فتاة، ارتبطت به واضطررت للانتقال معه إلى أميركا حيث كان يعيش بعد تركه لبنان من عمر الـ18 عاماً، وكان يعمل كمهندس كهرباء في كاليفورنيا لوس انجلوس.

سافرت معه وتركت قلبي وحياتي العملية في لبنان، خاصة أني كنت شغوفة جداً بمهنتي وكنت حريصة على أداء عملي بامتياز وتقديم المساعدة للآخرين وإنجاح المؤسسة التي كنت أعمل فيها.

وبحكم زواجي انتقلت إلى كاليفورنيا حيث يوجد هناك جالية لبنانية كبيرة طُلب مني حينها أن أساعد في تعليم أبناء الجالية وعرضوا علي أنا وزوجي الفكرة ووافقنا بالفعل وكنّا نذهب لنعلّم اللغة العربية لأبناء الجالية المسلمة ( يارون)، ومع الوقت قرّرنا تلبية حاجة الجالية بشكل أوسع فعمل زوجي وأصدقائه على افتتاح مدرسة تعلّم المنهاج الأميركي بالإضافة إلى اللغة العربية والقرآن الكريم، وأنا كنت مشرفة اللغة العربية فيها وفي الوقت نفسه كنت أعلّم الطلبة الكبار اللغة العربية لـمدة 10 سنوات تقريبا.

كاليفورنيا مدينة مميزة لكن مع تغييرات طرأت على الوضع العام وجدنا أنها ليست مناسبة لأطفالنا، فاتخذنا قرار الانتقال والبحث عن مكان يناسب تربية أطفالنا وفق تعاليمنا وأخلاقنا، توجّهنا إلى نيوزيلاندا عشنا فيها 6 أشهر لكنَّنا عدنا بعدها إلى كاليفورنيا ومنها أخذنا قرار الاستقرار في كندا، بعد تأكدنا من أن البيئة فيها ملائمة للعائلات، وما شجعنا أكثر وجود أختي وعدد من الأقارب، ووجود مجمع إسلامي ونوادي ومساجد اسلامية، وعدد كبير من أبناء الجالية.

 

  • تعملين مدّربة اسعافات أولية وعناية تمريضية كيف نقلت هذه التجربة من لبنان إلى كندا، ونعرف جداً مدى صعوبة ذلك في بلد يفرض شروطاً صعبة على القادمين إليه ممن يحملون شهادات أكاديمية؟

أؤمن أنَّ العطاء سر الحياة، لذلك فور وصولي إلى كندا عملت في مدرسة ابن سينا الاسلامية، علّمت فيها لـ3 أعوام، ثم قرّرت أن أبحث عن عمل أحبه وأجد نفسي به، فوجدت فرصة عمل كمدّربة اسعافات أولية وعناية تمريضية ، وبالفعل بدأت مسيرتي في البحث عن الخطوات التي يجب سلوكها لأظفر بهذا العمل، ولأنني درست التمريض في لبنان بالعربية ولا أجيد الفرنسية كنت أدرك صعوبة الأمر في كيبيك، وعندما فكرت بدراستها في تورنتو بالانجليزية كانت أمامي تحديات كبيرة منها الأولاد الذين لا يمكنني تركهم وحدهم، لذلك درست في كيبيك، ولأني ممرضة مجازة وعندي خبرة وشهادة  نجحت بتحقيق كل ما هو مطلوب مني بحسب القوانين الكندية.

 

  • سيدة حنان ما هي أبرز التحديات التي واجهتها في عملك ونجحت بتخطيها؟

تحديات عديدة مررت بها، أثناء دراستي كمدربة باللغة الفرنسية، وهي اللغة الثالثة لي بعد العربية والانكليزية ، فتوجب عليّ تعليم  كوادر عاملة في المجال الصحي (صيادلة وأكثر من 400 ممرضة من جامعة Mcgill وحوالي 400 طالب من CDI college) كما أعطيت دورات لعدد من العاملين في مجال التربية والتعليم ودور الرعاية.

وعزمت على ذلك على قاعدة أن لا شيء مستحيل، فكنت أسهر يوميا حتى الرابعة صباحا للدراسة. وبالفعل مع الاجتهاد ومساندة زوجي الذي كان يقدّر العمل الإنساني ودعم أقربائي وأصدقائي المقرّبين، وبالاستناد إلى خبرتي بالتمريض وتعليمي الأكاديمي نجحت بأن أصبح مدّربة إسعافات أولية وعناية تمريضية في كندا وأتقن كل قوانين وطبيعة ممارسة هذا العمل هنا.

ومن التحديات الأخرى التي واجهتها هي القيادة لمسافات طويلة في الثلوج لأعطي الدورات خارج مونتريال مثل(أوتاوا) والتنقل من مكان إلي آخر، وحمل معدّات كثيرة وثقيلة وأنا لم أعش يومًا في طقس وثلوج كهذه.

أدرك تماماً أن خدمة الإنسانية لا تأتي دون معاناة وصعوبات والاستفادة من الوقت  هو الاتجاه الأمثل لمسار علمي أخلاقي  يمكننا أن نبدع وننتج من خلاله ما يفيد الانسانية.

 

  • كونك أمرأة مسلمة محجبة هل شكّل ذلك أي عقبه في طريقك؟

أستطيع القول أنَّ كوني مسلمة كان بحد ذاته تحدي، فعندما تطلب مني المؤسسات المتعاقدة معها أذكر منها Red Cross و Saint Jean Ambulance و Life Saving society  و  Heart stroke fondationأن أقدّم دورة معيّنة، ألتمس في البداية عدم رضا لدى الكثيرين أن تقدّم امرأة محجبة على تعلّمهم، إلا أنَّ أداء دورك بتقنية وبمعرفة وبأسلوب يجعل الأخرين بتقبلوك ويتفاعلوا معك.

 بالنسبة لي أدرك جيدًا وفخورة جداً كيف أقدّم واجبي المهني الانساني بتقنية وضمير، أنجح دائماً بإيصال الرسالة غير المباشرة التي أريد، وأسعى أن يكون عنوان هذه الرسالة هو ديننا الإسلامي، الذي أنا فخورة به وبتعاليمه. ومهما كان المتدرب سلبي وعنصري دائما أنجح باستمالته، وأحرص دائما على التمسك بمبادئي وأخلاقي وأرفض حتى الساعة أن أعطي شهادة المسعف لأي أحد - مهما كانت الظروف ـ إذا لم أتأكد أنَّه خضع للدورة، حرصا على المسؤولية الإنسانية.

 

  • ماذا عن الجالية ودورها في دعمك ودورك في زيادة الوعي بالعمل الإسعافي؟

 الجالية تدرك تماماً أنني المرأة اللبنانية الوحيدة في مونتريال التي تعمل كمدربة اسعافات أولية وعناية تمريضية ، لكن بصراحة لم أشهد لدى الجالية اهتماماً بهذا المجال خاصة على صعيد الإقبال للانضمام إلى الدورات، وعدد قليل جداً من أبناء الجالية الذين طلبوا خبرتي في هذا المجال.  علماً أنني في خدمة الجالية وقدّمت كل ما طلب مني في هذا السياق، وأنا على استعداد دائم لتقديم المساعدة كل من يريد.

 

  • لماذا لا نجد نساء لبنانيات أيضا في هذا المجال ؟

 كل إنسان يختار المهنة التي يحبّها والتي يعرف أن بإمكانه الابداع فيها، هناك نساء تحب العمل وتسعى للانخراط في أي نشاط حتى لو كان العمل تطوّع، في المقابل هناك نساء تكتفي بالاهتمام بالمنزل والأطفال والعائلة، ولا يحبذن الخروج من هذا الإطار.هي حرية شخصية في النهاية.

وأنا برأيي كل امرأة تمتلك مهارة وعلم من واجبها الاسلامي والانساني تقديمه للمجتمع.

 

  • أهدافك وإلى أين تسعى حنان للوصول؟

بالنسبة لي صراحة لدي قناعة كبيرة وفي الوقت نفسه لدي طموح، فالاستفادة من الوقت شي أساسي وضروري جدًا، فالله خلقنا في الدنيا للعمل والاجتهاد وليس من أجل اللهو واللعب .

أريد القول أن هناك طموحا نسعى إليه ونضع هدفا له، وهناك عمل نصل إليه ونكتفي به، أنا هدفي أن أبقى إنسانة قادرة على العطاء، وأفيد مجتمعي بكل النواحي الانسانية والاخلاقية وحتى الدينية اذا أمكنني ذلك. حاولت سابقا أن أؤسس مركزاً خاصاً بي لأنَّ هدفي كان تأسيس عملي الخاص إلا أنَّ غياب الدعم حال دون ذلك، لذلك بقي هدفي هو العطاء المجتمعي والانساني البعيد عن العنصرية والطبقية والعرقية.

 

 

معرض الصور