زينب مرعي
مقتل كنديين وسواهم بأيدي كنديين
"باييتا، لا أسمعك! في الخط مشكلة... إن كنت تسمعني أريدك أن تعلم أني أحبك! أَبخيرٍ أنت؟ سأضطر لإقفال الخط لعلَّك تتمكن من الاتصال بي مجدداً، فلست أسمع صوتك، لكني لا أرغب في إقفال الخط. أحبك"... كلماتٌ قالتها زوجة الرائد باييتا هِسْفُن إدغَر كرودَنر وهي قلقة، والكلام نقله الصحافي الاستقصائي الراحل روبِرت فِسك عام 2016.
وكان الرائد في مَهمة أممية لحفظ السلام في لبنان عام 2006 حين اتصل بزوجته في أونتاريو خشيةً منه أن لا يتمكن بعدها من مكالمتها. وسرعان ما وردَ خبر مقتله ومقتل سبعة لبنانين كنديين من آل الأخرس بصواريخ المقاتلات الجوية الإسرائيلية.
آنذاك، انضم عشرات الشباب الكنديين إلى القوات الإسرائيلية في حربها على لبنان، وفقاً لما ذكره موقع "أخبار اليهود الكنديين".
وفي السياق نفسه، تعمل الجماعات الصهيونية النافذة على استغلال سفارتها وقنصليَّتَيها، والمدارس والجامعات في كندا لحثِّ الشباب والشابات على التجند في الجيش الإسرائيلي.
معارضةٌ قانونيةٌ للتجنيد لمصلحة الجيش الإسرائيلي
يخفف من وطأة الخبر اجتماعُ الجهود لمعارضة التجنيد الإسرائيلي غير القانوني الدائر في كندا، خصوصاً أن القانون المتعلق بالتجنيد لمصلحة القوى الخارجية ينص على الآتي: "في كندا، يُعتَبَر جانياً أي شخص يجنِّد فرداً أو مجموعةً، أو يستميلهما للانخراط في القوات المسلحة لأي جيش أجنبي كما في غيرها من القوات المسلحة العاملة في الدولة نفسها، أو لقبول عمولةٍ أو شراكةٍ معها". ولا يُستَثنَى من القانون إلا المواطنون الإسرائيليون غير الكنديين.
وعليه، تبنَّت الحملةَ والندوةَ المرادفةَ من أجل معارضةِ التجنيد غير القانوني منظماتٌ كندية وغيرُ كندية فاق عددُها الخمسين، منها "مصلَّى الهادي، رابطة أونتاريو الفلسطينية العربية، اليهود العاملون لحق عودة الفلسطينيين، الكنديون العاملون لإحقاق العدالة والسلام في الشرق الأوسط، جدَّات أوتَوا الثائرات، المجلس الكندي الفلسطيني، كنيسة شارع باثيرست المتحدة (تورنتو)، ائتلاف كيبك لمقاطعة البضائع والاستثمارات الإسرائيلية ومعاقبة إسرائيل، ائتلاف هاملتن لإنهاء الحرب، الاتحاد الكندي لعمال البريد، والأصوات اليهودية المستقلة".
وقد احتشد 500 متابعٍ في الثالث من شباط الجاري عبر "زوم" و"فايسبك" للتداول في مسألة التجنيد، التي تجاهلتها المواقع الإعلامية الرئيسية، كما قالَ محامي الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية في مونتريال، جون فِلبُت، والحاخام المقيم في هاملتن، دايفِد ميفاسير.
وفي الوقت نفسه تُدُووِلَت عبر "تويتر" عبارة "NoCanadians4IDF#" (أي: لا لانخراط الكنديين في جيش "الدفاع" الإسرائيلي).
الخبر أوصِل إلى الوزير لاميتي والشرطة الكندية
حتى الساعة، وُجِّهَت ألفا رسالة على الأقل لوزير العدل دايفِد لاميتي، منها سبعمئة أُرسِلَت أولاً إلى روب أورايلي رئيسِ مكتبِ مفوَّضَةِ شرطةِ الخيالة الملكية الكندية. وقد طُولِبَ المسؤولان تكراراً بالتحقيق في التجنيد الدائر في كندا لمصلحة ما يُسمَّى "قوات الدفاع الإسرائيلية".
أما الندوة فرَعَاها موقع "الملفات الكندية" (The Canada Files) ومجلة "الربيع" الاشتراكية (Spring Magazine)، والندوة جزءٌ من الحملة والشكوى الرسميتَين اللتين أُطلِقتا خريفاً.
كيف تُصوَّر إسرائيل للشباب الكندي في نظام التعليم اليهودي
يشير الحاخام دايفدِ ميفاسير إلى أن المدارس اليهودية التي كان أولاده يرتادونها في فانكوفر درَّستهم بشأن إسرائيل "التي تشكل لأغلب اليهود جزءاً من الحياة. فهي بمثابة أرضِ الأجداد ومعقل قصص التوراة، وهي في صلواتنا.. كذلك تضمَّن التعليمُ مسألة الجيش الإسرائيلي، وكان الجنود الإسرائيليون يحضرون إلى مدارس أولادي ليحدثوا الطلاب عن المعارك وما يصفونه بالشجاعة والبطولة ودفاع الجيش عن اليهود. وظلَّ ذلك يتكرر حتى أنهى أولادي المرحلة الثانوية.
يؤدي أفراد من الجيش الإسرائيلي خدمتهم في معظم صروح الدراسة اليهودية في كندا... فوظيفتهم تقتضي التواصل مع أبناء قوميتهم في الخارج والتعليم في المدارس اليهودية كي يبنوا رابطاً بين يهود العالم وإسرائيل".
لكن بناءً على تفكيره النقدي يشير ميفاسير إلى ما توصل إليه: "تساءَلتُ عن الأمر، فلَم أقتنع بما يجري. وبمرور السنوات، علِمت المزيد بشأن حقيقة أفعال الجيش الإسرائيلي اليومية في كل فلسطين، التي لا تنحصر بالضفة الغربية أو بغزة... مِن اقتحام منازل الناس ليلاً، إلى جَرِّ الأطفال من أسِرَّتهم، ونصب الحواجز على الطرقات في كل المناطق لمنعِ الناس من السفر من قرية أو بلدةٍ إلى أخرى، واعتقال الناس تعسفاً، وإعمالِ العنف، ومنع المزارعين والمتسوقين الفلسطينيين من حماية أنفسهم من عنف المستوطنين، فما إلى ذلك...
هذا لا ينبغي أن يكون في مدارسنا التي تدعمها جاليتنا اليهودية، ولا أن يكون جزءاً من التعليم الذي نقدِّمه لأولادنا"...
"تمجيد" طريقِ موتِ الجميع و"تنميق صورته"
"إذاً بعد كل هذا التمجيد والتنميق لصورة الجيش تذهب فئةٌ قليلةٌ من الكنديين اليهود بعد تخرجها إلى الاعتقاد بوجوب الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي كي تخدم الشعب اليهودي. وهذا ما يفعله العشرات كل عام"، والكلام للحاخام.
"ففي أذهانهم صورة منمَّقة، لكن سيتبين أن تجربتهم ليست في الواقع مشرقةً ومُسعِدةً وحاميةً لليهود. يتصرفون وهم غير واعين لما يفعلونه بالفلسطينيين، أي أنهم غارقون فحسب في تجربتهم.
وهنا أشير إلى أن الانتحار شكَّل السبب الرئيسي لموت الجنود الإسرائيليين العامَ المنقضي. وفي 2019، انتحرَ ثلاثةٌ من المجنَّدين الأجانب. لكن لا أحد يأتي على ذكر هذا الواقع في نظام التعليم اليهودي خاصتنا.
وعليه، أعتقد أن علينا وعلى الجالية اليهودية الآن التفكير بعمقٍ، والصدق مع أنفسنا... فهل هذا ما نريده في مدارسنا التي تدعمها منظماتنا اليهودية؟
والحقيقة أن المنظمات الكبرى لدى الجالية اليهودية تمكنت في عقودٍ من الزمن من بناء ما يكفي من التأثير في أوساط الحكومة الكندية لدرجةِ تكوين الحصانة التامة لهذا النوع من الأنشطة، فلا أحد يسائلها"...
بيد أننا "لا نستطيع أن نكتفي بالقعود بانتظار تغير الأحوال"، والكلام لرايتشل سْمول مُضيفة الندوة، وإحدى أعضاء منظمة "العالم بدون حرب".
للموضوع تتمة، فشكراً للمتابعة!
الصورة الأولى (يساراً): محامي الدفاع جون فِلبُت متحدثاً عبر "زوم"
الصورة الثانية: وصلت وزير العدل والمدعي العام في كندا دايفِد لاميتي ألفا رسالة على الأقل تعارض تجنيد الكنديين في الجيش الإسرائيلي، الصورة من صفحة الوزير على تويتر
الصورة الثالثة: مدخل القاعدة الأممية حيث قُتِل الرائد باييتا هِسْفُن إدغَر كرودَنر وثلاثة مراقبين أممين آخرين بصواريخ المقاتلات الإسرائيلية في حرب تموز عام 2006، الصورة من وِكِميديا كومنز