الانتخابات الكندية: ما أشبه اليوم بالبارحة ... النظام الانتخابي النسبي هو الحل

  • article

ايهاب لطيّف – مونتريال

 استمعنا لخطب وتحليلات وتابعنا الأخبار على مدار ستة وثلاثين يوماً وأنفقت كندا  مئات الملايين من الدولارات لينتهي بنا المطاف في نفس الوضع (يكاد يكون تماما) ، الذي كنا فيه قبل دعوة رئيس الوزراء الليبرالي جستن ترودو للانتخابات، في الشهر الماضي. فلا الليبراليون حصلوا على اغلبية مقاعد مجلس العموم ولا حتى تغيّر سوى عدد محدود جدّا من اعضاء المجلس. إذا فتحليل مواقف الأحزاب أو حملاتها الانتخابية لن يختلف عن تحليلنا لها في انتخابات 2019 ولذا فدعوني أركز اليوم على النظام الانتخابي الحالي في كندا وتأثيره على إقبال الناخبين وقراراتهم وكيف تُدار الدولة وبالتالي مصلحة الأقليات والفئات المهمّشة.

 وَعَدَنا السيد ترودو عام 2015 أن انتخابات ذاك العام ستكون الاخيرة على اساس النظام الحالي الذي لا يأخذ في الاعتبار حجم التأييد الشعبي لأي حزب بل يعتمد على اعطاء الكرسي في كل دائرة انتخابية للمرشح الذي يحصل على أعلى عدد من الأصوات في تلك الدائرة (حتى لو حصل على  ٢٥  % من الأصوات). هذا النظام المعروف باسم First Past the Post أو "أول من يعبر خط النهاية" هو نظام في حقيقته غير ديمقراطي ولكن في بدايات الديمقراطيات، في القرن التاسع عشر لم يكن بالإمكان أفضل منه، أما الآن فقد عفا عليه الزمن ولم يعد مطبّقاً سوى في عدد قليل من الدول ، أحدها كندا، للاسف.

 عيب هذا النظام الاساسي هو ان حزب حاصل على دعم ٣٧ % من المصوّتين يمكن أن تكون له أغلبية مطلقة في البرلمان وبالتالي سلطة مطلقة ليقرّر ما يشاء لمدة ٤ سنوات!
وليس هذا عيبه الوحيد. ايضا - فكما نرى اليوم ورأينا في 2019 - حزب يحصل على 17% من أصوات الناخبين يُعطى 7 % فقط من مقاعد البرلمان (وهي حالة الحزب الديمقراطي الجديد) في حين أن حزبا آخر حصل على 7% من الأصوات يُعطى 10 % من مقاعد البرلمان. أيّ إجحاف هذا؟

 الموضوع - او المشكل - ليس حسابيا او نظريا أكاديميا فقط بل هو عملي يؤثر على اتجاهات التصويت ونتائج الانتخابات.  لقد رأينا ارهاب الحزب الليبرالي للناخبين من التصويت للحزب الديمقراطي الجديد أو حزب الخضر لأن هذا قد يؤدي إلى فوز المحافظين في بعض الدوائر - وهذه حقيقة تحت النظام الحالي. فصوّت الكثيرون لليبراليين برغم ان نيّتهم الأصلية كانت دعم  الحزب الديمقراطي الجديد أو حزب الخضر.

 وايضا يحبِط النظام الحالي الناخبين لأن هناك دوائر انتخابية كثيرة نتائجها شبه محسومة مسبقا. فان كنت تسكن إحدى هذه الدوائر فلن يكون لديك حافز للتصويت لأنه لن يكون في إمكانك التأثير في حظوظ الحزب الذي تتمنى فوزه لو كان ضعيفا في دائرتك.

 والنتيجة ايضا ان النظام الانتخابي غير العادل المطبّق حاليا يؤثر على كيف تدار الدولة ومن يحكم.

 الحزب الديمقراطي الجديد كان له اكبر الاثر في الضغط على الحزب الليبرالي الحاكم على مدار العامين الماضيين لإعطاء مزايا وحقوق للطبقات الأقل ثراءً وايضا للأقليات، بالذات خلال سنتي انتشار الكوفيد و التأثير المادي الذي صاحبه.  وبما أن النظام الانتخابي المطبق حاليا لا يعطي الأحزاب التي يمتد دعمها أفقيا (على طول وعرض الدولة) نفس الحظوظ كالاحزاب الممتدة رأسيا (في مناطق معينة) فانه يعمل ضد الأقليات والفئات المهمشة ويضعف قوتهم وتأثيرهم على الحكومة لأنه يضعف الأحزاب التي تدافع عن مصالحهم.

 طالما بقى النظام الانتخابي كما هو ستبقى السلطة في يد أحد الحزبين - الليبراليين والمحافظين - وهما يتفقان على سياسات كثيرة على الرغم من أن للمحافظين اتجاهات قد تكون سلبية جدا على الأفقر والأضعف والاحدث في المجتمع الكندي. لهذا يراهن الليبراليين دائما على أنهم سيحصلون على دعم الأقليات من دون أن يعملوا جادّين لكسب هذا الدعم.

 أن خروج كندا من هذا المأزق - أو هذه المآزق -  يعتمد على تصحيح النظام الانتخابي واعتماد نظام ديمقراطي حقيقي يعبر عن الاختيار الحرّ للناخبين.

* ناشط سياسي وجاليوي ورئيس "حركة حقوق المواطنين"