في اليوم العالمي للحجاب: النساء هنّ الأجدر في المواجهة

  • article

حسين حب الله - مونتريال

خُصِّصَ الأول من شهر شباط من كل عام يوماً عالمياً للحجاب تقديراً لملايين النساء المسلمات اللواتي اخترن ارتداءَه، في ظل الإساءات والتهكم والضغوطات التي يتعرضن لها في الكثير من دول العالم، سواء في مواقع العمل أو الدراسة أو في الشارع أو غير ذلك. تقول السيدة ناظمة خان التي أطلقت فكرة هذا اليوم عام 2013: "نشأت في مدينة نيويورك، وعانيت من قدر كبير من التمييز بسبب حجابي". خان كانوا ينادونها في المدرسة الإعدادية بٍاسمِ "باتمان" أو "نينجا". وعندما دخلت الجامعة بعد الحادي عشر من أيلول، كانوا ينادونها بِاسم "أسامة بن لادن أو الإرهابية".

ما عانته السيدة خان هو نموذج لما تتعرض له الكثيرات من المحجبات في دول العالم ولا سيما في كندا وبالأخص في كيبك، حيث بات التمييز بحق المحجبات بقرار رسمي يمنعهن من ممارسة العمل في مؤسسات الدولة. يُستكمل هذا الأمر بحملة ممنهجة تتوزع على جبهات متعددة لا يجوز إغفالها في مقاربة الموضوع لكي نعرف حجم التحدي الذي يواجهنه.

الجبهة الأولى خطيرةٌ، تتمثل بحملة مستترة بأسماء معروفة لإعلاميين ومثقفين وتربويين وناشطين تشكك بمشروعية الحجاب وأصل فرضه في الدين الاسلامي. وهذا يضع كل العلماء والمثقفين في جاليتنا أمام مسؤولية الرد الواضح على كل الإشكالات النظرية التي تُثار، والتي قد يتصور البعض أنها اشكالات لها واقع يدعم هذه الأفكار. 

جبهة أخرى تتمثل بحملات إعلامية تستغل "أخطاء" بعض العائلات في التعاطي مع بناتهن. فالإعلام يتحفنا بين الفينة والأخرى بتقارير عن قيام الأهل بفرض الحجاب على بناتهن. وهو يكون في الكثير من الحالات مبنياً على الاختلاق، أكثر منه على الواقع، والاستغلال الرخيص لمشكلة عائلية يحاول هذا الإعلام حشر أنفه فيها وتسليط الضوء عليها بطريقة يوجّه فيه سهامَه على الحجابِ خدمةً لمخططات المتعصبين، الذين لا تروق لهم رؤية انتشار الحجاب بين المسلمات في هذا البلد.

ويلتقي هذا الأمر مع وقوع بعض المسلمات في فخ السير بحملة الإساءة للاسلام والحجاب ـ عن قصد او غير قصد ـ من خلال استدراجهن بإرادتهن وبغيرها لإصدار تصريحات ونشر كتابات تتحدث عن "تجارب مريرة" عانينها من خلال فرض الحجاب عليهن منذ الصغر للترويج لفكرة، لطالما أُريدَ تأكيدُها في أوساط المجتمع الكيبكي والكندي، مفادها أن الحجاب ليس خياراً للنساء والبنات، بل هو فرض من الأبوين او الزوج وما شاكل. وهو تحدٍ يكون جدياً إذا كانت من تتصدره تمثل عنواناً في الجالية أو تحتل موقعاً بارزاً.

لكن الملفت في بعض الحالات ـ للأسف ـ ان هناك من يريد أن يبرر لنفسه خروجه عن خط سار عليه في السابق، محاولاً إقناع من حوله بالنهج الذي انتقل اليه من خلال تبريرات وأكاذيب واختلاقات لا واقع لها. يعاونه في ذلك حب الظهور والشغف بالأضواء، ووقوف المتصيدين بالماء العكر إلى جانبه.

يدعم هذا التوجه أيضاً بعض النساء اللواتي أتين من بلادنا يحملْن عداء وكرهاً للإسلام، ولا يتورّعن حتى عن الكذب في سبيل نشر هذا الكره بين المواطنين من غير المسلمين، فتُستغَلُّ شهاداتهن للتصويب أكثر فأكثر، ليس على الحجاب فحسب بل على الدين أيضاً، خصوصاً أن منهن من كانت في بلادها تحمل أفكاراً إلحادية. وتشاركهن أيضاً في هذا الجانب شخصيات ذكورية تحمل الأفكار نفسها وتمارس التضليل نفسه لتحقق أهدافاً وُضعت بعيداً عن الأضواء لتحقيقها. ولا نتحدث هنا عن نظرية المؤامرة بقدر ما نتحدث عن مشاهدات من خلال متابعة بعض الأنشطة لبعض الشخصيات التي تحمل أسماء اسلامية وتتحرك تحت عناوين إسلامية، ولكن كل ما يصدر عنها في مواقع التواصل او الشبكة العنكبوتية يصب في إطار الحرب على المعتقدات الاسلامية تحت ذرائع واهية وخلفيات لا لبس في أنها مدروسة ومخطط لها. 

والجبهة الثالثة هي التضييق على المحجبات من خلال الاعتداء الجسدي، كما حدث أكثر من مرة وفي أكثر من مقاطعة، سواء في كيبك أو ألبرتا أو غيرهما. ولعل هذه الجبهة أقل خطراً من غيرها لأن القوانين عادة تجرّم الاعتداء الجسدي على الآخرين، ووضعُ حدٍ لهذه الاعتداءات قد يكون سهلاً، وان كان توقفه يبدو صعباً لأن النفوس المريضة والحقد الذي يعتمل في النفوس، الناجم عن الكره للاسلام، كما للآخر عند هؤلاء، لن يتوقف.   

لكن لنعترف بحقيقة أن الحرب التي تُشَن علينا هي حرب ناعمة وأصحابها يتلطون خلف شعارات مضلِّلة، وهي خطيرة جداً لأنها تحقق الاختراقات في أكثر من ساحة. وهذا ما نلاحظه في تأثر العديد من المحجبات بهذه الحرب التي تدفعهن إلى الضعف والتخلي عن حجابهن. فضلاً عن أن الخوف الناجم من تلك الضغوطات يدفع الأهالي إلى الامتناع عن قبول ارتداء بناتهن الحجابَ خوفاً عليهن من التعرض للاساءة والضغوطات واحتمال عدم توظيفهن بعد انتهائهن من الدراسة. قد يكون هناك رأي يريد أن يتفهم هذه المسألة بحدود معينة، ولكن عندما يصبح الامر ظاهرة فإن المسألة تحتاج إلى التعاطي معها بطريقة جادة ومسؤولة من خلال دعم الأهالي والوقوف إلى جانبهم وحثهم على التمسك بما يرونه صحيحاً.

إن مسؤولية المراكز والمؤسسات الإسلامية كبيرة جداً في مواجهة هذه الجبهات والحرب على بناتنا ونسائنا. وتتحمل النساء الواعيات في الجالية مسؤولية كبيرة في مواجهتها، لأنهن الأجدر بذلك، ما يعني إعطاءَهن دوراً أكبر في ساحات العمل الجاليوي، وتأسيسهن للمنابر التي تبيّن رأيهن وواقعهن إلى جانب الرجال.

المجتمع هنا بغالبيته مجتمع متسامح وقريب، لكن قسماً منه يخضع للاعلام المتطرف والأفكار اليمينية العنصرية وهو لم يسمعنا. ويحتاج أن نقدم له صورة ونموذجاً يعيد من خلالهما قراءته لحقيقة ما تقوم عليه أفكار مواطنين ومواطنات ينتمون إلى هذا البلد كما اقرانهم، ويحملون همّ المجتمع كما الآخرين، وساهموا ويساهمون في بناء مستقبل وطنهم مثل غيرهم، بل ربما أكثر.

وهنا أود ان أشير إلى أهمية  دور الإعلام في تغيير النظرة العدائية تجاه ديننا وعناوينه التي من أبرزها الحجاب. مسؤوليتنا كبيرة جداً. وكل تقصير من أي قادر هو إضعاف للجالية ولوجودنا ولمستقبلنا ومساهمة غير مباشرة في استهدافنا. نعم، نحتاج إلى إعلام يخاطب شركاءنا في هذا الوطن بلغتهم.

مهما كانت نسبة النجاح فستساهم في التخفيف من هذا الكره. قد يأخذ ذلك وقتاً، لكن مع النوايا الصادقة والتكاتف يمكننا أن نحقق الكثير، فهل من مجيب؟