حسين حب الله - مونتريال
في المقابلة التي أجريناها مع عضو "طاولة الحوار المتعدد الأديان" الشيخ حسن غيّة حول الاجراءات الحكومية المتعلقة بمحاربة الوباء، أطلق غيّة صرخة لفت فيها إلى أن "أكثر مساجدنا تعيش ضائقة اقتصادية، واستمرار الوضع على ما هو عليه يشكل خطراً كبيراً على هذه المساجد وعلى الدور البنّاء الذي تلعبه في خدمة المجتمع". وفي الوقت نفسه هناك معاناة كبيرة تحيق بأهلنا في بلادنا الأم لا ينبغي أن نغفل عنها، سيما أن هناك من بدأ بفتح الباب لمساعدة المحتاجين في تلك البلاد ومنها لبنان، الذي يعاني ما يعانيه بفعل تدهور سعر العملة الوطنية والفساد المستشري والضغوطات التي تمارسها أطراف خارجية لا تريد الخير لِلبنان وأهله.
كلام غيّة لم يُطلق على عواهنه بل هو ناجم عن المعاناة التي بدأت تمرّ بها بعض المؤسسات بفعل تأثيرات وباء "الكوفيد 19". فمن الطبيعي أن تعاني مساجدنا من شحّ الموارد، كما هي حال المراكز الدينية الأخرى بفعل توقف الناس عن التردد إلى هذه المراكز العبادية وخلوّها من الأنشطة التي كانت تُقام بشكل دائم قبل انتشار الوباء، وإقرار إجراءات تمنع الناس من التجمع خوفاً من انتشار الوباء بين الناس. معاناة تحدّث عنها العديد من أئمة المساجد في جلسات خاصة وعامة، لكن لا يبدو أنها كانت تلقى التجاوب المطلوب من مُرتادي هذه المساجد، ربما لاعتقادهم أن غيابَ الأنشطة في هذه المؤسسات يعني أنه لا أعباء مالية مترتبة يجب دفعها.
والحقيقة أن الأعباء المترتبة على أية مؤسسة منها الثابت ومنها المتغير. فالدفعة الشهرية للمصارف او لِمقدِّمِي القروض ثابتةٌ لا تتغير، وإن كان هناك تأجيل مؤقت في دفعها فهي ستبقى في ذمّة المؤسسة. ومصاريف خِدْمة المساجد هي أيضاً ثابتة لأن الذين يقومون بها لا يمكنهم تحصيل معاشهم من مصادر أخرى بعد ان عملوا في هذه المؤسسة او تلك لسنوات طويلة وكانت هي المصدر الرئيس لهم ولعائلاتهم. نعم، هناك الذين كانت لديهم فرص أخرى تمكنهم من الاستغناء عن مرتبهم الشهري من المؤسسة وكثيرون لم يقصّروا عندما أتيحت لهم هذه الفرصة، سواء عبر مصادر بديلة أو من خلال برامج حكومية. لكن الكثيرين لا تتوفر لديهم هذه الامكانية بفعل وجودهم في هذه البلاد من خلال عقود موقّعة لا تتيح لهم الاستفادة من أية مصادر أخرى، ما شكل عبئاً على هذه المؤسسات يهدد بقاءها في المستقبل، إذا لم يُبادَر إلى رفدها بالدعم المطلوب، سواء من جانب الدولة أو من جانب مُرتادِي هذه المراكز الدينية.
"فمساجدنا تعيش على تبرّعات المصلين. هذه التبرعات تساهم في دفع مصاريف المسجد ومساعدة الفقراء والمحتاجين"، كما قال غية في اللقاء مع "صدى المشرق". وتراجع هذه التبرعات لا شك أنه ترك ويترك آثاراً سلبية على المشاريع التي كانت تقام. والحاجة إلى إعادة تفعيلها من قبل المؤمنين باتت ضرورية للحفاظ على هذه الأنشطة واستمرارها. فأي تراجع في تلك الخدمات سيخلِّف آثاراً سلبية على الكثيرين الذين يرَون في دَورِ المساجد عاملاً أساسياً في مساعدة الناس لتجاوز الأزمات النفسية الناجمة عن وباء "الكورونا"، أي بِفعل الحجر الذي فُرض على الناس وما نجم عنه من تباعد اجتماعي منعَ التقاءَهم فتراتٍ طويلة، ما شكل المزيد من الضغط النفسي على العائلات.
لا شك أن التعلق بالله في معظم الاحوال هو أمر في غاية الأهمية، ولكنه في ظل الأزمة الناشئة عن الوباء هو أكثر إلحاحاً، فالمساجد تلعب دوراً مهماً جداً في رفد النفوس بالأمور الروحية التي تساعد الانسان على تجاوز المحن التي يمر فيها، ليبقى واقفاً على قدميه في وجه تحديات الوباء النفسية.
إن مساعدات الدولة ـ إن وُجِدت ـ لن تكفي وحدها في تغطية التكاليف، سيما في المؤسسات الكبيرة التي كانت تقوم بأنشطة جبّارة قبل انتشار الوباء، ومنها ما لا يزال يقوم بأنشطةٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي تلقى تفاعلاً مقبولاً، وهو ما يحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي على السواء لاستمراره.
وينبغي إلفات النظر هنا إلى أن "المساجد في شهر رمضان تنظّم موائد الإفطار الجماعية لتعزيز روح الإخوة والمحبة من ناحية، ومن ناحية أخرى لإفطار المحتاجين من طلاب وأشخاص لا عوائل لهم وغيرهم من محتاجِي المساعدة"، كما جاء في المقابلة مع غية. نعم، هناك محتاجون في كندا من الذين لا يجدون مسكناً لائقاً أو ملبساً مناسباً او مأكلاً كافياً يُطعمون به عيالهم وأنفسهم، لأسباب متعددة لا مجال للخوض فيها في هذه الكلمة.
الحاجة الماسّة في كندا لا ينبغي أن تنسيَنا أهلنا في البلاد الأمّ، سيما في لبنان واليمن وسوريا والعراق وغيرها من البلاد التي تعاني من الفقر والجوع والحروب والظلم والفساد.
في كندا هناك مؤسسات تنشط لجمع التبرعات لهؤلاء وإرسالها إليهم عبر الطرق القانونية. وشهر رمضان فرصة ذهبية لكي يبادر أهل الخير إلى مدّ يد العون - ما أمكنهم ذلك - في الداخل والخارج، سيما الميسورين منهم. ولا نحتاج هنا إلى الحديث عن حاجة أهلنا في لبنان وغيره إلى المساعدة في هذه الظروف العصيبة. فالحاجة بيّنة والعوز لا لبس فيه، وأهل الخير بيننا ليسوا قلة وأصحاب الأيادي البيضاء لا تخلو منهم كندا.
نحن مقبلون على شهر رمضان في الأيام القليلة القادمة، وهو شهر العطاء والبذل والإيثار وشهر الصدقة ورعاية المحتاجين والأيتام. فحبذا لو يلتفت أهلنا وعائلاتنا إلى مساجدنا ومؤسساتنا الدينية والمحتاجين في كندا وخارجها لتقديم الدعم لها بما أمكن. فكندا فيها الخير الكثير - كما أهلها، وهي تفتح الأبواب مشرعة وتسهّل جمع التبرعات، لصرفها سواء في الداخل او الخارج، من خلال الجمعيات الخيرية المسجّلة لدى السلطات المختصّة. وعليه فلْنبادر إلى بذل ما أمكن، و"ما نقص مالٌ من صدقةٍ". وهي ـ كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أُبرم إبراماً، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة" .