أول الكلام : في الذكرى الثانية والأربعين للثورة: إيران إلى العالمية

  • article

في الحادي عشر من شباط/ فبراير من كل عام تحتفل جماهير الشعب الايراني بذكرى انتصار ثورتها عام 1979 بقيادة الإمام الخميني على نظام الشاه الملكي المدعوم أمريكياً. ومنذ تلك اللحظة المفصلية في تاريخ المنطقة والأحداث تترى ومحورها إيران، بدءاً بمحاولات إجهاض الثورة في مهدها عبر دفع النظام العراقي إلى غزو الأراضي الإيرانية والتهديد بالوصول إلى طهران، وترافق ذلك مع حملات اغتيال وتصفية جسدية لكبار القيادات الثورية بأيدي منظمة "مجاهدي خلق" المعارِضة، التي أودت بحياة شخصيات أساسية وقيادات مهمة. 

ومع ذلك لم تثنِ هذه الخسائر الفادحة قيادة الثورة عن أهدافها، سيما بعد ثماني سنوات من حرب ضروس بلغت فيها الأمور حد استخدام صدام التكريتي أسلحةً كيميائيةً محرمةً دولياً مع غطاء دولي وفر له دعماً مالياً خليجياً وبشرياً مصرياً وسودانياً وعتاداً أمريكيا وفرنسياً والمانياً، وكأنه تحالف دولي غير معلن هدف إلى القضاء على الجمهورية الفتية، التي أخرجت بلداً مهماً وكبيراً له موقعه الجغرافي الاستراتيجي من معسكر أمريكا ومحورها إلى نموذج مستجد من الاستقلال لم يُعهَد من قبل.

فالثورة لم تحمل لواء الاشتراكية والمعسكر المقابل. بل أصرت على إسلاميتها وما زالت، ما جعلها تواجه حصاراً اقتصادياً خانقاً دفعها إلى تبنِّي سياسة الاعتماد على الإنتاج الوطني للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في معظم المجالات الحيوية، سيما في العلوم التي مكنّتها من دخول النوادي العالمية في مجال الطاقة النووية وإنتاج الادوية للامراض المستعصية، التي كان آخرها اللقاح المخصص للجرثوم التاجي المستجد.

لا يزعج هذا صناعَ القرار في واشنطن ولندن وباريس بقدر ما تفعلُ المواقف الحاسمة والمبدئية للنظام الإيراني الداعم لحركات المقاومة في مواجهة الاحتلال في فلسطين ولبنان وأفغانستان والعراق واليمن، وتفشيل المشروع الامريكي السعودي في إقامة خلافة داعشية تقسم العراق وسوريا، وتفرق المنطقة في أتون حروب مذهبية توقع قادة عسكريون أمريكيون أن تستمر ثلاثين سنة.

كل ذلك لحماية كيان الاحتلال الاسرائيلي الذي بات يشعر بأن تفوّقه العسكري وعنجهيته المشهودة لن تستمر .

من هنا كان لا بد للادارة الامريكية الجديدة اللجوءَ الى مقاربة مختلفة تخفف من خلالها غلواء الادارة السابقة وتورطها في مشاريع تهورية لنتنياهو وابن سلمان، والعودة إلى منطق الواقعية الذي يفرض على الجميع حقيقة أن الجمهورية الاسلامية اليوم هي في صلب المعادلات الإقليمية والدولية، بعد أكثر من عقدين من التضحيات والصبر، والصمود، فلا يمكن لأي منصف إلا أن يقف إجلالاً واحتراماً لقيادة حكيمة ولشعب وفيّ سيكتب تاريخاً جديداً في عالم متغير لا يعترف إلا بالأقوياء.