هل ننتخب.. من ننتخب؟

  • article

طلال طه ـ مونتريال

 

هل ننتخب؟ هل هذا السؤال لا يزال مطروحا، لدى من من الأجيال؟ الجيل الأول، الثاني أو الثالث وما بعده من المهاجرين!

قد نفهم عكوف الجيل الأول ونفوره ربما، وعزوف الجيل الثاني وتردده في المشاركة في الانتخابات ترشحا وترشيحا وانتخابا، لأسباب لن نعيد سرديتها المملة، خصوصا من الجيل الأول الذي هاجر في عصر ما قبل الانتخابات والديموقراطيات في العالمين العربي والإسلامي وملحقاتهم من دول العالم الثالث، ثم جاءت الثورات والانقلابات التي تصنمت (من صنم) في كراسي الحكم وتركت الجماهير والشعوب في حسرة على الممالك والامارات وأنظمة ما بعد الاستعمار المباشر!

قد نجد ونلتمس الأعذار لهذين الجيلين من المؤسسين عدم رغبتهم في المشاركة، خيبة من تجارب الأوطان الأم، أو يأسا من إمكانية واحتمالات التغيير، او انشغالا بلقمة العيش والقناعة بما وفرته وتوفره كندا من تقديمات اجتماعية وصحية وتعليمية وفرص اقتصادية ومعيشية، وحرية دين واعتقاد وممارسة شعائر!

كانت هذه التقديمات البديهية في كندا هي برامج عمل النخب المتقدمة في بلداننا وأوطاننا الأم، وحلما يراود أكثر المتفائلين بالتغيير والاصلاح فضلا عن الثوار الحالمين بجمهوريات العدل وجنان الخلد على الأرض!

لكن البرود الذي يواجه بها الجيلين الثالث والرابع المسألة الانتخابية قد لا تجد الكثير من التبريرات المقنعة، والتي تحتاج معها الى بحوث اجتماعية / سياسية معمقة تدخل في عمق بنية العقل الفردي والجمعي لأجيال الشباب من المهاجرين، من الذين ولدوا هنا، وترعرعوا في مدارس وجامعات وساحات العمل المختلفة في هذا البلد.

ففي التبسيط للعقل الفردي الذي ينمو حسه الاجتماعي على ضفاف الثقافات الاجتماعية الأصيلة، سواء كان الدين وممارسة الشعائر جزءا منها، أو العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة، نصل الى نتيجة أن غياب القضايا الكبيرة من أجندة الشباب يوصل الى نتيجة حتمية بأن لا ضرورة للمشاركة في الانتخاب بلحاظ المطالب الحياتية والمعيشية والتربوية والصحية، لأن الدولة تكفل وتضمن وتؤمن مجمل هذه المطالب (العالم ثالثية) وبمميزات وخدمات مجانية تقريبا!

هذا على المستوى الفردي، كذلك فإن غياب القضايا الكبيرة والمبدئية والاستراتيجية على المستوى الجمعي والجماعي، يحيل المجموعات الى كتل فردية صغيرة ومتوحدة تقنع وبالمكاسب الخدمية العادية، وتغيب عن أجندتها وبرامج عملها القضايا الكبيرة التي تهم الأنسان!

ونحن في كندا، بلد الحريات والتنوع والعدالة الاجتماعية معنيون بالدرجة الأولى في حمل راية العدالة على المستوى الفردي والجمعي ولكل سكان هذا الكوكب المأزوم!

فنجد أن جيلينا الثالث والرابع من الشباب الذي قدمت له كندا كل التسهيلات لكي يتعلم ويعمل ويصل الى المستويات المتقدمة في الدراسة والعمل والراحة المادية، لا يتلقى الدروس الوعظية والقيمية المناسبة في البيت أولا ثم في المدرسة والجامعة والمركز والمسجد والكنيسة والنادي.. والحياة!

هذا التراجع في حمل القضايا الكبيرة على المستوى الجمعي لجاليتنا ومؤسساتنا ومراكزنا وطلائعنا الثقافية والفكرية والدينية تنسحب على أفراد جالياتنا وبالتالي نسجل تراجعا معيبا ومحزنا في حجم المشاركة في صنع القرار السياسي على كل المستويات: البلدية، والمقاطعة والفدرالية وغيرها من المؤسسات العاملة في البلد!

لذلك، فقد نعتقد أن المؤسسات هي المعنية الأولى في مراكمة ومواكبة العملية السياسية وتوعية أجيالنا من الشباب والشابات على ضرورة ووجوب المشاركة في العملية السياسية.. لأسباب!

من ننتخب؟

ندخل من هذا السؤال الى الإجابة على شق أساسي من السؤال الأول: هل ننتخب!

نعم، ولأن برامج الأحزاب الخدمية، فيما يتعلق بتأمين الماء والكهرباء والطبابة والتعليم والضمان الاجتماعي ومختلف الخدمات البلدية والمدينية والبنى التحتية.. لا تختلف كثيرا بعد الحد الأدنى الذي نعرف عنه ونسمع به وربما عايشناه في بلداننا الأم، لأن البرامج الخدمية متقاربة الى حد كبير، حينها نتجه مباشرة الى التفكير بما نسميه القضايا الكبرى، فيما يتعلق بالحرية والعدالة وحقوق الانسان، سواء في كندا أو في الخارج عبر البحار!

الانتقال بشعارات المشاركة في الانتخابات من الزاوية الخدمية الضيقة الى مواضيع مؤسسة تطال الجاليات وحرياتها وخصوصياتها وحقوقها، ثم الارتقاء الى حمل القضايا الكبرى التي تخص بعض أوطاننا الأم وعرضها على برامج هذه الأحزاب، ربما ذلك قد يفتح لنا بعض كوى الضوء لكي نتلمس طريقنا في درب الخيارات الصعبة.. فيمن ننتخب!

في الصغرى في كندا: "الاسلاموفوبيا"، وفي الكبرى في الخارج: فلسطين!

نعم نريد أن ننتخب، وعلى ضوء ما تقدم من ضرورة حمل القضايا الكبيرة ورفع شعاراتها عاليا وعرضها على برامج الأحزاب، قد نصل الى أنه في مسألة "الاسلاموفبيا" وخلال السنوات التي عشنا فيها في ظل حكم الحزب الليبرالي كان الأداء جيدا، في تعاطي الحزب مع التحديات التي واجهت الجاليات الإسلامية من قتل ودهس ومهاجمة مساجد ومراكز واعتداء لفظي وتعديات مختلفة.. كان موقف الحكومة في زعامة ترودو متقدما، وقد يكون فيه نقاش!

فعليه فإن الهاجس الذي تواجهه "الجالية المسلمة" تحديدا، يدفع بها منطقيا لإعطاء اصواتها للحزب الليبرالي على حساب حزب المحافظين على المستوى الفدرالي، وفي موضوع التصويت للحزب الديموقراطي الجديد أقوال!

وعليه ينسحب القول على مستوى المقاطعة حين يكون التخيير بين حزب الليبرال والتحالف من اجل مستقبل كيبك (CAQ) المحافظ، وهو ما يعادل مواقف المحافظين في قضية "الاسلاموفوبيا".. وربما أكثر صفاقة وصراحة وشذوذا!

نعم، ننتخب في الصغرى على ضوء الموقف من حرياتنا وحقوقنا في كندا وكيبك تحديدا وفي مواقف الأحزاب من قضية "الاسلاموفوبيا"، وفي الكبرى ننخب على ضوء الموقف من حرية وحقوق الشعب الفلسطيني في برامج الأحزاب الكندية، على المستويين الفدرالي والمقاطعة!

هل يمكن التوفيق في ذلك، وهل يمكن للمواطن العادي الذي لا يتابع برامج الأحزاب وممارستهم السياسية، في الحكم أو في صفوف المعارضة، من هاتين القضيتين: "الاسلاموفوبيا" وفلسطين، وهل يمكن بسهولة الوصول الى شعارات الأحزاب ومواقفهم الحقيقية من هاتين القضيتين!

حينها كيف يمكن حل هذه المعضلة على ضوء التناقض الذي قد ينشأ من تعارض – ولو نسبي – من الموقف في هاتين المسألتين، وكيف يمكن الوصول الى تصويت عادل وصائب ومنتج ومقنع!

لذلك نحن نرى ضرورة أن تتصدى الجالية من خلال وجودها الجمعي، في المراكز والمؤسسات والنوادي والمساجد والكنائس ووسائل الاعلام والميديا بأنواعها، تتصدى للتحليل والتوجيه والتسديد وتفكيك ألغاز العملية الانتخابية على ضوء مصالح الجالية الكبرى.. على اعتبار أنه لم يبق فينا من يريد أن ينتخب البك لكي يؤمن لولده وظيفة في الدرك!

ننتخب؟ نعم. لحزب الليبرال في أغلب الدوائر، ولـ NDP في دوائر مختارة لا أمل فيها للحزب الليبرالي!

وقد نلحظ في كل ذلك ضيق الوقت الذي لم يسمح للجالية للمشاركة الفعالة في الحملات الانتخابية، لذلك ننتخب الليبرال هذه المرة على أمل المراجعة في الانتخابات التالية.

الى حينه، ننتصر لحريتنا وحقونا في كندا وفلسطين!