السلام عليكم : من يدفع المخلصين في جاليتنا إلى التخاصم والعداء؟ ومن يُفشِل وساطات الإصلاح بينهم؟

  • article

حسين حب الله - مونتريال

حتى فترة قريبة كان يُضرب المثل بمدينة مونتريال لكثرة مؤسساتها ومساجدها وتنوعها والنجاحات التي تحققها هذه المؤسسات، سواء كانت مؤسسات مستقلة أو عاملةً تحت مظلة واحدة او متعاونةً في ما بينها. وذلك بالرغم من الاختلافات الكثيرة والخلافات العميقة التي لم تتجاوز يوماً سقفاً معيناً. فكان هناك تنافس وسباق على استقطاب أبناء الجالية من دون ان يتحول الخلاف والاختلاف الى التراشق والإتهام العلني بفسادٍ هنا او تجاوزٍ هناك، او إساءة استخدام موقع هنالك، أو خيانة او عمالة او دخول طابور خامس على الخط لتسقيط هذا الطرف او ذاك.

لعل بعض الخلافات كانت تحدث وراء الكواليس، ولكن بقيت الى حد كبير محصورة ضمن أطر معينة وفي اجواء خاصة دون ان تخرج الى العلن بشكل واسع. وحين كان يشتد الخلاف بين هذا الطرف او ذاك كان اهل الخير يدخلون على الخط لِلَملمة الموضوع ووضع حد قبل ان تتفاقم الامور. كان هذا يحصل عندما كنا نعمل في ما بيننا وننسق ضمن جاليتنا دون أن نسمح للمصطادين في الماء العكر بالولوج في خلافاتنا وصب الزيت على النار. كان ذلك من باب الحرص على وجودنا باعتبار أننا جالية، صغيرة حديثة العهد في هذا البلد ومستهدفة في وجودها. أقصى حد للخلاف كان لجوء المتخاصمين ضمن المؤسسة الواحدة إلى الانشقاق وتأسيس كيان جديد والانطلاق بالعمل بالطريقة التي تراها هذه الجهة متناسبة مع واقعنا الجديد. رغم كل الاشكالات التي كانت تثار هنا وهناك، كان ثمة من يدخل على الخط لرأب الصدع وبرء الجرح وحقن دم الفُرقة. وكانت التدخلات الايجابية تحفظ بعض الود وتبقي على ماء الوجه وترفع بعض الشأن للجالية التي أتت من مشارب وبلدان وثقافات متنوعة، ولكن يجمعها دين واحد وهموم مشتركة.

اليوم نحن أمام تاريخ بدأ يُكتب بطريقة مغايرة تماماً ستستمر إن بقي الحال كما هو عليه اليوم، ويجعلنا امام الجاليات الأخرى موضع سخرية وشماتة وشفقة وحسرة.

سيسجل هذا التاريخ عجيبة من عجائب الدنيا تضاف إلى العجائب السبع، هي - بكل وضوح - أن الجالية الاسلامية في مونتريال – للأسف – المستهدفة في وجودها من داخلها ومن خارجها، التي سجلت نجاحات مهمة مؤخراً، بدأت تأكل بعضها وتتناحر أمام الملأ، رغم أن المصائب تشتد والتحديات تكبر والمتربصين عند كل زاوية ينتظرون هفوة هنا وخلافاً هناك ليزيدوا من حملاتهم التي لم تتوقف يوماً.

هذا الاستهداف يتمظهر في اكثر من حالة منها وليست محصورة بالتالي:

-  قيام الحكومة المحلية ـ رضوخاً لضغط الشارع، ربما ـ بِسَن القوانين التي تستهدف الجالية وتسخر من شعائرها وتضيّق عليها.

-  حملات كره متواصلة وصلت إلى حد قتل ستة من خيرة أبنائها في أثناء صلاتهم في مسجد كيبك.

-  قيام بعض المحسوبين على الجالية، بينهم ناشطون سابقون وحاليون، بالمشاركة في الحملة بخلفيات منها ما هو معروف بما يحمله أفرادها من عداء لكل ما يرتبط بجاليتهم، ومنهم من يريد تنفيسَ عُقد ذاتية ومشاكل خاصة وشخصية وإلقاءَها على عاتق الجالية، من الذين وجدوا من يلجؤون إليه ليرعاهم ويؤمن لهم الدعم المادي والمعنوي والاعلامي.

-  إستمالة ناشطين من خلال إغراءات معينة لإبعادهم عن ساحة عملهم.

-  تطويع بعض الممثلين عن الجالية في الساحة السياسة والجاليوية، فوصل الأمر ببعضهم إلى تغيير قناعاته، والتنازل عن بعض المسلمات، وركوب موجات توحي بأنها في مصلحة الجالية.

-  التضييق على المؤسسات التي تتعارض مع سياسات الحكومات المتعاقبة من خلال دعم هذه المؤسسة وتهميش تلك، وإغداق الأموال هنا وحجبها هناك، باستخدام سياسة العصا والجزرة لترويض أصحاب الاحلام في تحقيق أهداف تتناغم مع حقوقهم وتطلعاتهم.

-  تبني الحكومة الفدرالية قوانينَ تجرّم الذين يعارضون الإحتلال الاسرائيلي.

-  تبني وسعي بعض القوى البلدية إلى سن قوانين تتعارض مع حق الجالية في التعبير عن معاناة أهلها في وطنهم الاصلي.

فضلاً عن التحديات الداخلية التي تهدد عائلات كثيرة في الجالية بضياع اولادها في متاهات الانحراف وفقدان الهوية، والتي تتطلب تعاوناً لتأمين أسباب الحفاظ على الهوية والتمسك بها.

إن الخلافات التي استعرت في الجالية مؤخراً، التي لم تكن موجودة ظاهراً من قبل، والتي بدا وكأنها بين المنتدى الاسلامي الكندي وشخصيات نسائية من خارج المنتدى، لا تبشر أبداً بالخير، وهي تخفي في داخلها قضايا أكبر، قد لا نعرف اليوم أَبعادها وقد تخفي خلفها أيادٍ ظاهرُها الحرصُ على الجالية ومصلحة طرف هنا او هناك. ولكنها حتماً لا تحمل خيراً للجالية وتأتي بنتائج عكسية عليها لا تخفى على ذي لبّ.

أعرف جيداً المنتدى الاسلامي الكندي ورئيسه الأستاذ سامر المجذوب والناشطين فيه، ونعرف إخلاصهم وتفانيهم والانجازات التي تحققت بفضل جهودهم، وهي ليست محصورة بالقيام بحملة على مستوى كندا للتحضير لعريضة حملت اسم "E411" عام 2016 وتحصيل سبعين ألف توقيع عليها، وكانت هي العريضة الكبرى في تاريخ كندا التي نُشرت على موقع المجلس النيابي وتبنّاها المجلس. ثم أدت الى إدانة أولى وثانية للكره للإسلام، وعلى أثر ذلك تبني المجلس النيابي مذكرةً بِاسمِ "M103" فيها توصيات للعمل ضد الكره للإسلام، وصولاً إلى تحقيق انجاز شارك فيه آخرون، تمثّل بجعل يوم 29 كانون الثاني/ يناير يوماً وطنياً لإحياء ذكرى الهجوم على مسجد مدينة كيبيك والعمل ضد الكره للإسلام.

كذلك أعرف الدكتورة سميرة العوني كامل المعرفة والسيدة سماء الأبياري ودورهما ونشاطهما الدؤوب في الدفاع عن الجالية عبر منابرها، كما عن الجاليات الاخرى والمؤسسات الكيبكية، إضافةً إلى مشاركتهما في الكثير من الأنشطة التي تساهم في مد الجسور واللقاء مع الجاليات غير المسلمة. وهما لعبتا دوراً مهماً، كلٌّ من موقعها في الدفاع عن قضية الحجاب في مواجهة الحملةِ عليه والقانونِ الواحد والعشرين والكرهِ للإسلام.

هذه المعرفة بالطرفين تدفعني إلى التساؤل ـ بكل صدق وحرقة وألم ـ عن طرف آخر له مصلحة في أن يعمّق الخلاف بين الطرفين ويصب الزيت على النار. وإلا فلماذا فشلت كل الوساطات التي قام بها مجلس أئمة كيبك بين الطرفين؟ ولماذا فشلت آخر محاولة من فترة قريبة حين كان من المتوقع أن يُوجَد مخرج من هذه الازمة؟ ومن وماذا يمنع اللقاء بينهما وجهاً لوجه لمناقشة حقيقة الأمر؟ ولماذا تتم حملات تشهير مفزعة وتُنشَر على نطاق واسع بما يؤدي إلى حالة من الاحباط والارتباك في عموم الجالية؟ ولماذا  يُتَراشق من بعيد لينقل طرف ما لهذا الطرف قولاً يزيد من الخلافات، وينقل آخر قولاً لا يزيد العلاقة إلا تأزماً؟

أسئلة أراها محقّةً تحتاج إلى أجوبة واضحة لا لبس فيها لأننا اليوم أمام مرحلة مختلفة جداً وخطيرة على جاليتنا تنذر بانزلاق نحو هاوية لن يتمكن احد من الخروج منها إلا مشوهاً ومعه كل القضايا التي يدافع عنها وصورة الدين الذي ندَّعي تمثيله. والأشخاص الذين طالما كنا نرى فيهم الأمل والرهان بعد الله ينالُ بعضهم من بعض، بعد أن تحولت الخلافات إلى تراشق واتهامات وتخوين ولجوء إلى القضاء وتهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور. وباتت أيادي أهل الخير مقيّدة ورأيهم غير مسموع.

إذا لم يُتدارَك الواقع المرير قد تصبح أيّامنا في القريب العاجل عَدَداً، وجمعنا بَدَداً، وإنجازاتنا لا يكترث لها أحد، فتلعن الجالية من كان السبب في ذلك!