التصويب على الحجاب من بوابة الاسلاموفوبيا ... ما العلاقة بين الحجاب ورهاب الإسلام؟

  • article

فاطمة بعلبكي- مونتريال

صدى المشرق

 إستكمالاَ للتحقيقات السابقة التّي تطرقنا خلالها للحديث عن إشكالية الحجاب الإسلامي في المجتمعات الغربية عموماَ وكندا خصوصاً، ومحاولة ربطه بأفكار وفرضيّات دخيلة على الإسلام وقيمه، وحصره بصورة نمطيّة مرتبطة بإضطهاد الأنثى وقمعها، وتصويرها كشخص مسلوب الإرادة ومحصورة بدورها داخل الأسرة فقط، وصولاَ الى التشكيك به كفريضة دينيّة!!!

وقد عرضنا الكثير من الآراء القيّمة التي حرصت على تفنيد جميع الشبهات حول الحجاب، ولهذه الغاية أيضاَ استضفنا المتخصّصة في قسم العقيدة والحائزة على شهادة ماجستير في العلوم الإسلامية نعيمة مقدول، والتّي عملت سابقاً كمدرّسة لمادتي اللغة العربيّة والتربية الإسلاميّة في مدرستي ابن سينا ودار الإيمان في مونتريال، بالإضافة الى عملها في المدارس العمومية، والتّي اعتبرت أنّ التّصويب على الحجاب إنّما هو جزء لا يتجزأ من منظومة العداء للدين الإسلامي بذريعة "الإسلاموفوبيا"!

وفي ما يلي تفاصيل اللقاء:

- برأيكِ ما أسباب الحملات المناهضة للحجاب في الغرب وفي كندا، خصوصا بعد إقرار القانون ٢١؟

 كان المسلمون - ولا يزالون- ضحية وعرضة لهجمات متكررة من الغرب على معتقداتهمم ورموزهم الدينية، وقد نال المرأة المسلمة نصيب من هذا العداء، لا لسبب إلاّ لأنّها اختارت وبكامل حريتها أن تعيش دينها والتزامها كما ارتضاه لها خالقها، فالحجاب ليس كما يعتقد كثيرون خرقة تضعها المرأة المسلمة على رأسها وحسب، بل أعمق من ذلك ،إنّه هويتها ،خلقها ،حياؤها ، وتطبيقها لأمر الله تعالى  ....

 ومن أسباب هذا العداء ،الخوف غير المبرر من الإسلام والحضور الإسلامي في بلاد الغرب، و خوفهم( حسب وجهة نظرهم ) من  أسلمة مجتمعاتهم. لقد تجاوز العداء من مسألة الثوب (أي الحجاب) إلى الاسلام ديناً وحضارةً وحضوراً وتمثيلاً ، هذا الاسلام الذي  تترجمه المرأة بتمسكها بقيم الإسلام  وتمّسكها بحجابها، رافعة بذلك ( دائما من منظورهم) راية التّحدي مادامت تتطاول على القيم الغربية الداعية إلى الحرية والمساواة، فهي ترفض الرضوخ لأوامر المؤسسات الحكومية وغيرها، وهم بدورهم  يتعدون على حريتها  ويفرضون عليها التّخلي عن لباسها الإسلامي وعن إسلامها بدعوى نيلها حظها الوافر من الحقوق . 

ومن أسبابه أيضا العنصرية الممنهجة والتطرف،  كما يحصل في مقاطعة كيبيك،  خصوصا  بعد إقرار  القانون 21 الذى يمس الأقليات الدينية عامة، والمحجبات بالدرجة الأولى، فهو قانون يقيّد الحريّة الشخصيّة التي من المفروض يكفلها الدستور الكندي. هذه العنصرية و التطرف تغديه للأسف بعض الالسن و الأقلام ووسائل الإعلام،  التي جعلت من المسلمات هدفا لها، برغم تغنّيهم  بالحريات والتّعدد العرقي و الثقافي، إلا أنهم يبقون  شديدي  الحساسية وغير متسامحين في مسألة الحجاب .  

 

  • كيف يتعارض الحجاب مع تسليع المرأة لأهداف تسويقية وتجارية بحتة؟

بدل أن تكون المرأة ـ كما أراد لها الله ـ جوهرة غالية مصونة ،أصبحت وللأسف سلعة معروضة لمن هب ودب ،  ودرج في المجتمعات ما يعرف بتسليع المرأة أو تشييء المرأة ، وهو معاملة النساء  والنظر إليهن  كشيء بإستخدام  جسدها في الترويج والتسويق للمنتجات لزيادة الأرباح، واستخدامها كأداة عرض جنسية، حيث يكون إختيار الأفضل بناءً على  الجسد الأكثر تعرياً .. فقد اختزلت المرأة في مجرد جسد، وأصبح أرباب المال وتجار الرقيق يسعون جاهدين  متشدقين بالحرية والتحرر ليبقوا تلك المرأة رهن مكاسبهم و مطامعهم، إذ بالغوا في الإهتمام بها  وبجسدها، وتمكّنوا من التغرير بالكثير من النساء ( للأسف ) لتحقيق أهدافهم، وحوّلوا  أجسادهن إلى سلعة تباع بأرخص الاثمان، لتمطر عليهم  بالملايين، وسعوا إلى إبعادها عن دينها وحجابها لبلوغ مساعيهم ، في حين  أن ديننا الحنيف حفظ لها كرامتها و جسدها، حين أمرها الباري جلّ وعلا بستر مفاتنها وحفظ جمالها إلا على زوجها أو محارمها ،حتى لا يطمع فيها الطامعون من مرضى القلوب.

-  كيف يحمي الحجاب طبيعة المرأة الأنثوية وتكوينها بدون أن يكون متعارضاً مع حقوقها ومساواتها مع الرجل؟

 من نِعم الله عزّ وجل أن حبا المرأة بالجمال والأنوثة، وهذا من كمال خلقه وليس إنتقاصاً لها، وهذان الجمال والانوثة هما ما يجعلانها مرغوبة عند الرجل، وهذه طبيعة بثّها الله فيه ، كما بثّ في المرأة حب التزيّن لإظهار جمالها وأنوثتها، فالمرأة والرجل مكمّلان لبعضهما البعض، ولنا في الخطاب الإلهي  أكبر مثال حين يخاطب الله تعالى كلاهما فيقول : إ"ِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" في سورة (الأحزاب 35) ، وهذا من كمال عدل الله  ومساواته ، اذ يقول أيضا  :" قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) 

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ" ...

 كما قول نبينا الكريم في الحديث : (النساء شقائق الرجال)، رواه أبو داود .

 فيُفهم من هذا تبعاً أنّ النساء متساويات مع الرجال في الكرامة الانسانية، والحقوق والواجبات بحسب فطرة الله التي فطر كلا عليها ليتم التعايش بينهما .

وكثيرة هي النصوص الشرعية  التي تخاطب الجنسين معا، فالله جلّ وعلا كفل للمرأة حقوقها، كما بيّن لها واجباتها، وحجابها لم يكن أبداً عائقاً أمام تقدّمها، و لنا في سير أمهات المؤمنين والصحابيات  ونساء التاريخ من المسلمات خير دليل حيث تصدرن مجالس العلم واشتغلن في الأسواق وكنّ مستشارات لازواجهن من حكام وأمراء، وأسّسن حتى الجامعات ولم يمنعهن أبداً حجابهن  من ذلك .

وحتّى يومنا هذا مازالت نساء مسلمات متحجّبات يعتلين مناصب مرموقة ويشغلن وظائف سامية، و يعشن حياة عادية دون أن يشكل الحجاب لديهن أدنى عائق. 

 

 ما ردّك على من يعتبر الحجاب بدعة سياسية وموروث ثقافي فقط وليس واجباً دينياً؟

 مهمة الانسان الأسمى في هذه الدنيا هي عبادة الله، وكما ذكرنا آنفا فإن النصوص القرآنية خاطبت الرجال والنساء على حد سواء ، والقرآن أوّل مصادر التشريع الذي  نخضع لأوامره لتحقيق مهمة العبادة، فالمرأة المسلمة تتعبّد لله عزّ وجل بما أُمرت به، فكما أمرنا الله بالصلاة والزكاة و باقي العبادات، أمرنا بالحجاب والستر والعفاف، فعلى كل إمراة مسلمة أن ترى في حجابها قلادة تجمّلها، وعبادة تزيدها رفعة ومكانة، وأن تتساءل بينها وبين نفسها إن كان حجابها كما يقول البعض أنه عادة وموروث ثقافي توارثته عبر الزمن، فان كان كذلك ، فأولى لها وأحق أن تبقى على عادات ابائها  وأجدادها و ان تفخربه، أم  أنه تشريع سماوي من رب العالمين ، وأمر تمتثل له كما امتثلت له من قبل قدواتنا من نساء وبنات النبي والصحابيات، ونحن من بعدهن اذ خاطبنا خالقنا  في الآية الكريمة :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ" (سورة الأحزاب 59).

و قال الباري أيضاً: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (النور31).

 إذاً قضي الأمر، إنّه تشريع إلهي يقرأ ويطبق لأنّ المولى قال :

"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا " في ( سورة الأحزاب الآية 36).

 

  • أخيراً، ما الرّسالة التي توجهينها للمرأة المسلمة والمحجبة في المجتمعات الغربية عموما، وفي كندا خصوصا؟

"وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ....." (سورة المنافقون  8)، أستشهد بفحوى الآية الكريمة وأقول: "ابتغِ ِ العزّة بإسلامك وحجابك، ولا تبتغيها بغيره، وكوني قوية فخورة  وقرّي به عينا ، فلك ِأجر الرضا والتسليم  والإنقياد لله".

وأحثّها أيضاً على عدم الضعف أو الإستسلام، "تمسّكي بخيارك الذي ارتضاه لك الله أولاً، ثمّ ارتضيته  لنفسك، تبتغين به وجهه الكريم، ولا تتركي أي قانون وضعي يثبطك اويحيد بك عن دربك ورسالتك. لا تركني  لمساعيهم، بل اصبري وصابري ورابطي  وتأكّدي أنّك حتى إن لم تنالي نصيبك في هذه الدنيا، فستنالين أجر صبرك على هذه العبادة وعلى ما تلاقيه من نصبٍ وتعبٍ وإستهزاءٍ وسخريةٍ عند الله، فأنت من قال الله تعالى فيهم: 

" قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ*" )الزمر 10(، وأيضاً "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(  آل عمران 200)، وكذلك الآية التالية: "إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" (هود ١١).

وقد نقل عن الفضيل بن عياض حكمة من أبلغ الحكم لما نحن فيه: "إلزم طرق الهدى ولا يضّرك قلة السالكين، وإيّاك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين" .

لنثبت بدورنا على الطريق...