الاستاذة أوراس وَيِّس لـ"صدى المشرق": المدارس الإسلامية هي الحل لحماية أبنائنا من العنف والمعتقدات الغريبة عن قيمنا الدينية

  • article

صدى المشرق ـ مونتريال 

تشاطر السيدة اوراس وَيِّس مديرة مدرسة الهدى الإسلامية في مونتريال مخاوف الأهل من التحديات التي تواجه أبناءهم في المدارس سواء العنف أو المفاهيم التي يتم نشرها في صفوفهم والمختلفة عن قيمنا ومعتقداتنا الدينية والاجتماعية وتؤكد على ان المدرسة الإسلامية هي الحل وتدعو النساء إلى متابعة أطفالهن وحمايتهن.

 نبدأ من سيرة الاستاذة أوراس الذاتية، وقصتها مع الهجرة إلى كندا؟

أنا أوراس اسماعيل وَيِّس، عراقية من مواليد ولاية باتنه الجزائر، والدي مدّرس رياضيات ابتُعِثَ إلى الجزائر خلال حملة التعريب بعد الاستعمار. لذلك الحظ حالفني أني ولدت ودرست المراحل الأولى في بلاد تعتبر فيها اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية خاصة أنَّ الفرنسية ليست لغه معروفة في العراق وأغلب الشعب العراقي يعتمد اللغة الانجليزية.

وعندما عدنا الى العراق، واصلت دراسة اللغه الفرنسيه في المرحله الثانويه في مدرسه خاصه كلغه ثالثه الى جانب اللغتين العربيه والانكليزيه ويجدر بالذكرهنا ان المدارس من هذا النوع قليلة جدا في العراق وعددها لا يتجاوز أصابع اليد.

وأذكر في ذلك الوقت كان هناك تعاون ثقافي بين وزارة التربية والتعليم في العراق وبين دولة فرنسا، وكان هناك برامج تشجّع على تدريس اللغة الفرنسية في دول العالم الثالث ، وكنت أشارك في هذه البرامج وأحصد الجوائز والتشجيع من السفارة الفرنسية في ذلك الوقت لتفوقي. وبناءً على هذا الواقع تخصصت في مجال الأدب الفرنسي في الجامعة بالعراق وحصدت البكالوريوس عام 97 وكنت مرشحة لأكون معيدة في الجامعة نتيجة تفوقي إلا أنَّ الارتباط والعائلة والسفر إلى الخارج كلُّها عوامل حالت دون ذلك.

وفي ما يتعلّق بالهجرة إلى كندا، أذكر أنّي أنتظرت مع عائلتي في الأردن لأربع سنوات  انقطعت خلالها عن الدراسة والعمل إلاّ أنني واكبت على القراءة بالفرنسية لأحافظ على ما اكتسبته حتى استكمال أوراق الهجرة، وبالفعل حصلنا على الموافقة ووصلت الى كندا في 21 سبتمبر عام 2001 .

عندما وصلت كان العام الدراسي قد انطلق فهو يبدأ في الأوّل من سبتمبر، إلاّ أني بدأت مباشرة بمعاملات معادلة شهادتي الجامعية . وفي كانون الثاني 2002 بدأت بالدراسة مع سنة أولى  تحضيرية  في تخصص اللغات والترجمة في جامعة مونتريال للعلوم والاداب. وفي ذلك الوقت بدأت أستفسر عن مجال التربية والتعليم وهو المجال الذي يستهويني، خاصة أنَّي أنحدر من عائلة تعليمية بحتة.

وبالفعل بعد أن حصلت على دبلوم في العلوم والآداب درست لأحصد ماجستير إدارة مؤسسات تعليمية، وهو تخصص درسته بدوام جزئي لمدة سنتين لأني كنت قد بدأت بالعمل في مجال التعليم، وحصلت على شهادة  الماجستير في ادارة المؤسسات التعليمية  في عام 2005 .  ومنذ ذلك العام عملت لعامين آخرين في التعمّق بالبحوث في مجال التربية والتعليم فكنت أطبَّق هذه البحوث في بعض المدارس التي عملت فيها بعضها إسلاميه وبعضها الآخر مدارس عامة.

ولأنني أحب تعليم اللغه الفرنسية للصفوف الثانوية وجدت برنامج جديد في جامعة شيربروك، هذا البرنامج صدر بسبب شح المدرسين في كيبك وكان عبارة عن ماجستير تدريس لغة فرنسية للصفوف الثانوية،  بدأت دراستي  في هذا المجال بدوام جزئي أيضًا في عام 2008 وكان هذا الماجستير الثاني الذي ساهم في تعميق تجربتي في مجال التربية والتعليم، ومن خلاله قمت بالتدريب في مدارس عامة وخاصة اسلامية وغير اسلامية.

هل نستطيع القول بناء على ما ذكرته أنَّ سرّ اهتمامك بمجال التربية هي العائلة والصدفة في الوقت نفسه ؟

تستطيعين القول إن هناك تحفيز عائلي. عندما تتربي في منزل الأب فيه متخصص في مجال التربية والتعليم، هذا سيؤثر عليك. وطبعًا هناك الالتزامات العائلية التي تحث المرأة في الغالب إلى التوجه نحو القطاع التعليمي لتحظى بإجازات مشتركة مع أولادها.  وأنا اعتقد أنَّ كل أم هي مدرسة بحد ذاتها وهي معلمة بحد ذاتها، فمسؤوليتنا كأمهات أن نرى في الامومة تعليما. وهذا من الأسباب التي جعلتني أميل وأتوجّه الى مجال التربية والتعليم.

 ما هي أهم التحديات التي واجهتها على الصعيد العملي وما هي المرحلة التي تجدين أنّها كانت مفصلية في حياتك المهنية؟

أوَّل تحدي بالنسبة لي كان أكاديميا،من قبيل ما الذي يجب أن أدرسه في البلد الجديد الذي وصلت اليه؟ وكيف سأعادل شهادتي الجامعية؟ فكنت مضطرة أن أعيش هذه التجربه وحدي وأن أتخبط في جمع المعلومات.

 فالإنسان حتى لو كان مدركاً لهدفه، إلا أنَّه من الصعوبة بمكان معرفة الطريق الذي يجب أن يسلكه للوصول الى هذا الهدف وهذا مهم جدًا. لذلك انطلاقاً من تجربتي تجديني أسعى دائماً إلى مساعدة كل من يريد أن يجد طريقه لأوفّر عليه  الوقت والجهد والمال.

لذلك من المهم جدًا أن يكون هناك توجيه. طبعًا هناك في الجامعات أشخاص يوجّهون الطلاب، لكنَّني أجد أنَّ من يجب أو يوجّه المهاجر هو مهاجر آخر مثله، يشبهه بالخلفية.

وهناك تحدي آخر عايشته كان يتمثل في فرق اللهجة، فنحن تعلمنا الفرنسية باللهجة التابعة لدولة فرنسا، أمَّا هنا فهناك اللهجة الكيبكية التي لم تكن مفهومة بالنسبة لي في البداية.

وهناك تحدي عملي يتمثّل بالحجاب، فبعد أن حصلت على الماجستير في إدارة المؤسسات التعليمية، لم أجد مركزاً شاغراً بسبب الحجاب، لكن لأنَّ الحاجة موجودة  للاساتذة كان يسمح للمحجبات بالتعليم، من دون أن يّسمح لهنَّ بتولي منصب إداري بسهولة خاصة في المدارس العامة. وهذا ما جعلني أتوجه الى تخصص تدريس اللغة الفرنسية للمرحلة الثانوية،  ليكون بذلك فرصتي في الوصول إلى عمل بسهولة ولكن سبحان الله بعدما درست التخصصيْن ( إدارة مؤسسات تعليمية وتعليم صفوف المرحلة الثانوية) عرض عليّ منصب  إداري في مدرسة "الهدى".

وأريد أن أذكر هنا أنَّه خلال دراستي في الجامعة كان هناك عدد كبير من الأساتذة الذين يشيدون بالمدرّسين  الذين يأتون من خلفيات عربية، فيقولون إنهم يمتلكون الصبر والتحمل وطول البال على الاولاد وهذا بات معروفا بشكل كبير في المؤسسات المدرسية العامة، الأمر الذي أهّل المهاجرين العرب للنجاح في مجال التدريس.

 

من خلال عملك وتجربتك في آن معاً برأيك لأي مدى هناك عوائق تحدُّ النساء العربيات المسلمات المغتربات من الوصول إلى النجاح، وهل تعتقدين أن الوعي الإسلامي لأهمية التربية قد ينعكس ايجابًا على الجيل القادم لأبناء الجالية وكيف؟

من العوائق كما سبق وذكرتها هي الحجاب، وقد بات هذا العائق أكبر اليوم مع قانون العلمانية، فأنا من الجيل الذي جاء قبل هذا القانون لم أعان منه ولكن تعاني من تداعياته كل امرأة محجبة أخذت شهادتها وتريد أن تعمل بعد صدوره.

بالنسبة لي على المستوى الشخصي كمحجبة أسعى إلى إزالة هذه العوائق . من خلال إبراز قدراتي المعرفية واللغوية، عبر المناقشات الفعّالة والغنية أجبر من يواجهني ويشعر بالعنصرية تجاهي أن يتقبلني وينفتح معي في الحوار. وانطلاقاً من تجربتي أقول أن المرأة يجب أن تنخرط في المجتمع ويجب أن تتقن اللغة الفرنسية، فمن أتقن لغة قوم  أمن شرهم، وهذا مهم جدًا.

لذلك فأنا لا ألوم فقط الشخص العنصري، لأنَّ من واجبنا مواجهة عنصريته من خلال فرض وجودنا كامرأة أو كرجل. لكن دائماً أكرر أنَّ المرأة تعاني أكثر لأنَّ لباسها الإسلامي مرئي أكثر، لذلك يجب أن نفرض أنفسنا وأن نمتلك الثقة بأنفسنا وأن نتعلّم وأن ندخل وننخرط في المجتمع وأن نستخدم لغتهم ونناقشهم. في النهاية اللغة أكثر من وسيلة تواصل، اللغة اذا اتقنَّاها سننقل من خلالها أفكارنا. وأنا لا اعتقد أنَّ المرأة المسلمة ناقصة منطق أو ناقصة أسلوب في الحوار لكن فقط عائق اللغة يكون مشكلة، والحل بسيط يتمثّل بأخذ دروس مكثفة لمدة سنة أو سنتين للتغلّب على هذه العقبة.

في النهاية أنا أقول دائمًا للأساتذة الذين يعملون معي، أنَّنا لا نستطيع أن نقيّم الانسان فقط لانَّه لا يعرف اللغة الفرنسية، فالانسان لديه لغته الأم،  التي قد لا نعرفها. لذلك يجب أن نعطيه فرصة تعلم اللغة الفرنسية. فتقييم الانسان يكون من خلال الافكار وليس من خلال اللغة، لكن يقع على هذا الانسان مسؤولية إثبات نفسه من خلال اتقان اللغة ليكون بذلك عاملا ايجابيا في المجتمع بدل ان نتقوقع على انفسنا ونخاف ان نتحدث ونخطئ.

 

هل ترين أنَّنا كجالية عربية وإسلامية بات لدينا وعيا لاهمية المؤسسات الاسلامية في التربية؟ ولأي مدى سينعكس هذا الأمر ايجابا على الجيل الجديد برأيك؟

من موقعي كمديرة مدرسة إسلامية أجد أن هناك اتجاها عند العوائل ووعيا أكثر من السابق للتوجّه الى مدارسنا، وذلك بعد أن تم الاعلان عن تدريس التربية الجنسية في  المدارس العامة.

الناس استنفرت ضد تدريس التربية الجنسية في المدارس وأنا أشاركهم الرفض  بنسبة 100%، لانَّ هذه المادة تدَّرس بطريقة لا تتناسب بأي شكل مع موروثنا وثقافتنا الدينية والاجتماعية. ومن المفروض أنَّ نتوجه إلى المدارس الإسلامية من اليوم الأوّل الذي نصل به إلى البلاد، لأن الجيل الحالي أو السابق درسوا ويدرسون مواداً تتنافى مع موروثنا الديني والاجتماعي والثقافي.

 صرخة الأهالي على مادة التربية الجنسية ترافقت مع زيادة الحديث عن الشذوذ الجنسي، الذي هو خطيئة في ديننا الإسلامي وفي الاديان السماوية، بالتزامن مع وجود وسائل التواصل الاحتماعي، وما تحمله من خطورة على عقول أطفالنا.

أريد أن أذكر هنا أن المدارس العامة لطالما عرّضت أطفالنا لمواد بعيدة عن موروثاتنا، فالعائلات التي وصلت في الثمانينيات والتسعينيات لم تكن تدرك ما يجري داخل المدرسة، ربما لأنها لم تنتبه نتيجة الضغوط وربما نتيجة عدم تعمقّها باللغة الفرنسية. وهذا الشيء لا ألوم عليه الأهل فقط لأنهم مهاجرون جاؤوا الى بلد جديد ولديهم العديد من التحديات والمسؤوليات كالبحث عن عمل وتعلّم اللغة والبحث عن لقمه العيش، لذلك أكرر أنَّ المدارس الإسلامية هي الحل سابقا وحاليا ولاحقا. المدارس الاسلامية هي التي تجعل الجالية مطمئنة بان ابناءها وبناتها آمنون مهما حدث في المدرسة.

وأنا دائماً أكرّر أن المدرسة الإسلامية ليست جنة. هي مؤسسة تعليمية موجودة في واقع مجتمع كيبك،و نحن جزء من هذا المجتمع في النهاية لا تتوقع من المدرسة الاسلامية أن تنجح بشكل كامل بتحييد طلابها عن أي كلمات سيئة وأن تكون خالية من العنف. لكن المهم هو وجود الخلفية الصحيحة التي تساعد على حل مشاكل العنف  في هذه المدارس، وتصحيح الأمور والمشاكل وسلوك الأولاد، عبر أشخاص يمتلكون القيم المشتركة مع الأهالي وبأسلوب لا يتنافى مع أساليب ومعتقدات الاهل.

 

الحديث عن الاطفال والعنف بينهم وفي صفوفهم كلها تحديات تفرض نفسها على الساحة التربوية كيف نقي أطفالنا من تداعياتها واثارها ومن الانخراط فيها، وهل تعتقدين ان المدرسة الاسلامية هي الحماية لأطفالنا من العنف المنتشر في المدارس؟

العنف الذي نرصده في المدارس العامة  بين الاولاد له عدة أسباب، أحدها اختلاف الثقافات، الذي قد يؤدي في أحيان كثيرة الى العنف الذي له عدة أشكال، عنف جسدي، عنف مرئي من خلال نظرة استهزاء على سبيل المثال وغيره من أشكال العنف. لذلك نقول إن نسبة العنف  في المدارس الإسلامية منخفضة لانَّ الطلبة يتشاركون الثقافة والخلفية الدينية والاجتماعية والاخلاقية، الأمر الذي سيقلّل من مستويات العنف الذي يتولّد بسبب خلافات عقائدية او ثقافية او اجتماعية او دينية.

بالنسبه للعنف في مدارس كيبك، فإن الحكومة فرضت على كل مدرسة أن يكون لديها خطة لمعالجة هذه المشكلة، فنحن مع بداية كل عام دراسي في الاوّل من ايلول- سبتمبر،  نقدّم وثائق للوزارة جزء كبير منها يجب أن يكون عبارة عن خطتنا لمواجهة العنف في المدارس، لأنها في حالات كثيرة تؤدي إلى انتحار الطالب.

فالخطة التي نقوم بها كمدرسة الهدى، التي تتقيّد بقوانين وزارة التربية والتعليم  وتتوافق مع قيمنا، تعتمد على جانبين الأول وقائي والثاني علاجي.

فالوقاية مهمة جداً لنتجنب العنف على قاعدة "الوقاية خير من علاج". فنعمد إلى عرض أفلام تتحدث عن موضوع العنف بما يتناسب وعمر الطالب، كما أنَّه لدينا لجنة مدرسية خاصة مكوَّنة من أساتذة ومشرفين تربويين وإداريين تجتمع لتبحث في موضوع العنف. كما أنَّنا نستقبل عناصر من شرطة مونتريال ليحدثوا الطلبة أيضًا عن هذا الموضوع. هذه الانشطة ساعدتنا كثيرًا ومكّنت الطفل من امتلاك الوعي قبل أن يقدم على فعل العنف.

يبقى لدينا مهمّة أن نشجّع الطالب الذي يتعرّض للعنف أن يتحدث عن ذلك وأن لا يبقى صامتاً، فقمنا بوضع صندوق في كل صف مخصص لشكاوى الطلبة من دون أن يذكروا أسماءهم اذا رغبوا، ليعبروا عن أنفسهم وعمَّا يجري معهم، وكي لا تتحول هذه المشاعر السلبية إلى عقد نفسية.

 

في الختام ما هي رسالتك الى النساء؟

الأم مدرسة اذا اعددتها أعددت شعبًا طيب الاعراق. وأنا عندي ثقه كاملة، بقدرة كل امرأة وأم نجحت في الوصول الى كندا سواء بمفردها او مع عائلتها، و تعيش تحديات الغربة، على اتقان اللغة الفرنسية لتعرف ما الذي يجري مع اولادها.. في  المنزل يجب ان نستمع الى أطفالنا ونناقشهم ونعطيهم حباً وحناناً كي لا يبحثوا عنهما خارج المنزل.