عالمة فيزياء الذرّة د. رشا شعيب : الحجاب ليس عائقاً امام النجاح وساستثمر علمي في خدمة بلدي وجاليتي

  • article

صدى المشرق – مونتريال

لا سقف لطموحاتها وأحلامها الكبيرة، ترفض التخلي عن قناعاتها كما ترفض أن يكون التزامها بدينها الإسلامي وحجابها عائقاً أمام تقدّمها.

"صدى المشرق" وبالتزامن مع يوم المرأة العالمي تفتح باب انجازات نساء الجالية في الاغتراب حيث اجرت هذا الاسبوع مقابلة مع العالمة في مجال فيزياء الذرّة الدكتورة رشا شعيب، ابنة الجنوب اللبناني، التي اخبرتنا عن مسيرتها الأكاديمية، وعن حياتها العائلية وعن جاليتها اللبنانية في كندا التي دعمتها ووقفت إلى جانبها، وتتحدث عن التحديات التي تواجه المرأة في المجال العلمي وتحديدا الأم العاملة، وتوجّه رسالة إلى الفتيات في لبنان وفي الاغتراب.

 

  • رشا شعيب ملقبة بالمرأة استثنائية، نظرًا لما قُمتِ بتحقيقه على الصعيد العلمي، هل كانت الطفولة أيضًا استثنائية، كيف نشأت رشا في لبنان وما الذي دفعها لتصل إلى سلم النجاح وماذا عن دور العائلة؟

لا اعتبر نفسي أبدًا استثنائية، فما وصلت إليه هو بفضلِ الله الذي يَسَّرَ لي أمري وَوَفقّني في سلوك طريقٍ أُحِبُّه وأمتلِكُ تجاهه الاندفاع والشغف، لذلك كلمة استثنائية لا أشعر أنَّها تليق بي، بل هي تليق بغيري مِنْ الذين اخترعوا شيئا يفيد البشرية مثلاً.

بالنسبة لطفولتي، فقد كانت عادية جداً، عشت في لبنان حتى عمر الأربعة عشر عاماً، عائلتي كانت حاضنة جداً وتشجّعنا دائمًا على الدراسة، وبالتالي لا يمكنني أن أصف مسار نشأتي بالاستثنائي رغم المعنويات التي كانت عائلتي تحرص على أن تزوّدنا بها لنبني ثقتنا بأنفسنا، بالإضافة إلى تربيتنا على الطموح والسعي والكد والتعب.

  • في أي مرحلة من حياتك شعرتِ أنَّكِ تمتلكين القدرة على التميّز وتحقيق انجاز علمي؟

تستطيعين القول أنَّني بدأتُ أتلمَّسُ قدرتي على التميّز في التعليم بمرحلة الثانوية في كندا، خاصة أنَّ تعامل المدارس مع الطلبة مختلف تماماً عن لبنان. شعرت حينها أنَّ هدفي هو أن أصبح دكتورة وكنت متيقنّة من تخصصي في المجال العلمي، إلاّ أنّني عندما دخلت إلى الجامعة اكتشفت امتلاكي للشغف في الرياضيات والفيزياء وقرَّرت أن أسعى وراء شغفي.

وساعدتني الجوائز التي كنت أحصل عليها خلال مسيرتي العلمية في ازدياد يقيني بأنّني سأصل إلى تحقيق شيء، خاصة لأني أحب العلوم، مثل أي شخص يحب الفن أو الرسم مثلا وكنت أمتلك من الفضول ما يكفي لأتعلّم أكثر وأكثر.

 

  • أنت ابنة جنوب لبنان ماذا عن البيئة التي نشأت فيها لأي مدى كانت حافزًا لنجاحك، وهل تدعمك اليوم؟

المدارس في لبنان تضغط الطالب تعليمياً ليصبح قويا وفي الوقت نفسه تعلّمه السعي إلى تحقيق مستويات أفضل. في المقابل كندا تعلّم الطلبة على أن الشهادة ليست الهدف وإنما هي الوسيلة، وهذه القاعدة تجعلنا نفكّر بطريقة مختلفة، لذلك لا يعني حصولي على شهادة دكتوراه أنّي وصلت  إلى هدفي على العكس تماماً، لا يزال الطريق طويلاً. أتحدث في هذه النقطة لأقول أنَّ البيئة التي نشات فيها في لبنان لم تساعدني على التخصص في علم فيزياء الذرة لأن التخصص غير موجود أصلاً، إنَّما هذه البيئة هي من ساعدتني في صقلّ شخصيتي ومدّتني بالقوة. وبالتالي هنا يكمن دور بيئتي التي علّمتني أيضاً الإيمان والاتكال على الله والتسليم بقضائه وقدره وبتيسيره. واعتبر أن هذا هو سر نجاحي فالمفتاح كان من بيئتي وديني الذي علّمني كيف أُذَلِّلُ الصعوبات.

  • لديك علي وفاطمة ومريم مَنْ منهما قريب إليكِ أكثر ومَنْ منهما ورث حب الفيزياء عن رشا؟

 فاطمة ابنتي الكبيرة تشبهني من الناحية الاكاديمية، رغم عمرها الصغير فهي تبلغ 9 سنوات، إلاّ أنَّها مجتهدة في دراستها، ولا تحتاج إلى مساعدتي، فتختار أن تتعلّم وحدها القراءة والكتابة، كما أنَّها مُنَظَّمَة وتتحمل مسؤوولية دراستها ودائمًا تقول أريد أن أدرس مثل أمي.

أمَّا ابني علي فأشعر أنَّه أخذ مني الفضول، دائمًا ما يطرح الأسئلة ويحب المتابعة ويحزن اذا لم يعرف إجابة أي سؤال.

ابنتي الصغيرة مريم حتى الساعة لا أعرف إن كانت تشبهني باستثناء أن شخصيتها قوية جدا تحب أن تحمل الكتب والأقلام دائماً.

وأذكر أنَّ ابني علي كان يرافقني في أوّل مراحل دراستي للدكتوراه، بينما رافقتني فاطمة في آخر المراحل. أمّا مريم فحضرت كل اجتماعاتي أونلاين وشاركت أيضاً. صراحة كنت أخجل في بداية الأمر عندما تصدر ابنتي ضجة إلا أنني الآن تغيّرت تمامًا فهذه حياة الأم العاملة التي تهتم بأطفالها، وعلى الجميع احترامها وتقبّلها.

 

  • توافقين على أنَّ المرأة تجد صعوبة أكثر من الرجل في مجال العلم أو برأيك المشكلة ليست في الصعوبات بل بالمرأة نفسها التي لا تمتلك الإمكانيات التي تؤهلّها للدخول إلى هذ المجال؟

أنا أجزم مئة بالمئة أنَّ المرأة تمتلك الإمكانيات، ولا أقول ذلك لأنَّني امرأة بل لأنَّني عملت في مجال الفيزياء ورأيت إبداع عدد كبير منهنّ كما الرجال، وأرى أن لا جندر أفضل من الآخر، إلاّ أنَّ الواقع المؤلم بالنسبة لي، الذي ينسحب على كل الاختصاصات والمجالات هو أنَّ بيئة العمل غير منصفة للأم العاملة. بالتالي لا يوجد أي مجال يعطي المرأة الفرصة والتفّهم اللذيّن تحتاجهما خلال فترة تربية أطفالها وأمومتها خاصة في السنوات الأولى عندما يكون الطفل بأمس الحاجة إلى والدته.

ومن منطلق تجربتي أؤكد أنني كنت قائدة في مجالي، كنت أعمل مع مجموعة كبيرة في مختبر مشترك مع عدد من الدول وكنت بارزة جداً، وعندما أصبحت أُمّا  واضطررت لأعطي الوقت لعائلتي وجدت نفسي أهمّش ووجدت أن مكاني بات لغيري، كما تمت مصادرة جهدي لصالح آخرين متفرغين لعملهم بشكل كامل.

لذلك أقول المرأة تحتاج إلى وقتٍ لتربي طفلها وتُنشِئ إنساناً صالحاً، وللأسف لا يوجد مجال علمي أو أكاديمي يقدّر جهد المرأة في منزلها، والذي يمنعها من إعطاء مئة بالمئة من وقتها لعملها، وبالتالي لا أستطيع أن أقارن المرأة الأم برجل يعطي كل وقته لعمله. وبرأيي هذا ما يفسّر وجود الرجل أكثر من المرأة في هذا المجال.

يجب على الإدارات القائمة على المجالات العلمية تغيير معاييرها لمواكبة انجازات النساء وحفظها قبل أن تذهبن في إجازات أمومتهنّ، منعًا لمصادرة جهودهنّ واستبدال أماكنهنّ.

أدرك تماماً أنَّنا في عصر السرعة، وأنَّنا كالقطار السريع الذي لا ينتظر أحد، لا المرأة ولا الرجل المعرّض أيضًا لانتكاسات صحية يستطيع أن يواكبه دائماً، وهنا أشير إلى أنَّه قد لا يكون هناك تصويب ضد المرأة، لكنّ يجب أن يكون هناك الوعي الكافي لمعرفة أنَّ المرأة الأم بحاجة إلى استثناءات تحديدًا في السنوات الأولى  لتربية أطفالها.

  • ماذا عن التحديات التي واجهتها كمحجبة وهل الحجاب عائق لتحقيق الطموحات وبلوغ أعلى المراتب؟

الحجاب ليس عائقاً، ولن يأتي يوم يكون فيه عائقًا ولن تتوقف أي امرأة عن مسيرتها بسبب حجابها. يجب على المرأة أن تُثبِت نفسها أكثر وتعمل بشكل أكبر نعم لأنَّ التحدي يزيد، ولكن مَنْ تطمح لا تفكر أبدًا أنّ الحجاب سيمنعها من النجاح، كما لا يجب أن يدفعها الخوف من الفشل إلى محاولة التخفيف من أثر الحجاب لإرضاء الغير. ومن تخاف من تقبّل الأجنبي لها أقول، افرضي عليه منتوجك العلمي، القيمة ليست بالشكل إنما بالانتاج وحجابك لا علاقة له بذلك.

وإذا سألتني هل هو عدل أن تعمل المحجبة بشكل مضاعف لتثبت نفسها فسأقول لا هذا ليس عادلاً، لكن المجتمع مستمر في إسقاط أحكامه المسبقة على النساء خاصة المحجبات، اللواتي يعرفن أنهنّ عندما يرتدين الحجاب سيواجهنّ عوائق أكثر.

  • اعترفت جامعة ماكجيل بمساهمات رشا البارزة وقدّمت لها ما لا يقل عن 12 جائزة وتكريم، يأخذنا هذا السؤال إلى كندا وطن رشا الثاني وأهميته بالنسبة لها؟

كندا هي وطني الثاني نعم، هي جزء من هويتي، فأنا هنا من عمر الأربعة عشر عاماً، واليوم أصبحت في الثلاثينيات، بالتالي الكثير من عناصر شخصيتي لها علاقة بالمكان، فصرت أكثر انفتاحاً على الناس، واستمريت في دراستي بسبب المنح التي حصلت عليها، فالسياسة التعليمية في كندا تفتح أمامك الفرص وتسمح بالتقدّم والتطور الأكاديمي.

ومن تأثيرات كندا على شخصيتي إلى جانب انفتاحي على الشعوب الأخرى هو أنني تقربت من ديني أكثر، وأصبحت متمسكة به، وارتديت الحجاب في أوّل دراستي الجامعية، وهنا أعطي الفضل الكبير أيضاً لجاليتي، التي باتت عائلتي الثانية، فهنا تزوجت وأنجبت أطفالي، ولكندا الفضل الأكبر في دراستي مجال علم فيزياء الذرة لأنَّ هذا المجال غير موجود في لبنان إلاّ منذ سنوات قليلة وهو في مراحله الأولى.

 

  • كيف تستثمر رشا في نجاحها لخدمة الجالية ولخدمة وطنها لبنان؟

أنا أعمل في المجال التطوعي.. ودائما أسعى إلى مساعدة أي طالب يحتاج المساعدة في ايجاد طريقه العلمي من خلال الإرشاد، وخصوصا اذا كان يسعى للدخول في مجال الفيزياء، وأشعر عندما أساعد شخصا أنَّه هو الذي يساعدني لأنّ  ضمن أهدافي الشخصية تيسيير أمور الناس، وأن تصبح جاليتي لها وزن في المجالات العلمية و في المجالات التي تفتفر لوجودها فيها، وأطمح إلى أن يكون هناك عشرة وعشرين شخص يعملون ويدرسون علم الذرة مثل رشا.

صحيح، أن عملنا ليس كالتجارة والربح فيه ليس سريعاً، إلا أنَّه كاستثمار طويل الأمد، لأنّنا من خلاله سنصبح قادة ومن أهم الطاقات التي تتنافس عليها الدول، لتقود العالم.

وحتى لو عدنا إلى بلدنا ولم نستطع العمل في مجال الذرة إلا أنَّ المهارات التي اكتسبتها سأتمكن من توظيفها في بلدي بمليون طريقة تسهم في تقدّم لبنان. أمّا حاليًا فأسعى إلى مساعدة الطلبة اللبنانيين الذين بالمناسبة يمتلكون الكثير من الإمكانيات ويفتقدون للفرص، أسعى إلى ربطهم بفرص تعليمية ومنح تقدّمها الجامعات الكندية. صحيح لم أوفق حتى الساعة لكنني أؤمن أنَّه مع السعي سأجد الحل والمفتاح لمساعدة هؤلاء الطلبة الذي يكون العائق أمامهم دائمًا هو أوراقهم.

 

  • إلى أين تطمح رشا بالوصول؟

لا سقف لطموحي، أنا في مجال العلوم عالمة وأريد أن أبقى في هذا المجال، أي علم فيزياء الذرة،. لا أريد أن أحدّ نفسي، لكنّي أريد أن استمر في الانتاج العلمي الذي انشاء الله سأستثمره في خدمة بلدي وجاليتي، علماً أني لا أعلم إلى أين سيقودني هذا الحلم.

 

  • كلمة ورسالة رشا إلى الفتيات والنساء اللبنانيات في الاغتراب بشكل خاص؟

رسالتي للفتيات في لبنان هي أن لا ينظرن إلى القشور وأن يخرجن من الأدوار التي تحدُّ شخصيتهنَ وأن يحدّدن هويتهنّ ويتمسكنّ بها ولا يتخلينّ عنها.

وللفتيات اللواتي يدرسن ويتعبن أحيّهن لأنهن يجتهدن في بلد مثل لبنان الذي ينتزع طموح الشباب، وأقول لهنّ انظرن إلى الله عز وجل وتابعن مسيرتكنّ. فمن تتعب حتى بأصعب الظروف ستُفتَح أمامها الفرص حتى لو كانت في لبنان. انتبهنّ أيضًا إلى كل الأجندات التي تسعى إلى تشتيت هوية المرأة المسلمة.

للفتيات في كندا أقول أنا بدأت مسيرتي الجامعية مع الحجاب، وكنت أرفض أن أسلّم باليد في بيئةٍ الجميع يسلّم فيها، كنت أرفض أن أشرب الكحول في بيئة الكل يشرب فيها، وهي بيئة يسيطر عليها الرجال. كنت أصلّي أمامهم لأنّه لا يوجد مكان مخصص للصلاة، لم أتخلَّ عن هويتي الإسلامية من أجل أحد. لذلك أتوجه للفتيات في كندا لا تتخلين أو تتنازلن عن هويتكم لإرضاء الغير، لأنَّ انتاجكم هو من سيحدد قيمتكم في نظر الآخرين. لستن مضطرات لتظهرن أنكنّ "متمّدنات" على حساب هويتكن الاسلامية، فلتفرضن وجودكنّ واسعين لتحقيق النجاح.

تمسكنَ بطموحاتكنّ.. اليوم بات باستطاعتنا الصعود إلى الفضاء، لا تقيدن أنفسكن باختصاصات محددة والفرص موجودة في كندا لتحقيق الأحلام .