هل ساهمت الجالية في إسقاط دِني كودير؟

  • article

حسين حب الله ـ مونتريال

فعلتها عمدة مونتريال ڤاليري پلانت مرة أخرى. نجحت السياسية التي وصلت إلى السلطة عامَ 2017 – مفاجِئةً الكثيرين كَرئيس البلدية آنذاك دِني كودير – في الفوز بولاية أخرى، وهي أول امرأة تُنتَخَب لمنصب عمدة لمونتريال.

پلانت، العمدة الخامسة والأربعون لمدينة مونتريال، نفذت حملتها بناءً على وعود بمواصلة تعزيز التحول البيئي للمدينة، وتحسين النقل العام، والإسكان الإجتماعي الذي يسهل الوصول إليه.

فوز پلانت الأول من أمس الأحد شكّل سقوطاً مدوّياً لرئيس حزب "Ensemble Montreal" دِني كودير، ما سيُعتبَر نهاية لحياته السياسية، سيما أنها الخسارة الثانية بعد سقوطه عامَ 2017 أمام پلانت نفسها.

هذه الخسارة لها أسبابها العديدة، منها أن "التركيز كان على شخصية كودير أكثر من برنامجه الانتخابي الذي كان مهمًا جدًا وعميقًا"، كما قال المستشار في بلدية مونتريال وعضو حزب "Ensemble Montreal" عارف سالم، اللبناني الأصل، في مقابلة أجراها معه الأستاذ حسن غية على "قناة كنار" مساء الأحد الماضي.

واعتبر سالم أن "لا شك ان هناك أخطاء حدثت في الانتخابات وكان من الممكن أن يكون العمل بطريقة أفضل. ارتُكِبَت أخطاء دفعنا ثمنها. وفي النهاية الكلمة الأخيرة هي للناخب الذي أخذ قراره بالتصويت بهذه الطريقة، وعلينا أن نحترم هذا القرار".

سقوط كودير ومعه آخرون كان محل ارتياح عند قسم كبير من الجالية بعد أن أعلن لمنظمة "بناي بْرثْ" المؤيدة لإسرائيل – رداً على استبيان قدَّمته – أنه ملتزم التزامًا تامًا بتبني تعريف التحالف الدولي لمعاداة السامية (IHRA)، الذي يعتبر انتقادَ إسرائيل نوعًا من العداء للسامية. فيما لم يرد حزب ڤاليري پلانت على استبيان منظمة "بِناي بْرثْ" المقدَّم الشهر الماضي.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل لعبت الجالية دوراً في سقوط كودير؟

المستشار البلدي سالم أجاب على هذا التساؤل حين قال: "في أماكن تواجد الجالية العربية والاسلامية في مناطق سان لوران، كارتييه ڤيل، أهانتسيك ، سان ليونار، وشمال مونتريال هناك تقدم لحزب "Ensemble Montreal" بشكل كبير، ولا يزال من المبكر الحديث عما إذا كان هناك تأثير لهذا الموضوع".

ما كان واضحًا في البداية هو التخبّط الواضح في صفوف الناخبين في الجالية حول الجهة التي ينبغي أن يصوّتوا لها. ولكن علمت "صدى المشرق" أن الكثيرين حسموا خيارهم بعدم التصويت لكودير بعد أن علموا بمواقفه بخصوص موضوع المساواة بين انتقاد اسرائيل والعداء للسامية. لكنهم في الوقت ذاته صوّتوا لمرشحين عرب على لوائحه، من أمثال عارف سالم في سان لوران وعبد الحق ساري في شمال مونتريال وأريج القربي في سانت ليونار، الذين فازوا في هذه الانتخابات. وهو ما يشير إليه سالم حين يقول: "لا شك ان الحضور الإسلامي ضمن حزبنا أكبر مما هو عند "Projet Montreal" وكذلك بالنسبة للتنوع العرقي وغيره"، ما يعني وجود علاقة مع المرشحين من أصول عربية أو إسلامية من دون أن يعني الأمر التصويت لرئيس الحزب.  

المسألة المهمة الأخرى التي ينبغي التوقف عندها مليًا هي أن مسالة تعريف المعاداة للسامية وربطه بانتقاد اسرائيل "لم تكن قضية انتخابية كما القضايا الأخرى". فالناخب المونتريالي لا يعتبر هذه القضية أولوية، بل يقدم قضايا حياتية تحتل سلم أولوياته مثل قضية الإسكان التي تحدثت عنها بلانت بعد فوزها، قائلةً: "سيكون التعامل مع أزمة الإسكان في المدينة على رأس أولوياتي في الأيام المئة الأولى من ولايتي الثانية". إضافة إلى أن الإعلام في كيبك لم يتعرض لهذه المسالة – لا من قريب ولا من بعيد وقتَ الانتخابات، بل ركز على المواضيع الشخصية المتعلقة بهذا المرشح أو ذاك.

وعلى صعيد الجالية لم تُثِر هذه المسالة الإهتمام اللازم لأمور منها: عدم الاطّلاع الكافي على موقف كودير مسبقًا، مع أنها اثيرت في وقت سابق حين قدّم حزب "Ensemble Montreal" اقتراحًا عامَ 2020 إلى مجلس المدينة لصالح اعتماد تعريفِ "الإئتلاف الدولي لذكرى المحرقة" (IHRA). حينها سقط الاقتراح الذي لم تدعَمه إدارة پلانْت، كما وقف في وجهه ناشطون في الجالية وجمعيات أخرى أبرزها "الأصوات اليهودية المستقلة" (IJV). وعاد الموضوع ليتحرك مجددًا حين أعلنت منظمة "بِنايْ بْرِثْ" موقفَ كودير.

لعل صدى المشرق كانت الوسيلة الاعلامية الوحيدة التي أثارت الموضوع العامَ الماضي وفي أكثر من مناسبة، سيما التركيز على ما جرى مع كودير في مسجد "المركز الإسلامي في كيبك" (ICQ) الذي يقع في منطقة سان لوران في تقرير حظي بانتشار واسع في أوساط الجالية https://www.sadaalmashrek.ca/ar/Community/content/96de73be-3fa3-4d76-bcf6-eaf39c393a47 .

سبب آخر هو سكوت العديد من أطراف الجالية عن الموضوع رغم علمهم به، لحسابات واعتبارات خاصة بهم قد يكون بعضها مفهومًا، وبعضها الآخر يكشف عن غض الطرف عن قضية أساسية بات البعض يخشى إثارتها خوفًا من تعرضه لضغوطات من الجهات التي تقف وراء تسويق هذا التعريف بين السياسيين. وهذا الأمر ينبغي أن يفتح باب النقاش على مصراعيه حول أمور متعددة، منها لماذا بات البعض لا يعير اهتماماً لهذا الموضوع ويتجنب الخوض فيه؟ هذا في وقت لا يتورع من يتبناه على الجهر به دون أي اكتراث لرأي الجالية لأنه يعتبر أن صوتها الانتخابي ضعيف بسبب إحجامها عن المشاركة في هذا الاستحقاق.

ولعل من القضايا الأساسية الاخرى التي تُثار عند كل فترة انتخابية قضيةُ مشاركة الجالية ونسبتها، فالشكوى الدائمة هي قلة مشاركة الجالية. وهي مسألة تحتاج إلى جهود كبرى لتفعيلها.

في الانتخابات البلدية في مونتريال نشط كثيرون في العمل مع "الماكينات" الانتخابية لدى الفريقين الرئيسيين، وهو أمر جيد لأهمية تواجدنا في كل الأحزاب. لكن من المبكر معرفة النسبة والحكم عليها، مع أن أجواء الناشطين كانت تقول إن المشاركة ستكون فاعلة. لكن في كل الاحوال فإن مشاركة الكيبكيين ـ عموما ـ في الانتخابات البلدية متدنية جدًا وقد لا تصل إلى الأربعين بِالمئة، وهذا أيضًا ينطبق على الجالية. لكن على الجميع أن يعرفوا أن كلًا من قيمتنا وقوتنا وحضورنا مرتبط بنسبة المشاركة في مثل هذا الاستحقاق الانتخابي. وهو ما عبَّر عنه سالم بالقول: "إذا كان عددنا مئة ألف ناخب وصوّت منّا 2000 فمعناها أن قيمتنا هي 2% من حجمنا". وبالتالي فان حجم تأثيرنا سيكون بهذا المقدار واحترام السياسيين لنا سيكون كذلك.

في الانتخابات كان هناك مرشحون كثر من الجالية على لوائح كل الاحزاب وفي الكثير من المدن في كيبك. قليل منهم تمكن من الفوز على لائحة هذا الحزب أو ذاك، ولكنها كانت إشارات إيجابية على حجم المشاركة، والحس المتنامي بالمسؤولية، والمشاركة في صنع القرارات السياسية المرتبطة بحياة المواطنين.

لا نزال نتقدم في مسيرتنا لحجز مكان لنا بين الفاعلين في الحياة العامة والمؤثرين في صياغة المستقبل. والأمل – كل الأمل – أن نكمل هذا الطريق بشكل مدروس أكثر، بتخطيط أكبر وتنسيق أوسع بين العاملين. هذا هو الطريق الصحيح الذي من خلاله سنحقق لأبنائنا وبناتنا مسقبلًا أفضل وسنحفظ وجودهم وسنحافظ على هويتهم وسيُحسَب لنا الحساب عند كل استحقاق.