الصحفية زهراء الأخرس لموقع "صدى المشرق": حقنا في التعبير لا يشمل انتقاد إسرائيل وتعرية جرائمها بحق الفلسطينيين

  • article

صدى المشرق ـ مونتريال

 

تستمر عملية تقييد حرية ورأي الصحفيين في كندا، حيث يتم الضغط عليهم من أجل منعهم من التحدث عن فلسطين أو إبداء رأيهم حتى لو كان على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاص بهم.

الصحفية زهراء الأخرس، التي طردت من عملها نموذج واضح لما يجري من مضايقات بعضها يخرج للعلن والبعض الآخر يبقى كي الكتمان.

موقع "صدى المشرق" تواصل مع الصحفية زهراء الأخرس للوقوف عند تفاصيل ما جرى معها، وقالت لنا  "تواصل معي مديري ليذكرني بسياسة الموقع المتعلّقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي  لنشر ما يتعلّق بقضية فلسطين والتي وضعتها المؤسسة مؤخراً. وطلب أن أزيل كل ما قمت بنشره سابقاً وألاّ أنشر مجدداً بشكل علني بهذا الخصوص". وأضافت أنَّها لم تستغرب  خطوة طردها لكنّها حزنت كثيراً، كانت تأمل أن  تحدث بعض التغيير الإيجابي، لكن للأسف سياسات المؤسسة لم تتغيّر.

وبينما أكدت الأخرس أنَّ هناك قضية قانونية تأخذ مجراها، رحّبت بالدعم الذي  فاق كل توقعاتها، وتقول "وصلتني رسائل داعمة من كل زاوية في الأرض، من كشمير إلى باكستان والهند وإندونيسيا وأستراليا وإيرلندا وجنوب إفريقيا ومن كل غرف الاخبار في كندا ومن أمريكا.

الفيديو الذي نشرته حصل على أكثر من 3 ملايين، مشاهدة خلال أيام قليلة وتواصلت معي شبكات إخبارية كثيرة لتغطية الخبر.

من الواضح أن هناك غضباً وعدم رضى لدى الجمهور عن كيفية تغطية القضية الفلسطينية من قبل الإعلام الغربي. وتأمل أن يتمكن الجيل القادم من العاملين في الإعلام الغربي من ممارسة حريته بشكل حقيقي دون أن يتم إسكاتهم وفصلهم من العمل.

 

نبدأ بالتعرف على زهراء الأخرس، ومشوار وصولك إلى كندا وظروف بدء عملك مع موقع global news الإخبار ؟ 

بدأت بعملي مع شبكة غلوبال الإخبارية في شباط/فبراير 2020، وهي أوّل وظيفة لي كصحفية في كندا، قبلها كنت متدربة في القسم الإنجليزي من شبكة الجزيرة الإعلامية في الدوحة بقطر.

طوال سنوات عملي مع غلوبال كنت واحدة من أقل من 10 موظفين مسلمين في قسم الأخبار في كل كندا وفق علمي، شبكة "غلوبال نيوز" تمتد عبر 21 غرفة أخبار محلية في كل كندا، فيها موظفتان محجبتان فقط، أنا إحداهما.

 

قبل الحرب الأخيرة على غزة هل شهدت أي مواقف عنصرية في موقع global news، خاصة أنك فلسطينية؟

 تحدثت عن هذا سابقاً في أحد التحقيقات الداخلية بخصوص التنوع والشمول في غرف الأخبار وقلت إنني أرى الكثير من الجهل والـتنميط stereotypes فيما يخص المسلمين. 

مثلاً كثر من الموظفين لم يكونوا يعرفون أنني لا أشرب الكحول بحكم كوني مسلمة، أو أنني لا آكل منتجات الخنزير، أو لا يفهمون لماذا أصلي خمس مرات في اليوم، أو يبتعدون عندما يرونني أصلي في غرفة الأخبار (لا توجد غرفة صلاة في مبنى الشركة) أو مثلاً لا يصلنا أي رسائل الكترونية كتهنئة رسمية من الشركة بحلول شهر رمضان أو الأعياد الإسلامية رغم وجود رسائل الكترونية شبيهة عندما يتعلق الأمر بأعياد أخرى.

طبعاً هذا الامر ينعكس على المواد التي تنتجها غرفة الأخبار من تقارير وتغطيات إخبارية، فإذا كان الصحفيون خلف هذه المواد ليست لديهم المعرفة الدنيا بالدين الإسلامي، فإنَّ هذا الأمر سيؤثر على التغطية التي تقدمها الشبكة، وكنتُ طبعاً طوال سنوات عملي أحاول جهدي أن أقدم المساعدة وأصحح المغالطات قدر الإمكان، لكنه كان أمراً مجهداً.

طبعاً من ناحية الأخبار كنت أشعر للأسف أن هناك قابلية لتصديق ارتباط الإسلام بالإرهاب، عبر السنين أذكر أنني خضت عدة نقاشات مع زملاء ومع مدراء بخصوص سهولة التصديق بهذا الخصوص.

أذكر تحديداً في حادثة طعن الأستاذ الفرنسي عام 2020 على سبيل المثال وقتها في فيديو تم نشره على صفحة غلوبال نيوز على اليوتيوب كان العنوان يحوي كلمة Islamist terrorism أي الإرهاب الإسلامي، وقتها حاولت مع المسؤول لتغيير العنوان، لأننّي شعرت أن هذا كلام الرئيس الفرنسي ماكرون يقوله لتأجيج الشارع الفرنسي ولتسجيل نقاط سياسية على حساب الجالية المسلمة وأن هذا العنوان سيزيد من الكراهية تجاه المسلمين من خلال نعت دينهم بالإرهاب.

 وشعرت كمسلمة أنّه يتم إهانتي شخصياً بهذا الكلام.

قيل لي وقتها إن الشركة ستستخدم علامات الاقتباس وتنسب نعت "الإرهاب" إلى قائله ماكرون، وهذا أكثر ما استطعت تحقيقه.

بالطبع عناوين كهذه تجلب المشاهدات لكنَّها على حساب تقديم رواية عادلة ومنصفة للجمهور المسلم. هذا مؤسف. وهذا الواقع يجعلك تشعر أنك وحيد أو أنك غريب.

 

بسبب المواقف التي عرضتها على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لكِ تعرضتِ للطرد من الموقع هلّا أطلعتنا أكثر عمّا جرى؟

 ببساطة تواصل معي مديري ليذكرني بسياسة الموقع المتعلّقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي  لنشر ما يتعلّق بقضية فلسطين والتي وضعتها المؤسسة مؤخراً. وطلب أن أزيل كل ما قمت بنشره سابقاً وألاّ أنشر مجدداً بشكل علني بهذا الخصوص.

كان ردّي تفصيلياً، حيث حاولت أن أشرح موقفي كفلسطينية وواجبي الإنساني والأخلاقي الذي يحتم عليّ أن أتحدث عما يتعرّض له شعبي، خصوصاً أنني أستخدم حساباتي الشخصية وأنني في إجازة أمومة، لكنَّه لم يتجاوب معي.

بعدها وصلتني دعوة لتحقيق دون تفاصيل، ردّدت إلى المحققة ببعض الأسئلة وشعرت أنني كفلسطينية لم يتم احترام ألمي في هذه الأوقات فحاولت أن أشرح لها الوضع الإنساني في غزة.

بعثت لها بصورة طفل من غزة استشهد على يد قوات الاحتلال وقلت لها إن هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد صور وأرقام وإنما أشخاص حقيقيون أنا أعرفهم وأتأثر بهم وأنتمي إليهم.

 المحققة غضبت من إرسالي لها الصورة واعتبرت أنَّها مؤذية نفسياً لها، وتقدمت بشكوى ضدي. الشركة بالطبع اعتبرت أنني مخطئة، وبدل أن تقدم لي الدعم النفسي قامت بفصلي بحجة أنني خالفت قوانين الاحترام في مكان العمل بإرسالي صورة مؤذية نفسياً لهذه الموظفة.

والسبب الآخر كما قلت هو أنني كنت أنشر منشورات "غير متوازنة" بنظرهم بخصوص فلسطين ولم أمسحها، علماً بأنَّهم لم يرسلوا لي رابطاً واحداً ومحدداً لمنشور يرغبون مني إزالته رغم طلباتي المتكررة.

 

هل كانت زهراء تتوقع هذا الموقف (الطرد)، خاصة أنك صحفية وتدركين جيداً كيف تتعاطى الصحافة في كندا مع مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

 لم أستغرب لكنّي حزنت كثيراً، كنت آمل أن أحدث بعض التغيير الإيجابي، لكن للأسف سياسات المؤسسة لم تتغيّر وأنا كنت قد آمنت بمكان العمل هذا وكنت أعتقد أنه سيكون هناك بعض الإنصاف.

 

هل ستلجئين إلى مقاضاة الموقع أو إلى أي خطوة أخرى للرد على ما تعرضت له؟

 نعم هناك قضية قانونية تأخذ مجراها.

 

هل شهدت بعد الحادثة دعماً من الجالية أو من المؤسسات الفلسطينية؟ 

نعم الدعم فاق كل توقعاتي، وصلتني رسائل داعمة من كل زاوية في الأرض، من كشمير إلى باكستان والهند وإندونيسيا وأستراليا وإيرلندا وجنوب إفريقيا ومن كل غرف الاخبار في كندا ومن أمريكا.

الفيديو الذي نشرته حصل على أكثر من 3 ملايين، مشاهدة خلال أيام قليلة وتواصلت معي شبكات إخبارية كثيرة لتغطية الخبر.

من الواضح أن هناك غضباً وعدم رضى لدى الجمهور عن كيفية تغطية القضية الفلسطينية من قبل الإعلام الغربي.

 

هل تتخوفين من أن تؤثر هذه الحادثة على مستقبلك المهني كصحافية فلسطينية تعيش في كندا؟

لا أبداً.

 

اليوم زهراء قالت كلمة حق كانت تكلفتها عملها ولقمة عيشها، كيف ستنعكس هذه التجربة على حياة زهراء المهنية مستقبلاً؟

 أنا تعرضت لموقف شبيه بهذا عام 2021 . فبعد أحداث حي الشيخ جراح في القدس، طُلِبَ مني أن أزيل تعليقات انتقدت فيها إسرائيل وقتها، وكنت قد شعرت أنه يتم إسكاتي، ووعدت نفسي أنّني لن أسمح لهذا بالحدوث مرة أخرى وسأحاول جاهدة أن أوصل صوت الشعب الفلسطيني من خلال عملي ومن خلال منصتي.

وهذا الامر سيكون كذلك من الآن فصاعداً. أنا أصلاً لن أقبل بوظيفة مستقبلاً تحدد حريتي في التعبير عن الرأي عندما يتعلق الأمر بفلسطين.

 

غزة تتألم اليوم ووجعها كبير جداً، هل لديك تواصل مع العائلة أو الأصدقاء هناك، وما الذي يمكن أن نقدّمه برأيك لمساندتهم؟

 نعم أنا على اتصال يومي بكثر أعرفهم في غزة والضفة والداخل، وأعتقد من موقعنا نحن كمواطنين عاديين، من الضروري أن لا نتوقف عن نشر الوعي وإيصال صوتهم.

 

لطالما كان الغرب يتفاعل مع الصورة أكثر من الكلمة، نحن اليوم أمام صورة لا تشبه غيرها، نحن أمام إبادة جماعية يتعرّض لها شعب غزة خاصة الأطفال والنساء، ما الذي تغيّر اليوم برأيك ولماذا هذه الفجوة بين المستوى السياسي والشعبي في كندا؟

 

المصالح الشخصية والسياسية والمادية تحكم قرارات الدوّل، وليس الواجب الإنساني والأخلاقي. لذلك من الضروري على مواطني الدولة أن يعبروا عن سخطهم تجاه هذه السياسيات من خلال التواصل مع ممثليهم في مجلس النواب وتوقيع العرائض والخروج في مظاهرات سلمية وعدم التصويت للسياسي الذي يدعم إسرائيل عندما تحين الانتخابات.

 

الموقف إلى جانب العدالة وحقوق الانسان الفلسطيني له ثمن، وهناك من يخاف من اتخاذ مواقف في هذا الشان تفادياً لتعرضه للانتقام كما جرى معك … ماذا تقولين ؟

الحقيقة أنَّ كثر من زملائي الصحفيين في غرف الأخبار هنا في كندا وفي الغرب عامةً تواصلوا معي ليقولوا لي إنني عبّرت عمّا بداخلهم من عدم رضا عن التغطية الغربية لما يحدث في فلسطين. ولكنهم غير قادرين على رفع صوتهم لأنهم يخشون خسارة وظائفهم، وهذا يدل على مقدار الزيف في الديمواقراطية التي نعيش فيها اليوم، حيث أنَّ حقنا في التعبير لا يشمل انتقاد إسرائيل وتعرية جرائمها بحق الفلسطينيين.

لأجل ذلك سيكون هناك بعض الزملاء مِمَّن سبقوني ومِمَّن سيأتون بعدي، يرفعون أصواتهم لأجل تغيير هذا الوضع القائم على حساب وظائفهم، على أمل أن يتمكن الجيل القادم من العاملين في الإعلام الغربي من ممارسة حريته بشكل حقيقي دون أن يتم إسكاتهم وفصلهم من العمل.