السلام عليكم : بعد القرار القضائي بشأن القانون الواحد والعشرين: هل هناك إمكانية للتغيير؟!

  • article

حسين حب الله ـ مونتريال

مرحلة جديدة بدأت في حياة الجالية مع صدور قرار المحكمة العليا في كيبك بشأن دستورية القرار الواحد والعشرين، قد يكون ما بعدها مختلفاً تماماً عما قبلها، ما يدعونا إلى قراءة متأنية للقرار بتفاصيله القانونية وانعكاساته على واقعنا، والبناء عليها لتحديد بوصلة تحركاتنا القادمة، وآلياتنا المتعلقة بوجودنا وبحياة بناتنا وأبنائنا، وسُبُل المحافظة عليهم أقوياء في وجه التحديات. فخيبة الأمل التي عبرت عنها الجالية من القرار ينبغي أن تكون محفزاً لمزيد من العمل، لا إلى اليأس والخضوع. 

لقد كان لافتاً أن العنوان المشترك بين المؤيدين والمعارضين للقانون الواحد والعشرين هو "خيبة الأمل" في قرار القاضي مارك أندريه بلانشار (MARC-ANDRÉ BLANCHARD) الثلاثاء الماضي.

فقد أعربَ عددٌ من الناشطين البارزين في الجالية المتحدثين إلى "صدى المشرق" عن عدم الرضا عن القرار الصادر عن محكمة كيبك العليا "المخيب للآمال والمثير للاستغراب، الذي يميّز بين الناس". 

نعم، القرار كان مخيباً لنا كجالية لأنه بالدرجة الأولى أعطى لحكومة كيبيك الحق في تقييد الرموز الدينية التي يرتديها موظفو الحكومة، مثل المعلمين وضباط الشرطة والمدعّين العامين.

وفي الوقت نفسه قسّم المواطنين إلى فئتين: فئة لا يُطبّق عليها القانون في المدارس الإنكليزية، حيث يمكن للمسلمات ارتداء الحجاب في أثناء العمل. وفئة أخرى عليها تطبيق القانون الذي ينص على منع ارتداء الحجاب في أثناء العمل في المؤسسات الرسمية، وإلا مُنِعَت من التعليم بإذن من القضاء!

وهذا القرار القضائي مخيب للآمال لأنه يستهدف النساء المسلمات بشكل خاص، ولا يلتفت إلى الآثار السلبية التي سيتركها على مئات النساء وأولادهن بعد أن يجبرن على ترك العمل في اختصاص بذلن جهداً كبيراً في سنوات طويلة لإنجازه. وقد يكون من الصعب العمل في مجال آخر أو التفرغ لتحصيل اختصاص آخر قد يكون على حساب الأطفال والعائلة والحياة الشخصية. وهو ما سيضع الكثير من العائلات على خط الفقر ويدخلها في أزمات اجتماعية لا يحتاج إليها المجتمع الكيبكي، سيما في زمن انتشار الوباء.

هذا القرار كان مخيباً للآمال كذلك لأن القضاء الذي كان يُعدُّ الملجأ الأخير لإنصاف النساء لم يُنصِفهنَّ، بل تركهن هدفاً لمنعهن من ممارسة أحد أبسط حقوقهن، أي حق ارتداء لباس اخترنَه او العمل بقناعاتهن الدينية. 

كذلك الخيبة من القرار أصابت الجالية التي يتكلم معظمها اللغة الفرنسية. ففي الوقت الذي يحارب لوغو وحزبه للحفاظ عليها وتقويتها، جاء القرار القضائي الجديد ليدعو الجالية الإسلامية بطريقة غير مباشرة إلى التوجه نحو اللغة الانكليزية من خلال إرسال أبنائهم وبناتهم الى المدارس الانكليزية للدراسة او العمل فيها، ما قد يساهم في إضعاف اللغة الفرنسية، وهو ما لا يريده ليغو وحزبه.

المفارقة العجيبة الغريبة أن الخيبة في القرار وصلت إلى رئيس وزراء كيبك فرانسوا ليغو، الذي قال بُعيد إصدار القرار: "أشعر بخيبة الأمل في هذا الحكم، وأجده غير منطقي". وأضاف ليغو: "لا أفهم لماذا قال القاضي إن الناطقين باللغة الإنكليزية في مجالس إدارة المدارس الإنكليزية يمكن أن تختلف قِيَمهم عن سكان كيبيك الآخرين".

صحيح أن القرار القضائي تمييزي بامتياز ويقسم المواطنين، لكن ليغو يريد له ان يكون شمولياً، لا يُترَك فيه متنفسٌ للمواطنين لممارسة واجباتهم الدينية بذريعة تطبيق العلمانية، ضارباً عرض الحائط بكل معاني الحرية وحقوق الإنسان. ويريد للظلم وقمع الحريات أن يكون شاملاً في تطبيقه من دون أن يكترث إلى أن القانون الواحد والعشرين يستهدف مئات الآلاف من المواطنين من الأديان المختلفة، لا المسلمين وحدهم.

ماذا يضير السيد لوغو ومن معه لو ارتدت المسلمة الحجاب أو حمل المسيحي الصليب او اعتمرَ اليهودي القلنسوة والسيخي العمامة؟ لذا لا يُفهم من مواقف لوغو المتشددة إلا الكره للدين - أيِّ دين - لا التمسكُ بعلمانية ابتدعوها.

مواقف السيد لوغو فضلاً عن أنها انتهاك للحرية، هي ستصيب النساء المسلمات بالخصوص وتتسبب لهن بأزمات اجتماعية واقتصادية لأنها ستتركهن بلا عمل إن أردن التمسك بحقهن في اختيار طريقة حياتهن، وتفادي الرضوخ لطريقة العيش التي يريد الحزب الحاكم فرضها عليهن.

نعم، لوغو يتناغم مع الرأي العام الذي يحمل مواقفَ سلبية من المهاجرين ومن الآخر بفعل الحملات الإعلامية السلبية المدروسة على مر السنين، التي تصوّر المسلمات بالخصوص على أنهن لا خيار لهن في ما يقمن به، فضلاً عن نعت المسلمين بشكل دائم بالتخلف والرجعية.

من هنا، بعد القرار القضائي، نحن أمام مسؤوليات تقع على الجالية بشكل كبير. وكل من موقعه مدعو إلى العمل لتغيير هذه الصورة النمطية، التي قد تأخذ منا سنوات طويلة، ولكنها تحتاج إلى عمل متواصل ومتناغم يتوزّع بين اللجوء إلى القضاء وبين الانفتاح على المجتمع الكيبكي بشكل أكبر ليرى أبناؤُه حقائقَ غُيّبت عنهم. كما من المهم التحالف مع من طاولهم القرار بالإجحاف من غير المسلمين والتنسيق معهم لتحقيق قدر أكبر من النتائج.

لقد جاء في بيان القاضي بلانشار أن عدد المسلمين في كيبك بلغ ربع مليون، يُضاف إليهم مئات الآلاف من اليهود والسيخ والمسيحيين، الذين حُرِموا من ممارسة حرية اختيارهم تطبيقَ تعليماتٍ دينيةٍ لا تتعارض مع حقوق الآخرين بأي شكل من الأشكال.

"هناك إمكانية للتغيير إذا كنا جنباً إلى جنب ضد القانون الواحد والعشرين. لكن علينا أن نستمر في معركتنا لمواجهةِ هذا القانون الظالم أمام القضاء وأن لا نستسلم"، كما أجمعت آراء الشخصيات التي استطلعتها "صدى المشرق" عقيب صدور القرار القضائي. ومن المهم هنا ان نستفيد من أعدادنا تلاحماً وتعاوناً وتنسيقاً وتكاملاً وتنافساً نحو الخير، وأن نتجاوز الخلافات والانقسامات التي تحُول دون تحقيق أي إنجاز حتى نعبر المرحلة الحساسة والخطيرة بأمان. فالحقوق لن نحصل عليها ما لم نضع أيدينا بأيدي بعضنا. وقد قالها يوماً عضو مجلس الشيوخ الكندي الراحل مارسيل برودوم لمجموعة من الجالية التقاها: "قدموا مطالبكم إلى المسؤولين وأنتم مجتمعون، فلَن يسمعوكم إذا كنتم متفرقين".