تحقيق ... الحجاب هويّة رسالية لتعزيز القيم الإسلاميّة!

  • article

فاطمة بعلبكي- مونتريال

صدى المشرق

لأول مرة، منذ بدء الاحتفال بيوم الحجاب العالمي تحوّل  الحدث إلى موضوع شائع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دعمت النساء الجهد في إحياء هذه المناسبة في جميع أنحاء العالم، خصوصاَ في ظل تزايد الحملات المناهضة للحجاب في الغرب.

واستكمالاَ للتحقيقات السّابقة، سنعرض المزيد من آراء النسّاء الناشطات في المجالات الدينيّة والتربوية والإجتماعية، وذوات العلم في الدراسات الحوزوية والعلوم القرآنية لمناقشة موضوع الحجاب في الإسلام، ودحض الفرضيات المغلوطة حوله.

          الحاجة آيات شمس الدين شرارة

أهميّة ورمزيّة الحجاب في الدّين الإسلامي

أشارت رئيسة الهيئة النسائية في مؤسسة الإمام الحسين (ع) والمديرة المعاونة والمدرّسة في معهد الإمام الرّضا للقرآن الكريم في وندزر- اونتاريو الحاجة آيات شمس الدين شرارة الى أنّ الحجاب فريضة إلهية ورد حكمها وحدودها في القرآن الكريم، ومن هنا يأخذ أهميته، فهو كسائر الفرائض الدينية يشكل لُبنة في تكامل الفرد وسلامة المجتمع وأمانه. وأضافت: " بما ان مسؤولية حفظ  الأمان المجتمعي تقع على عاتق كل مكلف من افراد المجتمع، فان المرأة المسلمة المكلفة مسؤولة كما الرجل المسلم المكلف عن تحقيق الأمان الاجتماعي. و هذا الأمان لا يتحقق الا بقوانين وحدود تنظم سائر جوانب التعامل بين الناس على اختلافهم، بما في ذلك الجنسين في علاقاتهم".

وأوضحت شرارة أنّ الحجاب بجميع حدوده، الظاهرية التي ينظمها التشريع، والباطنية التي تحكمها التقوى، أساس في تأمين الإختلاط الآمن، وبالتالي الأمان الإجتماعي، " أما رمزيته فتكمن في إعلان الحجاب للهوية الدينية للمرأة الملتزمة به، كما يرمز الى تبنّيها للمنظومة الفكرية و العقائدية للإسلام".

بدورها صرّحت الطالبة في جامعة الزهراء ( التاريخ _ الشريعة الاسلامية ) وفي جامعة المصطفى العالمية للدراسات الاسلامية ( حوزة الشهيدة بنت الهدى سابقاً ) كوثر المنشد أنّ "الحجاب هوية رسالية عظيمة عند المسلمين وغيرهم من أتباع الرسالات السماوية، لذلك يجب ان تعرف المرأة المسلمة أن الحجاب هو تكريماَ لها وليس إنقاصا منها، وإعلاء لقيمتها وليس للحط منها، وحماية لها من النظر إليها على انها عورة فقط ووقاية لها".

كما لفتت المنشد الى أنّ الحجاب يندرج ضمن منظومة ذات قيمة لا تفصل بين النظري والتطبيقي، فالإسلام لم يأمر بالحجاب مع السماح بالإنحلال الأخلاقي، بل أمر به مقرونا بكامل الأخلاق، "ومما لا شك فيه أيضا أن الإسلام حين فرض الحجاب لم يفرضه فقط لقيمته الرمزية كزي فقط أو كقطعة قماش على الرأس أو كلباس يستر معالم أنوثة المرأة، بل لابدّ من سلوك متزن وأخلاق وحشمة مصاحبة تليق بقيمته. فهو قبل أن يكون رداء خارجياً يواري زينتها ومفاتنها فهو إعلان عن طاعتها واستجابتها المطلقة لأمر خالقها (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).

الحجاب بمفهوم الدين والسياسة والثقافة...

أكّدت شرارة أنّ الحجاب فريضة ذكرت في القرآن الكريم، كما ذكرت حدودها، فالله عز وجل تارة يأمربه بشكل صريح، كما في  سورة الأحزاب اّية 59   ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾، فهذا أمر تشريعي من الباري يأمر من خلاله النبي نساء الأمة المسلمات جميعاَ من دون تمييز بينهن، بالتّستُّر بالجلابيب وعدم إظهارالجيوب والصّدور. ويشرح أن تستّرهن هذا أقرب إلى أن يُعرفن بالصَّلاح والعفاف والسّتر فلا يتعرَّض لهُنَّ الفُسَّاق. كما بيّن القرآن الأمرالتشريعي بتعديل غطاء الرأس-الخمار- الذي كان يلبس حينها، وذلك بتغطية الرقبة وفتحة الصدر به، من خلال قوله تعالى في سورة النور اّية  (31) "... وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِن".   

وأما قوله تعالى: "..وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ.." فهو نهي تشريعي صريح من قبل الله تعالى على عدم جواز إبداء الزينة ومواضع الزينة، الا لمن ذكر في الآية الكريمة.

وذكرت شرارة أنّ في الآيات المذكورة دلالة واضحة على الأوامر والنواهي المتعلقة بالموضوع لمن يفهم اللغة العربية، ورأت "أن من يعتبر الستر الشرعي المصطلح عليه بـِ (الحجاب) موروثا ثقافيا بحتا وليس له عمق ديني، إنما هو جاهل أو متجاهل لمصادر التشريع التي على رأسها القرآن الكريم و الحديث الشريف والسنّة المباركة.  وأمّا من يقول بأنه بدعة سياسية، فإنه غير مطلع على تاريخ الحجاب على الإطلاق، و لا على مصادر التشريع، و لا حتى على الثقافة الإسلامية. انمّا هو مدع من غير دليل. و خسرانه الأكبر انه مستند في ادعائه على فهم بعض الجاهلين للإسلام وحالات خلل في فهم الحجاب مرتبطة بنصوص غير صادرة عن النبي أوأهل بيته تؤسس لفهم مغلوط  في كثير من جوانبه ".

                السيدة كوثر المنشد

من جهتها بيّنت المنشد الإختلاف في شكل الحجاب واسمه باختلاف الدّول والثقافات "فالحجاب في ايران اسمه شادر وله شكل معين،  أمّا في العراق او لبنان فهوالعباءة والمانتو، وفي باكستان والهند لديهم زي خاص بهم، وهنا في كندا تلبس النساء الحجاب بما يرونه مواكباً للموضة مع احترام حدود الشرع"، وتعتقد المنشد أنّ الله عزوجل لم يعطي للحجاب صورة واحدة حتى لا تتقيد النساء به بشكل معين ويسبب لهن الاحراج، "والمهم فيه مراعاة الستر الكامل والحشمة بشرط ان لا يكون لباس شبهة يجلب لمن ترتديه قلة الاحترام والأذية مثل لبس النقاب في الدول الغربية والاماكن التي لا تألفه ( مع احترامي لهن ) فهذا الحجاب غير وارد في الغرب ويخلف علامات الاستفهام والقانون ربما يرفضه" .

وشدّدت المنشد على أنّ الحجاب واجب شرعي مثبت بالآيات القرآنيّة والتفاسير، "الحجاب أقرّته جميع الرسالات السماوية وذكر في القرآن الكريم بشكل واضح كما ان هناك مدح وتشويق له سواء الحجاب الظاهري او الحجاب الباطني المقرون بالعفة، وهو ليس موروث ثقافي ولو أسلمنا جدلاً انه موروث ثقافي ما المانع في ذلك! طالما يؤمّن للنساء احترامهن ولم ينقص من قيمتهن الانسانية والمعنوية؟!"، متسائلة اذا كان الحجاب إهانة للنساء فهل التعري تكريماً لهن ؟!

الحجاب والنساء: واجب أم خيار؟!

تطرّقت المنشد الى مسألة مهمّة قد يُساء فهمها ويحاول المصطادون في الماء العكر التّصويب على قضيّة الحجاب من خلالها، " للأسف وبسبب ثقافتنا (المغلوطة) التي في بعض الأحيان تحتم على الفتاة لبس الحجاب بمجرد وصولها سناً معينة وضغط الأهل عليها دون أن يحددوا لها معنى ذاك الغطاء أو قيمته فترتديه الفتاة كتقليد شبه فطري ولا تعي اهميته او قداسته!"، أمّا الحل فيكون من خلال "دور الأم والاهل في التربية، لأن التربية جزء والحجاب جزء آخر، فالأمر يبدأ بالمتابعة والتوجيه بدل الإرغام والتشديد كي تدرك الفتاة لاحقاً ما لها وما عليها وما هو معنى الحجاب بمضمونه العميق انطلاقا من تهذيبها وتربيتها".

وقد اعتبرت المنشد أنّ مفهوم الحجاب تشوّه "لدرجة أصبح مجرد خرقة تستر بعض الشعيرات متناسيين بذلك أن الحجاب الظاهري لابد أن يرافقه الحجاب الباطني: أي حجاب النفس والروح، لأنّ سترالجسم من الفتن غير كاف في الحقيقة إذا لم يتوافق مع العفة الداخلية، خصوصاً وأننّا كمسلمات في الغرب هدف لمن ينتظرون الفرصة ليفتحوا أفواههم للنيل من الاسلام. من هنا فإنّ حجاب الجسم مهم، لكن حجاب الروح أهم وكل واحد منهما مكمل للآخر، ولا بدّ من توفّر كليهما".

الحجاب بين الضرورات والمحظورات 

نفت شرارة أن تكون مقولة الضرورات تبيح المحظورات مبرراً لمخالفة الأحكام الشرعية الثابتة، "وانّما الضرورة تقدر بقدرها وفي موردها الخاص، وبالتالي فلا يباح على أساسها الا ما يشكل ضررا  لا يتحمل عادة، وهذا الضرر يفوق ضرورة المحافظة على الحكم الشرعي الأولي. كجواز أكل الحرام دفعا للموت جوعا (ثمّ على المكلف ان يبحث عن الحلال بعد ذلك)". وتابعت: مسألة  الحجاب و القانون ٢١ ليسا من هذا القبيل،  "فالحكم الشرعي أن المكلف اذا منع من ممارسة دينه بسبب قانون ما كالقانون٢١ مثلا، فإما أن يعمل على الإقامة في مكان مختلف لا توجد فيه هذه الإشكالية، أو أن يتحمل صعوبة ترك المجالات الذي يمنع من ممارسة دينه في أماكنها. و في مثالنا أن لا تعمل المرأة المسلمة في الأماكن الرسمية، ففرض قانون ظالم يمنع حرية دينية لا يعطي مشروعية دينية له".

في السيّاق نفسه، رأت المنشد أنّ الحجاب - بغض النظر عن وجوبه او عدمه - أصبح اليوم مسألة تحدّ امام من يدّعون حرية التعبير، " خصوصاً وأنّ الحجاب لم يمنع اي فتاة من التقدم العلمي ومواكبة التكنلوجيا، اليوم عندنا في الجالية العربية فتيات في سلك المحاماة والطب والتمريض والهندسة، وهناك كم هائل من الموظفات والعاملات. انا لا اقول ان دربهن كان مفروشا بالزهور والرياحين لكن رغم الصعاب بقين متمسكات بالحجاب ووصلن الى أعلى المراتب . الجالية المسلمة اصبح لها بصمة وعطاء في كل مجالات الحياة فمن المستحيل التنكر لذلك والكثير من الجاليات الاخرى تدعم حرية الرأي واحترام الرمز الديني ( مع العلم الحجاب فرض ديني ) وهذا سيكون نصر لكلمتنا ... فمتى كانت الغاية تبرر الوسيلة !!!!؟؟ ؟ الا في الضرر الذي يصل الى حد ازهاق الروح فهنا للشرع المقدس رأي آخر" .

 مسك الختام رسالة...

وجّهت شرارة في نهاية حديثها رسالة للمرأة المسلمة عموماً، والتي تعيش في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص، فحواها أن  "حجابنا هو خيارنا، وهدفنا منه هو رضا خالقنا بشكل أساسي، وليس لأي مخلوق الحق في أن يجبرنا على مخالفة ديننا وعرقلة سيرنا في طريق التكامل.  أما الجانب الأنثوي فينا  فليس مشاعا أمام كل أحد. نحن صاحبات القرار في سماحنا لمن يطلع عليه،  وقرارنا هو الإلتزام بحدود ربنا الحكيم الرحيم الذي نثق بحكمته ورحمته بنا، وبالمجتمع ككل". وقرنت الحجاب بالمسؤولية،  "نحن كنساء محجبات، سفيرات للإسلام في مجتمعاتنا، وحجابنا هو رسالة نحملها، ونحمل من خلالها القيم الإسلامية من محبة وسلام وصدق وإخلاص كرم وأمانة وتعاطف ومودة... حجابنا هو مصدر قوة لنا، و تأدية لتكليفنا و ممارسة لدورنا التكاملي في بناء مجتمع سليم و آمن إجتماعيا. صحيح اننا في مجتمع يرانا مختلفين عنه، ولكن هذا لا يمنعنا ابدا من أن نساهم في سمو هذا المجتمع، وتطوره من خلال عطائنا الفكري ونتاجنا المادي والمعنوي".

ختمت المنشد حديثها أيضاَ باعتبار الحجاب راية إسلامية في معركة اثبات الذات، "ومن تحْمل هذه الراية هي الفتاة او الابنة صانعة الاجيال والملهمة لهم. وأخيراً الحجاب ليس التخلي عن مواكبة الحضارة ودفن الجسد تحت قماش معين وإنما الاعتدال في الملبس الجميل، ولا بأس بمواكبة الموضة ضمن خط الاحتشام الكامل ولكي نعطي صورة جميلة عن الاسلام والذي هو دين الجمال".