حسين حب الله ـ مونتريال
نحن على أعتاب الذكرى الخامسة لجريمة اطلاق النار التي استهدفت المصلين في المسجد الاسلامي الكبير في مدينة كيبك، والتي راح ضحيتها ستة مصلين هم عبد الكريم حسان، أبوبكر الثابتي، عزالدين بالقاسمي، خالد بالقاسمي، محمدو باري وإبراهيم باري. الجريمة نفذها ألكسندر بيسونت عن سابق تصور وتصميم بحقِّ أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم مسلمون كانوا يؤدون صلاتهم في مسجد طالما قصدوه للتقرب إلى الله. ومنذ ذلك الحين، رغم كل الادانات والمواقف والمبادرات، لم تتوقف الاعتداءات على المسلمين، التي كان أبرزها الاعتداء الذي قام به ناثانيال ڤيلتمان واستهدف عائلة مسلمة في مدينة لندن، أونتاريو في السادس من حزيران العام الفائت، ما أدى الى استشهاد أربعة أفراد من عائلة واحدة. وبين الاعتداءين وقبلهما وبعدهما حدثت وتحدث اعتداءات تطال المسلمين في اكثر من مدينة كندية من البحر الى البحر، والدافع الأول هو الكراهية التي تحرك هؤلاء المعتدين، والتي يغذيها إعلام محلي وعالمي وتشجعها سياسات رسمية، وإن بدَت أنها غير ذلك.
عندما يمنع حزب في السلطة في كيبك المسلمات المحجبات من العمل في مجال التعليم الرسمي تحت شعار منع الرموز الدينية، فإنه يشجع بطريقة مباشرة على الكراهية لِلمعلمات في المجتمع الذي يعِشْن فيه، مهما حاول ليغو وفريقه إطلاق الكلمات المطمئنة.
قبل سنتين توجه فرانسوا ليغو على صفحته على الفيسبك في ذكرى مجزرة كيبك إلى جميع أقارب الضحايا بالقول: "أريدكم أن تعرفوا أن كيبيك تقف إلى جانبكم". بعد سنتين أكد ليغو أن ما قاله كلام لا معنى له ولا نَجد له أي أثر في الواقع. بل نجد ما يناقضه تمامًا، الذي كان آخره فصل المعلمة فاطمة أنوَري من عملها كمدرسة، فقط لأنها محجّبة.
منذ عامين قال وزير الاقتصاد السابق بيير فيتزجيبون أن سكان كيبيك "بحاجة إلى قبول التنوع". عن أي تنوع يتحدث فريق ليغو؟ هذا القرار يريد ضرب التنوع وقتل الانفتاح ويضع حداً للتسامح بين الشعب في كيبك ويقف في وجه الحرية الشخصية. التنوع يتطلب قبولاً بالآخر كما هو عليه ما دامَ لا يمارس إرهابًا فكريًا وفرضًا عقائديًا على الآخر – إرهابًا يمارَس من خلال قوانين تريد فرض عقائد وأفكار ودين جديد على الآخر من خلال تصوير الفكر المختلف عنهم بصورة سلبية تقود حتمًا إلى تغلغل الكراهية في النفوس.
لم تسعف الحاجة إلى المعلمات بسبب الوباء ونقص المعلمات في تراجع ليغو عن القانون الجائر، بل أصر على التمسك به عندما فصل أنوَري من التعليم، ما يؤكد عمق الاشكالية لديه ولدى فريقه تجاه المسلمين بالتحديد، رغم أن القرار يمنع جميع الرموز الدينية كلها. فالمسلمات هن الضحايا الكبريات لهذا القرار، والأخبار كلها تؤكد تأثيره على المحجبات بالخصوص لكثرة أعدادهن من جهة ولأنهن المقصودات بالدرجة الأولى بهذا القانون.
ما قام به بيسونت لم يأتِ من فراغ أبدًا، بل يتحمل مسؤوليته اليوم الذين هم في السلطة ما داموا مصرّين على التمسك بقوانين تقول للمسلمات إنهن غير مرغوب بهن ما دُمنَ متمسكات بحجابهن. والحل الوحيد أمامهن هو التخلي عن هذا الحجاب، الذي يُعد واجبًا دينيًا لا لبس فيه عند جميع المسلمين. قد يكون الهدف من وراء هذه القوانين هو دفع المُسلِمَات للتخلي عن دينهن، كما يعتبر الكثير من المسلمين. وهو ما قد يكون ليغو والذين يحملون أفكاره نجحوا فيه بشكل محدودٍ جدًا بفعل الضغط الذي تتعرض له النسوة في أرزاقهن ومستقبلهن المهني، وبفعل شعور هؤلاء النسوة أنهن متروكات لمصيرهن قبالة هذا الحجم من الضغوطات التي يتعرضن لها، وسط جالية لم تحدد أولوياتها بينما تتقاذفها التحديات الخارجية والداخلية.
إذا كان ليغو وفريقه يريدان الوقوف إلى جانب المسلمين في هذه الذكرى والفاجعة الأليمة، فعليهما أن يتجنبا في يوم التاسع والعشرين من كانون الثاني – في إحياء ذكرى الضحايا – تكرارَ معزوفة الإدانة الفارغة، وعلى ليغو أن لا ينشر على صفحته على الفيسبك قولَه إن قلبه مع عائلات الضحايا، ولا أن "يغرد" بشأن كَونِه محزونًا لما ارتكبه بيسونت بِحقِّ المصلين. هذا كلام لم يَعد له أي معنى في ظل وجود قانون يميز بين الناس على أساس الدين، وبين المعلمات على أساس ما يرتدينه من غطاء للرأس، أي على أساس الدين، وليس بناءً على الكفاءات العلمية التي يملكنها.
القانون الواحد والعشرين يسعِّر نار الكراهية بين المواطنين ويقدم الاختلاف الديني بينهم في الوظائف على أي اعتبار آخر، مما يزرع عميقًا في وجدان الكيبكيين والكيبكيات بذورَ التفرقة والتمييز، ما يقود حتمًا إلى شرخ بين المواطنين ويضرب التنوع الاجتماعي.
هذه الكراهية تترجم على مستويات مختلفة في كيبك، فضلًا عن كندا. هناك من يلجأ إلى الفيسبك للتعبير عنها كما يحصل بشكل دائم. وهناك من يستخدم القانون لمنع الآخر من ممارسة معتقداته كما في القانون الواحد والعشرين. وتصل الكراهية لدى البعض إلى أن يقوم بيسونت بقتل المصلين، أو أن يقوم آخرون بانتهاك حرمة المساجد – كما جرى لِمسجد الصحابة شرق مونتريال ( CCIQ) وغيره من المساجد، او بالاعتداء الجسدي على المحجبات في الشوارع، أو بِإطلاق السباب والشتائم بحق مسلمات ومسلمين في سوق هنا أو طريق هناك.
ما تنتظره الجالية في التاسع والعشرين من الحكومة الكيبكية ليس كلمات المواساة والتعزية وذرف الدموع، بل الوقوف الجدي في وجه من وما يؤدي إلى الكراهية، وفي الحد الأدنى فتح حوار جدي مع الجالية الإسلامية والاستماع إلى هواجسها، وهي جالية مفجوعة بفعل ما تتعرض له بشكل دائم وتحتاج الى ان تشعر بأنها جزء من هذا النسيج المتنوع، فهي التي ساهمت وتساهم في بناء البلد من خلال مساهمات المُنتمين إليها من الرجال والنساء في كل ميادين العلم والعمل.
يمكن لحكومة كيبك أن تقوم بتعيين ممثل خاص عن الحكومة لمتابعة موضوع تأثير هذا القرار على الجالية وعلى المرأة تحديدًا، والعمل مع الجالية لِما يطمئنها ويزيل كل مخاوفها، إلا اذا كانت هذه المخاوف وهذه الجالية لا تعني لِحزب التحالف من أجل مستقبل كيبك شيئًا!
وفي الوقت نفسه فإن الحكومة الفدرالية مطالبة بأن تُتابَع ما أعلَنته من مواقف إيجابية، كَإعلانها يومَ التاسع والعشرين من كانون الثاني من كل عام يوما لمحاربة "الإسلاموفوبيا" (الكره للإسلام) وكَكلامها في القمة التي عقدتها لمحاربة "الاسلاموفوبيا"، وذلك من خلال "العمل لتعيين مبعوث خاص لمناهضة "الإسلاموفوبيا" (الكره للإسلام) في كندا، تركِّز وظيفته على وقائع هذه المسألة وتكون بيدِه الموارد المطلوبة كي يُصار إلى تنفيذ خطة العمل المناسبة وفقاً لِما يلزَم"، كما طالب المنتدى الاسلامي الكندي في مذكرة نشرناها في "صدى المشرق" الأسبوع الماضي.
ما تطلبه الجالية ليس معجزة ولا يفوق طاقة المعنيين، بل هو حق بديهي في بلد يتغنى بالحرية الفردية وبالتنوع والتعددية. فهذا القانون وهذه الجريمة التي وقعت في 29 كانون الثاني تعني كل شيءٍ يناقض هذه المعاني.
لنا الأمل أن نجد الآذان الصاغية التي تزيل القلق وترفع الهواجس وتبعث الإطمئنان في النفوس رغم انتشار ضباب الكراهية واشتداد ظلمة الكراهية وتجذرها.
wikimedia commons: Sebastienbouchard1
Creative Commons Attribution-Share Alike 4.