السلام عليكم .... ماذا بين السكوت عن الكراهية ورفع الصوت ضدها... ؟!

  • article

حسين حب الله – مونتريال

 لا تتوقف الإساءات بحقِّ المسلمين – في كيبك بشكل خاص وكندا بشكل عام – التي تنم عن كراهية دفينة في النفوس تهدد أمن المجتمع والتعددية والتسامح والتعايش. يساعدها في ذلك غضُّ الطرف عنها وعدم المبادرة إلى التحرك الفاعل من جهة، وعدم مبادرة المُسْتَهدَفين إلى رفع الصوت والتقدم بالشكوى أمام السلطات المختصة من شرطة ومحاكم وهيئات مدنية وغيرها. ولا يقف في وجهها إلا رفع الصوت واللجوء إلى القانون لتُحمى الحقوق ويُدفَع الضرر.

حادثتان وقعتا في الأسبوعين الماضيين وقراران قضائين صدرا قبل أيام قليلة يتطلبان وقفة تأمل لنأخذ منها العبر للمستقبل.

ففي مقهى "ستاربكس" تعرّض أحد المسلمين أواخر الشهر الماضي إلى الاهانة على يد أحد موظفي المقهى أمام العشرات من رواده، الذين لاذ أغلبهم بالصمت!

في المقابلة التي أجرتها صدى المشرق مع أحد الشهود على ما جرى في المقهى في جامعة كونكورديا استغرب الشاهد كيف وقف عشرات الاشخاص صامتين أمام ما تعرض له أحد الكنديين المسلمين في المقهى من إهانات عنصرية، متسائلاً عن السبب الذي دفعهم إلى الاكتفاء بمشاهدة ما جرى.

الشاهد عبّر عن الامتعاض مما جرى حين قال: "جميع الزبائن انتبهوا إلى المواجَهة الجارية، لكن لم يكلِّف أحدٌ منهم خاطره لِمساندتي والضحية، بل أعرضَ بعضهم عنّا، فيما أخذ الآخرون يضحكون، وكأننا كنا نقدِّم استعراضًا لهم"!

وشدد في حديثه على أنه "لو اتخذ شخصان أو ثلاثة موقفاً ما ذلك اليوم لوصلَت للموظَّف أو لزملائه رسالة قوية جدًا، مفادها أن عليهم التوقف عما يفعلون لأنه سيتسبب لهم بالمشاكل، وقد يتوقعون أن يُواجَهوا باستنكارِ زبائن المقهى إن تكرر هذا الموقف. لكنهم ذلك اليوم كانوا متأكدين من صمتِ الجميع"...

وفي موقف مقزّز آخر، تعقيباً على قرار ترشيح فريق ريجي لابوم (Régis Labeaume) البلدي في مدينة كيبك المؤسسَ المشاركَ للمركز الثقافي الإسلامي في كيبيك بوفلدجة بن عبد الله على لائحة المجموعة في الانتخابات البلدية المقبلة في مدينة كيبك، وصف حزب تحالف مواطِني كيبك (ACQ) – الذي هو حزب بلدي في المدينة التي قتلَ فيها كارِهٌ للإسلام ستةَ مسلمين في المسجد قبل سنوات متعددة – الدينَ الاسلامي بأنه "سرطان ينمو ببطء داخل مجتمع كيبيك". وجاء في البرنامج الذي نشره الحزب على موقعه باللغة الفرنسية تحت عنوان "الأسلَمة" أن "الإسلام مخالف لقيم كيبيك الأساسية".
وأكد الحزب أنه لن يستقبل "أي مرشح يؤيد أسلمة مدينة كيبيك وسيبذل حزب "ACQ" قصارى جهده عبر سياسة الإدارة البلدية لمواجهة أسلمة مدينة كيبيك".
وقال آلان جياسون، زعيم حزب تحالف مواطني كيبك ومرشح رئاسة البلدية أن بوفلدجة بن عبد الله يريد أسلمة مدينة كيبيك". وأضاف: "مدينة كيبيك تشهد حاليًا أسلمة بطيئة تدريجية ماكرة".
بوفلدجة بن عبد الله قدم شكوى إلى هيئة "انتخابات كيبيك" يدين فيها خطاب الكراهية في منصة الحزب البلدي. لكن المؤسف أن لجنة الانتخابات في المقاطعة قالت إنها لا تملك السلطة لفعل أي شيء حيال ذلك. ونُقل عن المتحدثة باسم الهيئة جولي سان أرنو (Julie St-Arnaud) قولها "لا يوجد في قوانيننا ما ينص على سحب ترشيح أي شخص يُدلي بتصريحات من هذا القبيل". وأضافت: "الأمر متروك للناخبين لاتخاذ خياراتهم عندما يحين وقت الاقتراع".

أمام هذا الواقع المؤلم تساءل كُثُر: ماذا لو كانت مجموعة أخرى هدفًا لسموم هذا الحزب؟ هل ستكون النتيجة هي نفسها؟ أم أن هناك ضرورة للتحرك العام والإجراءات الفورية؟ وإذا لم تملك المفوضية السلطة لفعل أي شيء حيال ذلك، فلم لا تُمنَح تلك السلطة؟

نعم، الوزير الكيبكي المسؤول عن مكافحة العنصرية بنْوا شاريت أدان ـ بعد تواصل المنتدى الإسلامي الكندي معه ـ ما نشره حزب "ACQ"، وقال في "تغريدة": "لا يمكننا أن نتسامح مع مثل هذا الخطاب، ناهيك عن أن يروّج له أي حزب سياسي مهما كان حجمه".  

تغريدة ليست كافية لوضع حد لخطاب الكراهية المتمادي، سيما أنها لم تُعقَّب بأي تحرك جادّ من حزب أسّس للتمييز بين المواطنين، حين منع المسلمات المرتديات للحجاب من العمل في المؤسسات الحكومية في كيبك، مما ساهم في تعميق الكره لِلمرأة المسلمة ويتطلب تحركاً فاعلاً ويحتاج إلى آلية عملٍ جديدة من المهتمين بالشأن الجاليوي.

في المقابل صدر في الأيام القليلة الماضية قراران مميّزان برمزيتهما في مواجهة حملة الكراهية التي يتعرض لها المسلمون.

القرار الاول صدر الأسبوع الماضي عن محكمة حقوق الإنسان في كيبيك بحق امرأة تعرضت لإحدى المحجبات في مطعم في كيبك بالإساءة، وقد ألزمها القرار بدفع مبلغ 15,300 دولار تعويضاً عن الأضرار الأخلاقية التي لحقت بالمرأة وبأسرتها.

ففي 28 أيلول/ سبتمبر من عام 2018، حين كانت السيدة منى عامر وزوجها يتناولان العشاء مع أطفالهما الثلاثة في مطعم تايلاندي في مدينة كيبيك، تعرضت لهجوم لفظي عنصري مهين من قبل امراة تدعى فيرونيك بيدار لافرانس (Bédard-Lafrance Véronique) كانت برفقة أحد الاشخاص.

بعدها قدمت عامر شكوى إلى المحكمة في 30 كانون الثاني/ يناير 2019. وقد أكد حُكم القاضي كريستيان برونيل (Justice Christian Brunelle) في هذه القضية أن حرية التعبير حق مكفول للجميع، لكنه لا يسمح بالتعبير عن الإهانات "على أساس على خصائص فردية معينة مثل الأصل العِرقي أو القومي".

أسرة عامر في تصريح صحافي قالت إنها لم تتابع القضية في المحكمة من أجل المال، ولكن بدلاً من ذلك لتعليم الجمهور درسًا عن التسامح واحترام الآخر. وقالت "لقد فعلنا هذا لجعل هؤلاء يتوقفون عن فعل هذا النوع من الأشياء، أي الإساءة إلينا وإلى جاليتنا".

قرار آخر أيضًا له دلالاته هو الحكم بثمانية عشر شهراً من السجن على المرشَّح لرئاسة بلدية كالغري (Calgary)  كيفن جونستن (Kevin J Johnston) بسبب إصراره على التشهير بِمحمد فقيه، مؤسِّس سلسلة مطاعم "Paramount Fine Foods"  ومديرها التنفيذي، وتسميته "إرهابياً" و"قاتلاً للأطفال".

وسيُسجَن جونستن اعتباراً من الرابع من كانون الثاني من عام 2022 ثلاثة أشهرٍ مقابلَ كل مخالفةٍ ارتكبها من المخالفات الست لقرار المحكمة (أي ثمانية عشرَ شهراً).

فعامَ 2017، وجه السيد جونستون إلى فقيه سلسلة من الاتهامات الحاقدة والكاذبة، رافضًا التراجع عنها، ما دفع فقيه لرفع دعوى قضائية عليه. وعامَ 2019، أصدرت المحكمة قرارها وربح فقيه حكمًا قضى بدفع جونستون 2.5 مليون دولار لفقيه.

هل السجن هو حل كاف لمواجهة الكراهية؟ ليس كذلك أبدًا. لكنه واحد من الطرق لمواجهة الذين يتخذون من حرية التعبير المتاحة في كندا حجةً لإظهار كراهيتهم لِمواطنين كنديين آخرين. هو بداية تتطلب متابعة لكل حادثةٍ لِنشر الكراهية ولِمحاولات تشجيعها من خلال القوانين التي تشد عصب العنصريين والكارهين والمعادين للآخر الذي يختلف معهم في الدين او العرق أو اللون وما شاكل.

بين الساكتين عن الكراهية والرافضين لها كرامة وطن ينبغي أن يُحتَرم شعبه، ومُواطن لا يجوز له أن يَسكت عن حقه، وجالية لن تضع حداً للتطاول عليها دون العمل الجاد تحت سقف القانون.