السلام عليكم : تحديات عام 2021 كانت خطيرة ولكن؟!

  • article
حسين حب الله


نختم عام 2021 الميلادي بِتحديات متعددة واجهتنا ونحملها معنا الى العام القادم. وهي تركت آثارا سيغير بعضها مستقبلنا ان لم نتعامل معها بما يتناسب.

لعل أبرزها على المستوى العام هو عودة وباء "كوفيد 19" ـ لكن تحت مسمى جديد هو "أوميكرون" ـ للانتشار وسط ارتفاع كبير في أعداد المصابين في معظم المقاطعات الكندية، رغم كل التحذيرات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الكندية كما حكومات دول العالم بأسره.

لقد بذلت الحكومة الكندية وحكومات المقاطعات جهودًا جبارة في المراحل السابقة وتمكنت من محاصرة الوباء والسيطرة عليه. فالعامَ الحالي شهدنا تراجعًا كبيرًا في أعداد المصابين وأرقام الوفيات وعودة المستشفيات الى العمل بشكل طبيعي، إلا أننا منذ أسابيع عدنا الى نقطة الصفر لتعود الإجراءات إلى التشدّد من جديد من دون أن يعرف أحد المسار التصاعدي الذي سيسلكه هذا الوباء. لكن في الوقت الذي تقوم فيه الحكومات بعملها بشكل مقبول في الكثير من الأحيان تحتاج المسألة من الجميع التعاون وعدم التهاون في الالتزام بالاجراءات المطلوبة، من ارتداء الكمامات الصحيحة والمناسبة والالتزام بالتباعد الجسدي والتعقيم والابتعاد عن التجمعات الكبيرة. وإلا فسنخسر المزيد من الأحبة والأصدقاء والمواطنين وستكبر معاناة المصابين التي ستنعكس على محيطهم في المنزل او العمل او الشارع.

هذا على الصعيد العام. اما في الخاص فقد اختُتمَ العام الحالي بإقرار المجلس النيابي ومجلس الشيوخ الكنديَّين بالاجماع القانون "C-4 " او ما يعرف بقانون "علاج التحويل" (conversion therapy)، الذي ينص على ان "من يقدم المشورة إلى شخص لِنهيه عن التحول إلى الأجناس الأخرى غير التقليدية، التي هي غير الأجناس بالولادة، فسوف يجرّم"، على ما جاء في المقابلة التي أجريناها مع الناشط الجاليوي الاستاذ فراس مريش وننشرها في هذا العدد. خطورة هذا القانون لا تنحصر في بنوده وحدها، بل أيضًا في الجهل الذي ينتشر وسط النواب الذين صوّتوا عليه بالاجماع، وكذلك في عدم اطلاع معظم الجالية على هذا القانون الخطير. لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة المقابلة مع الأستاذ مريش عبر هذا الرابط: https://www.sadaalmashrek.ca/ar/Interviews/content/b12e7388-0e01-4933-a449-245f35e947a3، وكذلك عبر تفاصيل هذا القانون من خلال هذا الرابط الرسمي للحكومة الكندية:
https://www.parl.ca/DocumentViewer/en/44-1/bill/C-4/first-reading.
لقد تبين من خلال النقاشات مع بعض النواب، حتى الوزراء الكنديين والناشطين انهم لا يرون مشكلة في القانون، الذي جاء على خلفية ان "علاج التحويل" او الـ (conversion therapy) كان معروفاً أنه "ممارسة شرسة يتعرض فيها الشاب او الفتاة المراد إصلاحه/ إصلاحها لنوع من التعذيب والضغط والألم النفسيَّين"، ما أعمى عيون الكثير من السياسيين عما تضمنه القرار من تناقضٍ مع شرعة الحقوق (Charter of Rights) التي تنص على الحق في حرية التعبير وحرية الدين. فكما يُفهَم من ظاهره ـ يُمنَع الأهل من الحديث عن هذا الموضوع واعتباره أمرًا غير مقبول. وكذلك يحظر الأمر على رجال الدين في المساجد والكنائس وغيرها. ومن يخالف الأمر يتعرض للغرامة التي قد تصل إلى سنوات متعددة في السجن.

هذا القانون وضع الجالية الاسلامية أمام مأزق قانوني وأخلاقي كبير، سيما أن الاسلام واضح في تحريمه للمثليّة الجنسيّة. وهو يفرض عليها تحديًا كبيرًا يستدعي منها تغيير أساليب عملها وطرق المواجهات المتبعة.

نحن نحتاج إلى مؤسسات متخصّصة في هذا المجال لمواجهة هذا التحدي الجديد ومساعدة الذين يتعرضون لهذه التجربة. لقد امتلأت المناطق ـ والحمد لله ـ بالمراكز الدينية وفي أغلب المدن فاضَ عددُها. لذا ندعو أهل الخير وأصحاب الخبرات إلى التوجه إلى بناء مؤسسات جديدة تحاكي مثل هذه التحديات. لنبني مركزًا استشاريًا للعائلات يضم بين جنباته متخصصين في علم النفس والاجتماع والقانون والدين وهُم كثر - على ما قيل. المسجد والكنيسة والمعبد وغيرها وجودها ضروري، ولكن هذا التحدي الجديد يفرض على الجميع اختلاق أساليب مواجهة تتناسب معه. ولا مانع أن يكون داخل المؤسسة الدينية، ولكن بإشراف متخصّصين يجمعون بين العلوم العصرية والدينية كي يقدموا المشورة الصحيحة للذين يحتاجونها من الأهالي الذين يمرّون بتجارب قاسية وجديدة عليهم، وسط أجواء ضاغطة من اكثر من ناحية. هناك من يتصدى للأمر من أهل العلم العصري بشكل فردي ولكن من دون خلفية دينية ثابتة، ما يؤدي إلى الخروج بنتائج غير مرضية، وكذلك يحصل حين يتصدى للأمر رجلُ الدين الذي لا يملك خلفية علمية تؤهله لتقديم حل يجمع بين العلم والدين بشكل متناسب ويراعي الواقع، الذي يختلف كثيرًا عن البلدان التي أتينا منها في الكثير من التفاصيل التي لا داعي للخوض فيها في هذا الوقت.

التحدي الآخر أمامنا الذي لا يختلف عن التحدي السابق هو القانون  الكيبكي الواحد والعشرين (Bill 21)، الذي كانت آخر ضحاياه المعلمة فاطمة أنوَري، التي فصلت من التدريس في صفها بسبب حجابها. وهو ـ كما القانون الفدرالي ـ يشكل ضغطًا كبيرًا على الجالية، سيّما النساء فيها، ويحتاج إلى طريقة عمل مختلفة تواكب هذا التحدّي وتبعث الطمأنينة في الجالية، التي بدأنا نشعر بالتعب يسري في أوساطها بعد أن تحولت القوانين الرسمية إلى ادوات للقمع والضغط  للانسلاخ عن الدين.

هذان التحديان وغيرهما يوازيهما تحدٍ آخر برزَ هذا العام، ولعله لا يقل خطرًا عنهما، وهو حال التشرذم التي تضرب أوساطنا، وتمزّق صفوفنا وتَحُول بيننا وبين تحقيق الكثير من الأهداف، وتعيق مواجهة أي تحدٍّ بشكل فاعل. وهذا يحتاج الى تحرك جاد من اكثر من طرف في الجالية للمبادرة إلى جمع الجالية واعادة التواصل والتنسيق بين مؤسساتها. ليعمل كل في داخل مؤسسته ما يشاء من برامج ولكن ينبغي - بل من الواجب علينا - أن نكون أمام التحديات صوتًا واحدًا أمام المسؤولين وأمام الجالية، التي بِتنا نشعر بالياس يتسرب الى صفوفها من التحديات من جهة ومن الخلافات من جهة ثانية.

إننا في نهاية هذا العام نتمنى للجميع عامًا قادمًا بعيدًا عن الأوبئة والأمراض، وأن يُحفَظ الجميع هنا والمتعلقون بهم في أوطاننا الأم، وأن يكون عامًا عامرًا بالطمأنينة - لا القلق، والوحدة - لا الشقاق، والتواصل - لا التدابر، والتنسيق - لا القطيعة، والبصيرة ووضوح الأهداف - لا الابتعاد عن مصلحة الجالية.              الصورة من موقع freepik.com