د. أيمن عويضة، خسر ثمانية من افراد عائلة زوجته في غزة : أشعر بخيبة أمل كبيرة من موقف الحكومة الكندية في هذه الحرب

  • article

صدى المشرق ـ مونتريال


الجسد هنا والقلب على فلسطين والوجع كبير. عدد كبير من الكنديين يعيشون هنا ويراقبون لحظة بلحظة ما يجري في وطنهم فلسطين وتحديداً في غزة، ومنهم الدكتور أيمن عويضة الأستاذ في جامعه شيربروك، ومن أصل فلسطيني. خسرت زوجته 8 أفراد من عائلتها ثلاثة منهم أطفال، في صاروخ استهدف منزلهم بأكمله فأبادهم.

موقع "صدى المشرق" تحدث في مقابلة مع الدكتور أيمن لينقل المشاعر التي تجتاح أبناء الجالية الفلسطينية وكل الجاليات المساندة للقضية الفلسطينية، وكيف يعيشون أجواء الحرب، ويتواصلون مع عائلاتهم في ظل الظروف الصعبة من نفاذ الوقود، ونقص الغذاء والدواء وانعدام الأمن وغيرها.

كما تحدث موقع "صدى المشرق" مع الدكتور أيمن عن الجهود الأكاديمية التي تبذل في نصرة القضية، ووقفنا عند رأيه في مواقف الحكومة الكندية من الصراع.

وفي أبرز مواقفه قال الدكتور أيمن عويضه إنه يشعر بخيبه أمل كبيرة من موقف الحكومة الكندية الذي اتخذته تجاه هذه الحرب، حيث أنَّ كل التركيز والضوء مسلّط على الحدث الاول الذي قامت به حماس بعدها وكأن شيئا لم يكن بالنسبة الى غزة، وان اسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها مع كل هذا العدد من الضحايا.

وحول التحركات أشار الدكتور أيمن إلى مراقبة نتائج التظاهر التي تنظم، فاذا لم تأت بنتيجة بعد أسبوع  أو أسبوعين أو أكثر وعندما نرى أنَّ الحرب لا تخف وتيرتها بل تزداد، هذا يعني أن التحركات لا تعطي النتيجة المرجوة منها، حينها لابد أن ننتقل إلى خطوة أخرى متى وكيف؟ هذا لا بد أن نبدأ في مناقشته الآن.

وأضاف أنه على المستوى الأكاديمي لم يجد أي مبادرة حقيقية، وربما هذا الواقع يعكس قلة اهتمامنا كجالية بهذا الموضوع قبل الحدث.  لابد أن نكون منظميّن لانفسنا قبل وقوع الحدث، وأن يكون لدينا لوبي ومؤسسات تعرف دورها بحيث عندما نشهد مثل هذه المواقف تكون هذه المؤسسات قادرة على التعامل معها وردّها جاهز.للاسف نحن نعمل كردّ فعل فقط وهذا مزعج وأتمنى أن نتعلّم منه.

نبدأ بالتعرف عليك دكتور أيمن وعلى أوضاع عائلتك التي تمرّ بظروف صعبة خلال هذه الفترة حيث تراقبون ما يجري في قطاع غزة؟

انا أيمن عويضه أستاذ في جامعه شيربروك، أدرّس في كلية الطب تخصص سرطان وأشعه نووية، وصلت إلى كندا عندما كان عمري تسع سنوات، ولدت في السعودية. أبي وأمي ولدوا في غزة، ثم سافروا الى السعودية لتأسيس حياة جديدة هناك. حصل والدي على وظيفة هناك إلاّ أنَّه استشعر بعدها بوجود صعوبة في الاستمرار بالحياة في السعودية كفلسطينيين بلا جنسية، فقدّم أوراقنا للهجرة الى كندا.

كان عمري تسع سنوات حين وصلت الى كندا. بدأت الدراسة الجامعية في مدينة لندن، أونتاريو، ثم الدكتوراه في جامعة ماكغيل، ودرست قليلاً في أمريكا ثم عدت الى كيبك. أنا متزوج وعندي ثلاثة أولاد.

لدي تقريبًا 50 شخص أعرفهم في غزة من العائلة ولديهم أولاد وبعضهم لديه أحفاد، وبالتالي عدد ليس ببسيط من الاقارب في غزة، وحتى لو لم يكن لدينا أقارب فإنَّ الوضع في القطاع وما يجري صعب جدًا على أي إنسان، فما بالك أن يكون للانسان عائلة في قلب الحدث.

 

كيف تتابعون ما يجري، وكيف تصفون ظروف حياتكم بعد تاريخ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل، وهو تاريخ بدء الحرب على غزة؟

هناك قلق دائم يراودنا، ليس فقط خوف على حياة عائلتنا،  بل أيًضا لأن هذا البلد هي بلدنا، التي دمّر بشكل كبير هذه المرة، وتعتبر هذه الايام من أسوء الأيام التي تمرّ على غزة، علمًا أنَّها كانت أصلاً في وضع سيء قبل هذه الحرب، إلا أن الأمر مختلف هذه المرة، فالوحشية والعنف الذي نشاهده يومياً تدفع المرء إلى التفكير بأنَّه في أي لحظة ستحدث مجزرة ويموت الآلاف، والمخيف أكثر أنَّ العالم لا يتحرك ليوقف ما يجري. وهذا الأمر يسبب مشاعر سلبية كثيرة، أذكر منها مشاعر الغضب التي تسيطر على المرء عندما يرى أن  الجميع صامت عمّا يحدث، بالإضافة الى مشاعر الحزن على الناس، وعلى فقدان الأقارب وعلى الظروف التي يعيشها الناس هناك، هذه هي المشاعر التي بدأنا نشعر بها بعد تاريخ السابع من تشرين الأول/اكتوبر.

  

زوجتك فقدت ثمانية أشخاص من أقاربها، هلَا أخبرتنا ما الذي حدث وكيف؟

زوجتي من دير البلح في غزة، هي لم تعش هناك إلا أن والدها تربى في دير البلح، وبالتالي هناك يعيش أولاد عمومته. أحدهم استشهد مع عائلته وهم 8 أشخاص يعيشون في منزلهم، ليس لهم أي علاقة سياسية بما يحدث في غزة، إلا أنَّ الصواريخ استهدفت منزلهم، وخلَّفت دمارًا كبيراً، وهذا  موثّق بعدسات كاميرات المراقبة التي كانت موضوعة واستطعنا الحصول على لقطات هدم المنزل .

هذا الانفجار المرعب لم يسمح لأي فرد من أفراد العائلة بالخروج حيّا، وبالفعل استشهدت العائلة بأكملها الأم والأب و الأبناء الخمسة بينهم 3 أطفال. 

 

ما مدى صعوبة هذا الشعور بالخسارة وكيف انعكس هذا الأمر عليكم وعلى زوجتك؟

مصيبة فقدان الأرواح هي من أكبر المصائب التي يمكن أن يتخيلها المرء، وللأسف في غزة أصبحت الأعداد ضخمة، واستشهاد 8 أفراد من منزل واحد، هو حدث له وقع صعب جدًا على الانسان، وللأسف مع ما يجري اليوم نرى أن كلّ عائلة تقريبًا تأثرت وخسرت وفقدت أصدقاء وأقارب، وكما يقال فإن البلاء واحد والمصيبة واحدة، وكلٌّ يواسي الآخر، الحمد لله من هذه الناحية زوجتي ووالدها استطاعا أن يتغلّبا على مشاعر الحزن لأنَّ الحزن عام على الجميع هذه المرة.

 

هل تستطيعون التواصل مع الأقارب في غزة في ظل غياب الاتصالات وكيف تصلكم التطورات حول أوضاعهم؟

 هناك الكثير من أولاد خالاتي المقربين لي جدًا لم أستطع أن أتواصل معهم منذ بداية الحرب، تحدثت معهم في اليومين الأولين، بعدها لم أتمكن من ذلك، إلا أنني اتواصل مع اثنين من أولاد خالاتي، وهما يقومان بشحن هاتفهم من خلال الطاقة الشمسية عند معارفهم، ويطلعاني كيف هي الحياة صعبة من دون كهرباء وماء ولا حتى غذاء، حيث يعانون من نقص حاد في الطعام، وفي الادوية أيضا. هناك أشخاص من العائلة مرضى والدواء غير متوفر لهم، استطيع من خلالهما أن اطمئن على باقي الاقارب لانهم ينسقون مع بعضهم ويرون ويساعدون بعضهم بعضا.

 

كيف يفكر الدكتور أيمن عويضة في مساعدة العائلة في غزة ، هل يمكن استقدامهم الى كندا أو هناك أي أفكار أخرى؟

في هذه الظروف الأمر جدًا مستحيل، إلاّ أني وجدت فكرة وسأسعى إلى تحقيقها، ووجدت لها  قبولًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي العمل على اجتذاب طلاب من غزة ليدرسوا في كندا بعد الحرب، سواء دراسات عليا دكتوره أو تدريب، وأن نضغط على الحكومة لتنفذ برامج دعم في هذا المجال خاصة أنّه مجالي أيضاً الدراسة الجامعية، وسنعمل على أن توفّرالحكومة برامج دعم مادي، على غرار ما جرى  في حرب اوكرانيا، حيث شهدنا تضامنا كبيرا من قبل الجامعات التي فتحت أبوابها لاستقبال الطلاب الأوكرانيين. هذا الواقع وهذه المبادرات للأسف لا نجدها اليوم، ولا نجد تعاطفا له معنى حقيقي على ارض الواقع، وأنا أريد أن أغير هذا الواقع.

 

أنت بطبيعة الحال تتابع المواقف على المستوى السياسي الكندي، كيف تقيّمها؟

أشعر بخيبة أمل كبيرة من موقف الحكومة الكندية الذي اتخذته تجاه هذه الحرب، حيث أنَّ كل التركيز والضوء مسلّط على الحدث الأوّل الذي قامت به حماس بعدها وكأنَّ شيئًا لم يكن من قبل بالنسبة إلى غزة، وأن اسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها مع كل هذا العدد من الضحايا. كما أني لا أرى أنَّ الحكومة الكندية تقوم بالضغط على اسرائيل لوقف عدوانها الشرس والهمجي والذي يتضرَّر منه كلّ غزة وبالنسبة لي هو إبادة جماعية والكلّ يشعر بذلك.

 

ماذا عن التحركات على صعيد الجالية والتظاهرات التي يتم تنظيمها بشكل شبه يومي دعماً للقضية ما رأيك بها؟

 لا شك أنَّ هذه التحركات تعطي روح أمل في المرء وتجعله يشعر بأنَّ الخير ما زال موجودًا في الشعب سواء في كندا أو حتى في الشعوب العربية، ولكن تبقى خيبة الأمل من ناحية أنَّ هذه التظاهرات قد لا تؤدي أي دور تجاه الحكومة في كندا أو  تجاه الحكومات التي شهدت دولها عدد من التظاهرات. ما أحاول استيعابه والتفاعل معه هو كيف من الممكن أن يقوم الشخص بتأثير أكبر  ومنظّم كما جرى في أمريكا مثلا عندما اقتحم عدد من اليهود ضد الحرب على غزة مبنى البنتاغون ونجحوا بتوجيه رسالة واضحة وشلّ عمل النواب هناك.

وأذكر أيضاً حدثاً أخر هو عندما دخل المحتجون على الوضع في غزة على وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن وقاطعوا كلامه، حيث كان يتحدث خلاله عن دعم اسرائيل.

هناك تحرك كبداية عصيان مدني مثلاً وهذا ما آمل أن نصل إليه، لأن التظاهر اذا لم يأتي بنتيجة بعد أسبوع أو أسبوعين أو أكثر وعندما نرى أنَّ الحرب لا تخف وتيرتها بل تزداد، هذا يعني أن التحركات لا تعطي النتيجة المرجوة منها، حينها لا بد أن ننتقل إلى خطوة أخرى متى وكيف هذا لابد أن نبدأ في مناقشته الآن.

 

بما أنك اكاديمي، على المستوى الاكاديمي لم يتم الحديث عن التفاعل أين صوت الأكاديميين والانشطة التي تدعم فلسطين، وهل أنت راض في هذا المجال؟

 لا أنا لست راضٍ عن التحرك الاكاديمي، فلم يكن هناك سوى بعض المبادرات الصغيره التي رأيتها، أذكر واحدة منها في جامعة ماكغيل، حيث وقّع عدد من الاساتذة والموظفين وعلى عريضة تقريبا حوالي 100 شخص تضامنوا ووقعوا على هذه الورقة التي تعترف بحق الفلسطينيين في أن يكون لهم ارضهم واستقلالهم، وحقهم  بالدفاع عن أنفسهم عندما يتعرضوا لعدوان.

كنت سعيدا جدا في هذه الوثيقة، وكيف أنّ عددا كبيرا من هؤلاء الاشخاص استطاعوا أن يتعاونوا على إصدارها.  فما يحدث حاليًا هو أنَّ الاكاديميين يخافوا من الإدلاء بآرائهم ومن مواجهة عقوبات نتيجة رأيهم. لكن عندما يكون هناك تعاون وتكافل لا تستطيع الجامعة مثلاً أن تطرد 100  أستاذ دفعة واحدة،  لذلك ما ينقصنا والذي أريد أن أراه هو تعاون أكبر بين الاكاديميين، وإرسال رسالة موحّدة جامعة للعالم والحكومة الكندية أيضا.

هذا الشيء حتى الساعه لم أجده، ولم أجد مبادرة حقيقية له ابدا، وربما هذا الواقع يعكس قلة اهتمامنا كجالية بهذا الموضوع قبل وقوع الحدث. لابد أن نكون منظميّن لانفسنا، وأن يكون لدينا لوبي ومؤسسات تعرف دورها بحيث عندما نشهد مثل هذه المواقف تكون هذه المؤسسات قادرة على التعامل معها وردّها جاهز. للاسف نحن نعمل كردّ فعل فقط وهذا مزعج وأتمنى أن نتعلّم منه.

 

اليوم أنتم تعيشون ما يجري بشكل مباشر، انطلاقا من هذا الواقع ما هي رسالتك إلى من لم يتضامن حتى الساعة أو يحرك ساكناً نصرة لغزة وفلسطين؟

 هناك رسالتان أستطيع أن ألخصّهما، الأولى هي رسالة إنسانية بحتة، وأقول لا يجب أن تكون على دراية بالسياسة ولا يجب أن تكون منتمي لطرف معيّن، فمن الجميل ان نشاهد عدداً كبيراً من اليهود المتضامنين مع القضية الفلسطينية ونجدهم في اسرائيل يقفون في وجه الحكومة ويطلبون وقف الحرب، بالتالي فإنَّ الموضوع خارج النطاق السياسي وأصبح نطاقا إنسانيا إغاثيا بحتا..
لأنك فقط في مكان آمن وسعيد في منزلك، هذا لا يعني أن لا تتعاطف مع الآخر، وأن تمدّ يدّ العون له. رسالتي هنا أن يكون لدينا نظرة شفقة وإنسانية لهذا الشعب الذي عانى كثيرًا كثيرًا، ليست في هذه الحرب فقط  التي تعتبر جزءاً من معاناة أكبر يعيشها أهل غزة. كما لا بد أن يكون لكلَّ واحد فينا دور، يقدم من خلاله أقل شيء قد يكون صوته، أو مساعدة مادية اذا استطاع أو أن يقوم بأيّ خطوة كتوعية الناس الذين حوله وأصدقائه وغيرهم.

أمّا الرسالة الثانية فهي تتمثل بضرورة القيام بقراءة في الأحداث، وكيف وصلنا إلى هذا الواقع، لأنني ألاحظ أنَّه عندما نسأل أي شخص ما رأيك بما يجري، لا يكون لديه رد واضح ومقنع في كثير من الأحيان، ردّ مبني على التاريخ الأحداث والوقائع. مثلا كيف تكونت اسرائيل؟ وكيف كانت الأوضاع في فلسطين قبل اسرائيل؟  كيف وصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم؟ ولماذا حتى اليوم هناك مقاومة؟ هذه رسالة إلى الكثيرين من العرب الذين لديهم وعي بسيط بهذه القضية ويتعاطفون معها ولا يستطيعون أن يفهموها ويوصلوها  كرسالة إلى الشعب في الغرب.

بالتالي يجب أن نكون على دراية كبيرة بالأحداث التي أوصلتنا إلى اليوم في فلسطين بشكل عام لا أقصد الحرب فقط.

الاحتلال في الضفة ما زال موجوداً لماذا؟ ما زال يقتحم مخيمات في الضفة ومدن حتى هذه اللحظة لماذا؟ أريد أن يعرف كل شخص الإجابة.  لماذا لا تسمح اسرائيل لفلسطين أن تكون دولة، علمًا ان هذا الأمر تتفق عليه كل الدول منذ اكثر من 20 عاماً، يجب أن يكون هناك وعي سياسي ووعي تاريخي للأحداث لكي نكون جاهزين للدفاع عن القضية.


*الصورة من د. ايمن عويضة