هل المسؤولون في كيبك جادّون في مواجهة كل أشكال العداء والكراهية والتمييز؟

  • article

حسين حب الله ـ مونتريال

لا يتوقف مسلسل الكراهية والعداء والتمييز في كيبك وغيرها بحقِّ المواطنين الذين يختلفون في الدين أو اللون. من بين آخر هذه الجرائم تعرُّض شاب وشابة أسودين للاعتداء من قبل الشرطة في مدينة كيبك وقيام أحد المواطنين بنشر تهديد بقتل اليهود على صفحته على الفيسبك. وهو ما يؤكد الحاجة الى المزيد من الاجراءات العملية الصارمة بحق هؤلاء الكارهين.

فقد انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر رجلًا يرتدي زي الشرطة ومعه عدد من زملائه وهو يركل الثلج نحوَ وجه صبي صغير. ويمكن رؤية ضابط آخر وهو يوجه ضربات متعددة بينما كان الصبي مستلقيًا على الأرض وهو مقيد. وفي الوقت نفسه، على بُعد أمتار سمعت شابة سوداء تصرخ بينما كانت الشرطة تسحبها عبر الثلج، وهي تُشد من شعرها.

الحادثة، التي وقعت مساء الجمعة في السادس والعشرين من تشرين الثاني الجاري في مدينة كيبك، لا شك أنها كانت موضع إدانة من قبل الكثيرين من السياسيين والناشطين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء فرانسوا ليغو ورئيس بلدية كيبك برونو مارشان (Bruno Marchand) مع وعود أطلقها الأخير بالتحقيق فيما جرى. وهو ما أكده رئيس جهاز الشرطة في مدينة كيبك دني توركُت، الذي قال إن شرطة كيبك (SPVQ) فتحت تحقيقًا في الاعتقال العنيف الذين طال المراهقين الأسوَدين وتعمل على معرفة الدور الذي لعبه كل من ضباطها في تدخلهم. توركُت أضاف: "لن أتسامح أبدًا مع أي تمييز، لكنني أكرر ثقتي الكاملة بشرطة مدينة كيبيك... إنه أمر مقلق وسنحاول تسليط الضوء على [ما حدث] والحصول على إجابات محددة بسرعة كبيرة".

تحقيقات قد تأخذ وقتًا غير قصير لكن نأمل أن تتوج بمواقف جادة وإجراءات جذرية تكشف الحقيقة أولًا، وتنزل أشد العقوبات بالمذنبين حال ثبوت التهمة، سيما أن الاعتداءات التي تطال المواطنين السود تتكرر بشكل دائم في أكثر من مدينة من قبل الشرطة وغيرها.

نعم، المطلوب هو مواجهة مرتكبي الجرائم والمخالفات الذين يتجاوزون القانون بكل حزم، بِغض النظر عن لونهم او دينهم. ولكن المشكلة التي تواجه المجتمع بشكل عام هي في الصورة النمطية العنصرية التي تترسخ في أذهان الكثير من الناس ولا سيما في قطاع الشرطة. فالمواقف المستنكرة لما يجري وحدها لا تكفي، بل الأمر يتطلب جملة امور في مقدمها أن يكون هناك تثقيف عملي للشرطة عبر إدخال المزيد من الاشخاص السود الى هذا الجهاز، ورفع كفاءة ضباط الشرطة وتدريبهم على ضرورة الالتزام بالقوانين المرعية عند التعامل مع الأفراد الذين يرتكبون مخالفات معينة، خصوصًا المتعرضين للظلم والمهانة أكثر من غيرهم، سيما إذا عرفنا أن مواجهة الشرطة للسودِ تكون عادة أعنفَ من مواجهة غيرهم من المواطنين البيض. وإلا فإننا لن نخرج من هذه الدوامة وسنبقى نشهد المأساة تلو الأخرى.

على صعيد آخر أُدين رجل من مدينة تِرْوَا ريڤيير، التي تبعد عن مونتريال حوالي 140 كلم، بتهمة التحريض على الكراهية بعد أن هدد بقتل اليهود في منشور على فيسبُك. ففي كانون الثاني – يناير من عام 2021، قارن باتريك لاڤوا (Patrick Lavoie) اليهودَ بمجموعة من الاستغلاليين والعنصريين. كما اقترح تفجير كنيس يهودي في مونتريال ووضع الناجين الباقين على متن طائرة و"التخلص منهم".

في قرار المحكمة اتُهم لاڤوا بنشر التصريحات في مكان عام للتحريض على الكراهية لِمجموعة محددة. وحصل على حكم مع وقف التنفيذ وسنتين تحت المراقبة تضمنت خدمة المجتمع الإلزامية.

هذا التحريض على الكراهية والترويج للقتل عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها ليس مقبولًا على الاطلاق، وهو يحتاج الى علاجات جذرية لا تقتصر على إنزال أشد العقوبات بالمذنبين، بل تمتد الى مراجعة السياسة الحكومية العامة تجاه المواطنين لتضع حدًا لأشكال التمييز التي تحاول فرضها بين المواطنين من خلال التصويب على مُرتدي الرموز الدينية وإظهارهم كأشخاص غير مرغوب فيهم في المجتمع. فإذا كانت الدولة تسن مثل هذه القوانين التمييزية فلا عتبَ على المواطنين البسطاء.

ما نلاحظه حتى اليوم أن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح بفعل التعاطي الخاطىء مع مثل هذه الجرائم ودوافعها. فقد شهدنا بعد إقرار القانون الواحد والعشرين تعرض المحجّبات بشكل خاص وأيضًا اليهود والسيخ للاعتداءات اللفظية، حتى الجسدية في بعض الحالات في الشوارع.

ما جرى ويجري على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشوارع بحق اليهود وغيرهم من المواطنين من الأديان والأعراق الأخرى ليس منفصلًا عن التأثيرات التي تركها القانون الواحد والعشرون. وهو في حالة اليهود أيضاً مرتبط بالعداء للسامية المرفوض جملةً وتفصيلًا كما نرفض "الإسلاموفوبيا". وأي علاج لا يلحظ هاتين المسألتين سوف يكون ناقصًا ولن يساهم إلا في تسكين الجروح والآلام الكثيرة بدلًا من تضميدها بشكل نهائي.

كل التضامن مع الذين يتعرضون للتمييز والإعتداء والتهديد، سواء كان على خلفيات عرقية أو دينية. ونشدّ على أيدي المسؤولين لمراجعة الأسباب الحقيقية لها والعمل على مواجهتها في النصوص والنفوس، بدلًا من الاختباء وراء إصبع العلمانية لتحقيق أهداف تضرب التعددية والحرية والأمن الإجتماعي في الصميم.  

 *صورة من مقطع فيديو يظهر رجال الشرطة يضربون ويدفعون الثلج في وجه شاب أسود بينما هو مثبت على الأرض. المصدر: فيسبوك