السلام عليكم ... الخامس والعشرون من أيّار مدعاة فخر للعالم أجمع

  • article

حسين حب الله  – مونتريال

لا يوجد في تاريخ لبنان ما يفتخر به اللبنانيون أكثر وأفضل وأوضح من يوم الخامس والعشرين من شهر أيّار، حين نجح اللبنانيون بفضل مقاومتهم وصبر الشعب ودعم الجيش اللبناني في تحرير معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، الذي دام سنوات طويلة، عانى اللبنانيون في خلالها أبشع أنواع الذل والمهانة على يد الجيش الأكثر وحشية في المنطقة العربية ـ ولعله في العالم. ففي عهد هذا الجيش نُفذت مجازر صبرا وشاتيلا، التي قضَت فيها آلاف متعددة من المدنيين العزل نحْبها ذبحاً بإشراف إسرائيلي مباشر، ومجزرتا قانا فسقط مَن سقط فيهما من ضحايا، فضلاً عن الممارسات الوحشية في معتقلات الخيام وعتْليت وأنْصار بحق المعتقلين المدنيين. يُضاف إلى ذلك حصار القرى في الجنوب والبقاع الغربي والاعتداءات اليومية على المواطنين في القرى المحاذية للشريط المحتل والتنكيل بالمواطنين المقيمين داخل المناطق المحتلة وإجبارهم على الانخراط في عصابات العملاء والعمل مع الاحتلال.

في هذا اليوم تنفس اللبنانيون الصعداء وعمَّت الفرحة غالبية الشعب اللبناني. أقول: "الغالبية" لأن هناك من كان يعتبر اليومَ يومَ مصيبة وعزاء لأن حساباته وأحلامه التي كان يطمح الى تحقيقها في ظل الاحتلال تبخّرت، فعلاقته بالاحتلال كانت عنصر قوة بقائه ومن دونه بات مكشوفًا، من دون ظهر يحميه. لكنه آثرَ بعد التحرير ركوب موجة الوطنية والتحرر علّه يغطي على تاريخه ويعمي العيون عما يخطط له في المستقبل، كما رأينا بعد زوال الاحتلال من تخوين مَن حرر البلد وكَيْلِ الاتهامات له والسعي للانتقام منه، إرضاءً للاحتلال الذي ما انفك منذ هزيمته يستهدف الذين وقفوا في وجهه. 

في ذلك اليوم من عام 2000 هبت مونتريال كما العديد من المدن الكندية للاحتفال بهذا اليوم التاريخي ابتهاجًا بالانجاز الكبير. وتجمعت أعداد كبيرة قرب جبل "مونتْرويّال" ونُظمت مسيرات سيّارة جابت شوارع المدينة حاملةً الأعلام اللبنانية. يومها استنفر أنصار اسرائيل ورفعوا الشكوى إلى مسؤولين في الأجهزة الامنية، محذرين من "غوغائيين" يجوبون الشوارع، كما أبلغ مسؤول أمني أحدَ الناشطين حينها، في محاولة لتأليب الاجهزة الأمنية على المحتفلين بهزيمة الاحتلال واسترجاع الاراضي اللبنانية من أيدي الاحتلال. لكن سارت التظاهرة دون أي إشكال او تجاوز أمني كما حاول المدافعون عن الاحتلال أن يُشيعوا.

وفي لبنان اعتُبِرَ هذا اليوم عطلةً رسمية، فأعلنت السفارة اللبنانية في أوتاوا والقنصلية العامة في مونتريال الاقفال الرسمي. وأمس الثلاثاء وجه قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون خطاباً عشيةَ عيد المقاومة والتحرير ومما جاء فيه: "يبقى 25 أيار 2000 محطة مشرقة في تاريخ وطننا، وعلامة فارقة في سجلات الانتصار، بعدما تمكن اللبنانيون بنضالهم وإرادتهم وعزمهم من دحر العدو الإسرائيلي عن أرضهم وتحطيم أسطورة تفوقه العسكري، وسطروا في وجدان الوطن ملحمة عنوانها العزة والكرامة والحرية فأصبحوا مدعاة فخر للعالم أجمع، وكرّسوا مفهوم النضال في ذاكرة كل الشعوب، فكان يوم المقاومة والتحرير".

في هذا اليوم أقل ما ينتظره اللبنانيون في كندا هو التهنئة من نوّاب لا يفوِّتون عيدًا يهمّ جالية من الجاليات إلاّ ويحتفلون معهم به او يهنئونهم به، سواء من خلال "تغريدة" او منشور على الفيسبك او رسالة مصورة مسجلة. في كل السنوات الماضية لم نشهد مثل هذه التهنئة في عيد تحرير لبنان من الاحتلال وكأن نوابنا ـ على الأقل من الجالية العربية واللبنانية بالتحديد ـ غير معنيين بالموضوع ولا تهمهم جاليتهم. والتبرير هو الخوف من أطراف تترّصد بعض المواقف التي لا تروق لها هنا وهناك، واستهداف أصحابها وترهيبهم.

كنا نعذر هذا البعض لِبعض المواقف التي تتخذ بين الفينة والاخرى، لكن بلغ السيل الزبى قبيل عيد التحرير بأيام، بالتحديد في يوم النكبة الفلسطينية، فنزل كالصاعقة على الكثيرين في الجالية من الطوائف والتوجهات المختلفة ما نشره النائب الفدرالي فيصل الخوري في ذكرى النكبة الفلسطينية، وذلك حين قدّم سعادته التهنئة للاسرائيليين في ذكرى "يوم هاتزموت"، الذي يعتبره الصهاينة "يوم استقلال اسرائيل". وقال الخوري في تهنئته: "عيد استقلال سعيد لرفاقي المواطنين الإسرائيليين ولأولئك في جميع أنحاء العالم"، لينهال بعدها الاعتراض والاستنكار على هذه "الإهانة" كما وصفها ناشط معروف. فهناك حدود للمجاملة وسقف للتنازل، يصبح بعده مثل هذا الموقف تخاذلًا ومثل هذه المسايرة خضوعًا.

حاول النائب الخوري استيعاب رد الفعل الجارف حين سارع إلى سحب ما نشره على الفيسبُك، ملقيا اللوم على أحد المسؤولين الجدد في مكتبه "الذي قام بنشر التهنئة دون الرجوع إليه"، كما قال وسيط كريم حاول الدخول على خط لملمة ذيول ما جرى وتبرير الخطأ الكبير الذي وقع. والنائب الخوري قام بزيارة أكثر من شخصية دينية ـ بقيت اسباب التكتم عنها غير معروفة ـ لشرح موقفه وتوضيح الظروف المحيطة التي رافقت النشر وأدت اليه. كل ذلك من دون إصدارِ النائب توضيحاً لِلجالية المصدومة، مكتفيًا بوسيط او اكثر لتبرير البيان "المصيبة"، كما وصفه ناشط كان على علاقة جيدة بالنائب الخوري.

ما جرى سابقة خطيرة رغم كل التبريرات التي قُدِّمت وتتطلب من النائب أن يقوم بتحرك مختلف لتصحيح "الخطأ". فالكثيرون ممن يقطنون في دائرة النائب الخوري الانتخابية جزموا انهم لن يصوتوا في المستقبل له. وهذا سيكون له تأثير كبير في المرحلة المقبلة على نتائج الاصوات التي ستصب لصالحه. ولن يخفف منه قول مقرّب من النائب الخوري أن قلة قليلة من الجالية صوّتت للخوري، في حين أن الكل يعلم ان اصوات الجالية هي التي ساهمت في اختياره في الانتخابات الداخلية للحزب الفدرالي التي تسبق الانتخابات النيابية. 

كل عيد تحرير وأنتم بخير، على أمل أن يتعافى لبنان من الازمات التي أوقعوه فيها بعد التحرير لينتقموا من الانتصار الذي تحقق في 25 ايار 2005. وكلنا أمل ان تكون الجالية هي هَمُّ من يقول إنه يمثلّها في المجلس النيابي ومراعاتها أولويته.