"اللوبي" المؤيد لإسرائيل في كندا يشن هجومًا واسعًا... فهل ينجح في تحقيق أهدافه؟

  • article

حسين حب الله ـ مونتريال

 

لفت نظري الصمت الكندي حيال خبر ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي في كل العالم يوثِّق شجارًا بين شاب فلسطيني أعزل وجندي إسرائيلي مسلّح أولَ أمس الجمعة الثاني من شهر تشرين الثاني - نوفمبر. وعندَ محاولات بعض المارة المدنيين العُزّل افتكاك الشاب من بين يدي الجندي المعتدي هدّدهم الجندي بالسلاح. واستمر الجندي في اعتدائه على الشاب الأعزل بدون أي مبرر، وعندما حاول الشاب الدفاع عن نفسه قام الجندي بإطلاق النار عبر مسدسه من مسافة قريبة جدًا جدًا. وأظهر مقطع الفيديو تصويب الجندي مسدسه على المناطق العلوية من جسم الشاب الواقع أرضًا.، ثم قام الجندي المجرم بإفراغ مخزن مسدسه في الشاب عمار مفلح (22 عامًا) وأبقاه طريح الأرض مثخنًا بالجراح البليغة. وبهذا استبدلَ إطلاقَ رصاصة تحذير وتقييد حركة الشاب بقرار إعدامِه فورًا ومنعِ تقديم الإسعاف وتركِه ينزف حتى مفارَقَته الحياة

هذا فيما زعم جيش الاحتلال الاسرائيلي أنّ الشاب كان يحاول طعن الجندي، الأمر الذي يفنده مقطع الفيديو المتداول.

خبر آخر لافت جدًا قوبل بصمت مريب من المسؤولين الكنديين أثار الجالية العربية والاسلامية في كندا هو خبر استقبال كبار قادة المحافظين قادة إسرائيليين يمينيين متطرفين عنصريين مثل حاييم سيلبرشتاين من جماعة "Keep Jerusalem"، التي تقوم على فكرة أن هناك "الكثير من العرب" في القدس. ويرى سيلبرشتاين أن هذا أمر غير مقبول بشكل لا لبس فيه، كما هو واضح تمامًا من موقعه على شبكة الإنترنت ومقاطع الفيديو والعديد من المقابلات. وقد عبّر المجلس الوطني للمسلمين الكنديين (NCCM) عن خيبة امله كون "سيلبرشتاين هو أيضًا مؤيد بشكل مسعور للاستيطان غير القانوني، وهو دافع عن المستوطنات غير القانونية في أماكن مثل الشيخ جراح. وقد أدانت كندا رسمياً تلك المستوطنات غير القانونية". وأشار المجلس إلى أن "سيلبرشتاين ينظر إلى انتزاع الممتلكات من العرب في القدس على أنه عمل خير وأخلاقي، بل انتقدَ اليهود الذين يبرمون اتفاقيات تجارية مع العرب".

هذا ليس موضوع هذه المقالة رغم الصمت المخزي الذي يُمارس من قبل السياسيين الكنديين قبالة هذه الأحداث واللقاءات النافرة. لكنه أمر لا يمكن القفز فوقه عند الحديث عن الظلم وعن سياسة الكيل بمكيالين.

موضوعنا اليوم هو الحملة الشرسة التي قامت على الحفل الذي أقامته مجموعة الصداقة النيابية الكندية الفلسطينية بالتعاون مع تحالف الجمعيات الفلسطينية في كندا، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (الذي أعلنته الامم المتحدة عام 1977) مساء يوم الثلاثاء في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني - نوڤمبر في مبنى تابع للمجلس النيابي الكندي في أوتاوا، بحضور حشد من الشخصيات النيابية الكندية وممثلين عن السلك الدبلوماسي وعدد من السفارات وممثلين عن جمعيات فلسطينية وعربية في المدن الكندية، وبغياب إعلامي كندي واضح ترك أكثر من تساؤل بين المتابعين.

كان الحفل مميزًا من حيث المكان الذي أُقيم فيه ونوعية الحضور والمواقف التي أطلقها عدد من المتحدثين عن "مظلومية الشعب الفلسطيني وازدواجية المعايير الكندية بالنسبة لحقوق الانسان"، و"أهمية الضغط على الحكومة كي تلتزم بالقيم التي تتغنى بها"، و"ضرورة انتهاءِ الاحتلال غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية". تحدثت الكلمات في جانب منها عن "التعدي على أطفال فلسطين وقتلهم، خصوصاً في الفترة الأخيرة..  وعن عجزنا عن تَحمُّل نفاقِ بعضِ المُدَّعين بالنسبة لدفاعهم عن حقوق الإنسان". أيضًا كان كلام عن "سرقة الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية وإنشاء البُنى التحتية العنصرية، كالجدار الفاصل". وتناول متحدثون "الاعتداء على المؤسسات المدنية، وضرورة الضغط على كندا للاعتراف بشرعية قضاءِ محكمة الجنايات الدولية في ما يخص الأحداث في فلسطين، وكي يُجرَى تحقيق مستقل لمحاسبة المسؤولين عن مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة". وجرى حديث عن "زراعة أشجار الزيتون في فلسطين"، وعن "حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه"، وعن أننا "لسنا مُعادين للسّاميّة"، وعن "أمور مشترَكة بين الكفاح الفلسطيني والظلم الذي يتعرض له السود والسكان الأصليون في كندا"، وعن "رسالةَ تضامن قوية من أبناء الجالية اليهودية مع الشعب الفلسطيني وإدانة جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين". كما تُطُرِّق إلى "طرد العائلات من حي الشيخ جراح" و"كَونِ تعامل الإسرائيليين مع الشعب الفلسطيني بهذا الشكل آخرَ مرحلةٍ من عصر الاستعمار". كما تحدث نواب  كنديون عن "الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني والجالية".

كان الحفل فضيحة مدوية لإسرائيل ونصرة لمظلومية الفلسطينيين وصوتًا مرتفعًا في وجه المحتلين الغاصبين، ما أثار حفيظة "اللوبي" المؤيد لإسرائيل، المعروف عنه انه قوي ومتماسك يملك من الوسائل والامكانيات الكثيرة لمتابعةِ الذين ينتقدون إسرائيل، ويستفيد من كل الوسائل للحؤول دون فضح ممارسات الاحتلال الاسرائيلي بحق الفلسطينيين، التي تتواصل بشكل يومي منذ عشرات السنين.

لذا رأينا ان هذا "اللوبي" قام بفروعه وأذرعه وشخصياته المختلفة بالتشويش على الحفل، الذي كان ناجحا جدًا. لم يتمكن هذا "اللوبي" من التصويب على الحفل إلا من خلال استغلال حضور رئيس تحرير صحيفة "مشوار" التي تصدر في تورنتو، نزيه خطاطبة، متهمًا إياه بانه مُعادٍ للسّاميّة وأنه منكر للمحرقة (الهولوكست)، فقيلَ: "كيف يمكن أن يُدعَى مثل هذا الشخص إلى المجلس النيابي؟ فمن الجهل والقُبحِ تواجُدُ أيِّ مُنكِرٍ للمحرقة في الاجتماعات النيابية".

فانشغلت كل وسائل الإعلام التي لم تحضر إلى الاحتفال ولم تكتب عنه حين إقامته، وتركّز التصويب على الاحتفال من خلال الأستاذ نزيه خطاطبة. وتطايرت الاتهامات بحق نواب حضروا، وذهب البعض إلى ضرورة اعتذار وزير النقل الكندي عمر الغبرا الذي كان حاضرا في الحفل، وهاجت الدنيا وماجت لهذه "الإهانة لليهود الكنديين، التي لا تغتفر"، كما جاء في احدى "التغريدات" الصادرة عن شخصية وازنة. وأشارت تغريدة اخرى إلى أن حضور خطاطبة " يبعث برسالة مقلقة إلى الجالية اليهودية الكندية".

هذه الحملة المدروسة والمنسَّقة على المناسبة والتلطي خلف حضور خطاطبة تحتاج الى أدلة كثيرة لإثبات ادِّعاءاتها ضد خطاطبة، الذي رد عليها عبر منشور على صفحته على الفايسبوك معتبراً أنها محاولة لإرهاب الآخرين وقمعهم من خلال الزج باسمه وتصويره وكأنه أخطبوط معادٍ للسّاميّة، ومحاولةٌ لِفرض التعريف الدولي لمعاداة السامية بحيث يشمل كل من ينتقد الاحتلال الاسرائيلي ويتضامن مع فلسطين".

وتابع خطاطبة بالقول إنَّ "من الواضح أن نجاح حفل يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني ومجاهرة أكثر من 18 نائبًا من أعضاءِ هذه المجموعة عن تأييدهم لفلسطين قد أثار حفيظة "اللوبي" الصهيوني، الذي يحاول بكل السبل إسكات أصواتهم من خلال استغلال حضوري كصحافي لتغطية الفعالية".

وأكد خطاطبة التالي: "نحن لسنا معادين للسامية، ولم نتحدث بشكل سيِّئ عن اليهود في كندا أو دول أخرى، بل ننتقد سياسة الاحتلال الإسرائيلي ونقف إلى جانب الشعب الفلسطيني". وأضاف: "الذين يتهموننا "بِمعاداة السامية" دون دليل هم أنفسهم يدعمون ويحمون الاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكب جرائم قتل يومية بحق الفلسطينيين". 

وفي تصريح لقناة "سي بي سي" قال خطاطبة "إن المنظمات التي تتهمني بمعاداة السامية تعمل على قمع حرية الرأي والتعبير في كندا في ما يتعلق بآراء مختلفة حول الصراع في الشرق الأوسط".

وأكد خطاطبة أنَّ من لديه اتهام واثباتات على ما يقولونه فيمكنه أن يقدمها في المحكمة التي ستفصل في الامر.

فهل ينجح النافذون المدافعون عن اسرائيل في إسكات الأصوات التي تحدثت يوم الثلاثاء نصرة للشعب الفلسطيني فتتراجع أمام هذه الحملة الشرسة؟  

مصادر متابعة بارزة أكدت في حديث معنا أن "هذه الحملة قد تنجح بشكل جزئي، ولكنها تعتمد بالدرجة الأولى على تحرك الجالية الفلسطينية - كما العربية - ووقوفها الى جانب انصارها الذين ما إن يطلقوا مواقف مؤيدة لقضيتهم حتى تنهال عليهم الضغوطات". ودعت المصادر "الجالية الى تنسيق رد مدروس على هذه الحملات قبل فوات الأوان". 

*الصورة من تويتر