سامر مجذوب- مونتريال
"إننا نشهد عالماً منفلتا دون ضوابط "، عالم يفقد النظام ، عالم يفقد إنسانيته وكرامته. نشهد العالم و كأنه فى طريق يتميز بالفوضى و سقوط المنظومة الاجتماعية و السياسية التى حكمته، ولو بشكل غير مثالي، منذ الحرب العالمية الثانية .عالم تنهار فيه كل اشكال القيم الإنسانية و الاخلاقية و الأدبية . قد يقول قائل ان المنظومة نفسها لم تكن أصيلة ، و لكن على الأقل كانت تحمل بعض صفات الانضباط و الالتزام و الحد الأدنى و ليست كما نراها الان فى حالة شبه أنهيار تام و كامل .
لا يحتاج المرء إلى العودة بعيداً بالزمن لملاحظة انهيار النظام العالمي، الذي ادّعى أصحابه انشاءه عقب الحرب العالمية الثانية. اثر ملايين الضحايا والتدمير الكامل للمدن والبلدات من خلال الصراع الضخم ، اجتمع "المنتصرون" في ذلك الوقت على مفهوم اجتماعي جديد يسمى "حقوق الإنسان" . و حاول "المنتصرون" انفسهم إقناع العالم بأن هذا المبدأ هو الأهم وهو محور السياسات والتطلعات المسقبل الحر.ّ
و لكن ما نراه الآن هو أن اللغات السائدة في سياسات الدول فيما بينها و حتى داخل القطر الواحد هي لغة السلاح و العنف و طغيان قوة النار و فرض المصالح فوق اي اعتبار اخر .
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو قبول عموم الرأي العام في غالبية مجتمعات العالم بأن الأعمال العدائية والصراعات التي تنتهي بعواقب دموية هي مسارات عمل طبيعية. يبدو أن المعيار الأخلاقي للجنس البشري آخذ في التدهور مع مرور الوقت. مع ترسيخ روح الانانية المتطرفة في نفوس البشرية يبرز الفكر الشعبوي و القبلي و الطائفي ، نحن و هم .مما يجعل " معيار "المقياس الاخلاقي " متناقض. طالما أن "الأذى والبؤس" يُلحقان "بالآخرين" - الذين قد يكونون من ثقافات أو معتقدات أو اعراق مختلفة - عندها يصبح الامر و كأنه لا "يعنينا" . لا بل تشمت شعوب بشعوب واقوامٍ بمصائب اقوام اخرى .
ومما يزيد الطين بلة ، فإننا نندفع ، ضمن ما نعتقد أنه العالم الحر ، لانتخاب المتعصبين و الشعبويين الى مناصب القرار . في الغرب ، كما في الشرق ، كل ما نراه هو أناس يتنافسون على منصات متطرفة بشكل واضح ليكونوا مشرّعين وحكّام البشر و الحجر .
أصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحًا يومًا بعد يوم. التمييز والصورة النمطية والمضايقة هو المحتوى الذي نراه في العديد من الخطب العامة للفائزين المحتملين في المناصب ، والتي صفق لها الكثيرون علنًا. لقد تم تجاهل شعارات حقوق الإنسان والحريات المدنية ومساواة المرأة والعدالة والإنصاف في مواجهة هذا الاتجاه السياسي الجديد.
إنه لأمر مخيف ، كيف يمكن أن تتحول الأمور. لقد حان الوقت لأنصار الأخلاق والفكر والمبادئ والعقائد والقيم العالمية من نشطاء و جماعات و مجتمعات واهل العلم والاعلام والسياسيين أن يتّحدوا كصوت واحد وينضموا إلى جهود الدفاع عن سلام الشعوب والعدل والمساواة والوحدة والإنسانية ضد العنف والتسلط والعدوان بجميع أنواعه والتمييز بجميع أشكاله.
يُقال إن الظلم والطغيان لا يحكمان فقط بسبب دعم البعض وعدد من مجموعات المصالح والضغط القوية ولكن أيضًا بسبب صمت وتقاعس وسلبية الأغلبية ذات القوة لا يستهان بها على الاطلاق .
*الصورة من ويكيميديا كومنز