كيف يدعم الرجل المرأة المحجبة؟... مسؤولية يجب أن تترجم أفعالاً!

  • article

فاطمة بعلبكي- مونتريال

 

    يعتبر "الحجاب" من القضايا الإشكالية في المجتمعات الغربية، والتّي تتفاقم بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في المجتمعات العلمانية، ضاربة مبادىء الحقوق والحريّات الشخصيّة وحرية الدين والمعتقد عرض الحائط، مستغلّة الصورة النمطية التقليدية، عن ربط الحجاب بنظريات القمع، والجهل، والتّخلف، فضلاً عن ذريعة التبعية العمياء وإنقياد المرأة المسلمة للرجل! متغافلين الحقوق الواسعة التّي كفلها الدين الإسلامي للمرأة، فضلاً عن تكريمها.

   وبناءً عليه، فإنّ قضية الحجاب الإسلامي مرتبطة بكل فرد مسلم، وليست حكراً على النساء فقط، وعلى الرجل المسلم أن يدرك مسؤوليته وواجبه في الدفاع عن الحجاب، فكيف يتم ذلك؟ وما هي واجباته في التّصدي للهجمة الشرسة ضد الحجاب؟!

   إجابة التساؤلات الآنفة وغيرها، ستقدّمها رئيسة الهيئة النسائية في مؤسسة الإمام الحسين (ع) والمديرة المعاونة والمدرّسة في معهد الإمام الرّضا للقرآن الكريم في وندزر- اونتاريو الحاجة آيات شمس الدين شرارة.

 

  • بداية، كيف يدعم الرجل المرأة المسلمة في قضية الحجاب  والتزامها به في المجتمع، خصوصاً في المجتمعات الغربية؟

الإسلام دين يهتم بتربية الفرد المسلم (ذكر أو أنثى) وتنشئته روحياً ونفسياَ وسلوكياً، في إطار دور إجتماعي مطلوب منه كتكليف، وعليه، فإنّ العائلة المسلمة هي عائلة رساليّة. دور كل أفرادها أن يزرعوا وينشروا قيم الاسلام في كل مجتمع يتواجدون فيه.

ومن أبرز معالم هذا الدور الرسالي المنوط  بالأُسر المسلمة هو ممارسة السلوك الديني دائماُ، والحجاب جزء من هذا السلوك. بل لعلّ موضوع الحجاب يشكل التّحدي الأكبر داخل الأسرة المسلمة، خصوصاً في المجتمعات الغربية، حيث يتّخذ مناهضو الإسلام من الحجاب هدفا يهاجمون الإسلام من خلاله.

لذلك فإن الرجل كما المرأة، والشاب كما الفتاة، يجب ان يتسلّحوا ويتحصّنوا بالثقافة  والعلم والمعرفة عن الحجاب في مسيرة التربية، ويجب أن يتم التركَيز على الشاب كما الفتاة في هذا الأمر.

لا يكفي ان يعلم الشاب المسلم ان الحجاب واجب شرعي ورد حكمه وحدوده في القرآن الكريم، بل ينبغي ان يصبح من الدعاة والمتبنين له.

  • كيف يتم ذلك؟

يتم الأمر من خلال عدّة نقاط محورية، يمكن تلخيصها على الشكل التّالي:

أولاً، على الرجل المسلم أن يشجع ابنته على الإلتزام بالحجاب ان كان أبا، ويتبنى خيار أخته بارتداء الحجاب ان كان أخاً. وأن يسعى للإرتباط بفتاة محجبة، لأنها تحمل هوية الإسلام وتقتدي بها.

ثانيًا، على الرجل المسلم أن يثق - بل يؤمن- بأن المرأة المحجبة هي امرأة قوية وجسورة في اختيارها للحجاب، وأن يشجعها، ويؤمن بقدراتها وبإمكانيّاتها وبأنها تستطيع ان تنجح في مختلف المجالات، فيحفّزها ويدعمها لتثبت قدراتها من جهة، وكي تتميز مهنياً وعلمياً واجتماعياً. كما ينبغي عليه أن يدعمها على التمكّن من الوسائل التي تتخطّى بها الحواجز التي تعيق فعاليّتها في المجتمع والمحيط، كتعلّم اللغة على سبيل المثال أو أخذ الدورات التثقيفية...

ثالثاً، على الرجل المسلم أن يحث المرأة المحجّبة على المشاركة في الأندية الملائمة، كالأنشطة المدرسية والندوات الإجتماعية لأن حضورها بحجابها في هكذا أندية دليل على أن حجابها ليس عائقا.

المهمة الرابعة المنوطة بالرجل المسلم، وهي بالغة الأهمية، وتتمثّل بإظهار الإحترام والتقدير لرأي المرأة، سواءً أكانت زوجته، أم ابنته، أم أخته أو أي إمرأة محجبة في محيطها وفي المجتمع الخارجي، خصوصاً الغربي.  كما يرفض ويواجه أية استهانة متعلّقة بهذا الجانب من شخصيتها. وعليه كذلك أن يبدي إعجابه بزوجته أو أخته أو ابنته في حجابها، خصوصاً في المجتمع الغربي الذي يربط معيار الجمال في السفور والتّعري حكراً!

خامساً، على الرجل المسلم  تشجيع المحجبة على التعبير عن مخاوفها ومساعدتها على التغلب عليها.

وعلى المستوى العملي، عليه أن يشارك بالنشاطات التي تتعلق بالحجاب، من ندوات أو مؤتمرات او كتابات بطريقة ايجابية. وأن يظهر دعمه للحجاب وللمرأة المحجبة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وأن يحرص أيضاً على إعطاء الفرص للفتاة المحجبة، من خلال توظيفها أو إشراكها في الأنشطة المختلفة التي تتناسب مع حجابها اذا كان في هذا الموضع.

 

  • هل يجوز للمرأة إطاعة زوجها في طلبه أن تخالف دينها بذريعة القوامة؟

المرأة مكلّفة بتطبيق دينها كما الرجل بدليل القرآن، ومقدار تطبيق أحكام الدين هو ميزان لعلاقتها بالله، وليس لأي أحد أن يحول دون علاقتها بربها وكيفية توطيد هذه العلاقة، لا زوجها ولا والدها ولا أي كائن آخر.

أمّا مسألة قوامة الرجل فهي قيادة للأسرة نحو الأفضل، من قبل القيّم على الأسرة، للأسرة ككل. انطلاقا من هذا فإنه فمن البديهي انه لا يجوز للرجل أن يطلب من زوجته خلع الحجاب، كما لا يجوز للمرأة خلع الحجاب امتثالا لأمر زوجها اذ أنه "لا طاعة لمخلوق بمعصية الخالق".

 

  • ما مدى أهمية تثقيف الشباب المسلمين في الغرب للحد من ظاهرة التنمر ضدّ الحجاب، (بملاحظة انه يكون أحيانا شريكا في التنمر)؟

المرأة المحجبة في المجتمع الغربي هي المرأة التي تحمل شعار وسِفارة الإسلام بشكل أكبر من دون أدنى شك.

وبالرغم من أن الحجاب تكليف موجه للمرأة بشكل أخص، فإنه يمس كل عائلة مسلمة، فيدخل في نطاق مسؤوليات أفرادها، لذلك فإن المحتضن له والمدافع عنه يجب أن يكون الشاب كما الفتاة. وهذا لا يكون إلّا اذا فهم الشاب أن الحجاب هو فريضة إلهية يلزم تقديسها، وفهم المغزى من ورائه، وكذلك اذا عرف ان هذا الحجاب انما يُظهر امرأة قوية، حريصة على عفّتها، كما تهتم برجاحة عقلها وصلابة إرادتها وتقواها، وهي الأقدر على إعطاء الأمان والثقة في الأسرة والحفاظ عليها. فإذا فهم هذا الأمربشكلٍ صحيح، أصبح متبنيًاً له فكرياً كمرحلة أولى، فيدافع عنه كمبدأ ويدعم المرأة انطلاقا من قناعته، ويعتبر أن كل فتاة محجبة هي جزء من مشروع وفكر يتبناه هو. ثمّ يتعرّف على القوانين التي تحاسب وتعاقب على التنمر أو التعرّض للحريّات الشخصية للآخرين، وعلى تلك التي موضوعها الاسلاموفوبيا كمرحلة ثانية . فيقوم بدوره في مواجهة التنمر بناء على هذه المعرفة.

  • هناك ظاهرة جديدة بين أوساط الشباب المسلم في الغرب تروّج لفكرة عدم الزامية الحجاب ويستندون الى فهمهم المغلوط لترجمة النصوص القرآنية فكيف تردّون عليها؟

الأمر معاكس تماماَ، فإن النصوص القرآنية والأدلّة الشرعيّة صريحة بإلزاميّة الحجاب، وبالتالي من يروّج لذلك إما أن يكون مُغرضاَ أو أن يكون جاهلا.ً أما الاحتجاج بترجمة النصوص القرآنية، فمن الضروري جدا أن يفهم الشباب أنه لا يمكن فهم النصوص الدينية والقرآنية عامة من خلال ترجمتها الى أية لغة  فحسب، فمن المعلوم أنّ من يقرأ النّص المترجم إنما يقرأ فهم المترجم له وليس حقيقة مراد الكاتب، فكيف بالنص القرآني، الذي صرح الله في القرآن الكريم "إنا انزلناه قرآنا عربيا"، وذِكرُ الله تعالى للغة إنمّا يدلّ على خصوصية اللغة العربية، لجهة التأويل واستنباط المعنى، " وما يعلم تأويله إلّا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به".

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ تفسير القرآن الكريم يحتاج الى شروط بديهية وعلوم  يجب ان تتوفر عند مفسّره، كمعرفته باللغة العربية لفهم النص القرآني (الفاظها واشتقاقاتها ومعاني مفرداتها وما يعرض عليها من الاعراب)، بالاضافة الى قدرته على تفسير القرآن بالقرآن والمحافظة على سياق الآيات والقراءات وأسباب النزول ومعرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والسنة لفهم أبعاد النص القرآني ومراده،  فضلاً عن معرفته بالعموم والخصوص والمجمل والمفصل، ناهيك عن الحديث، وغيرها من المباحث العقلية والأصولية لفهم الحكم الشرعي الوارد من النص القرآني. هذه العلوم وغيرها هي بعض آلات فهم القراّن وتفسيره. فمن يدّعي فهم القرآن من دون استعمال هذه العلوم فيكون ممن تقوّل على الله وهو جل وعلا يقول "ولا تقف ما ليس لك به علم".

 

 لا بدّ في نهاية المطاف لكل فردٍ مسلمٍ أن يكون شريكاً في الدفاع عن قضية الحجاب، باعتبارها من الفرائض الرئيسية في الدّين الإسلامي، وعدم التنصّل من هذه المسؤولية، أو على أقلّ تقدير أن لا يكون شريكاً في ظلم المحجبات نتيجة قِصر الفهم وعدم المعرفة، خصوصاَ في ظل تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتّي - مع الأسف الشديد- ِ تكون المرأة المحجبة فريستها وأولى ضحاياها.