لماذا وصل الحزب اللبرالي الى هذه النتيجة الاسوأ في تاريخه ؟

  • article

لبيب فرج الله ـ مونتريال 

منذ بضعة ايّام أعلنت السيدة دومينيك انغلاد استقالتها من زعامة الحزب وكذلك من مقعدها الانتخابي . كان ذلك الإعلان متوقعا وان جاء سريعا  في توقيته بعد ان أعلنت عزمها على الاستمرار ولو إعلاميا على الأقل. بالتأكيد كانت تلك النتيجة واردة جدا بعد الهزيمة الموجعة التي تلقاها الحزب في أعقاب نتائج انتخابات المقاطعة التي جرت في الثالث من الشهر الفائت. حيت تقلص عدد نواب الحزب من 27 إلى23 نائبا ووانحدرت نسبة التأييد الشعبي له من 30٪؜ الى 14٪؜ .وحظيت زعيمة الحزب 6%؜فقط من التأييد الشعبي في ادائها  وطرحها.

 تللك النتائج كانت الأسواء في تاريخ هذا الحزب السياسي الممتد على اكثر من قرن ونصف والذي حكم المقاطعة لعقود متتالية وشكل حكومات عديدة، كما تصدر محطات سياسية بارزة في سياسة المقاطعة، بداءً من إدارة الاقتصاد وتطويره الى الثورة الهادئة التي أقصى بها الكنيسة من التدخل في السياسة والتربية وإنشاء وزارة خاصة لشوؤن الثقافة وأمّم شركات الكهرباء. الى غير ذلك من الإصلاحات التي وجهت المقاطعة الى العصرنة  والعلمنة والتطور بدءً من العام 1960.

ماذا حصل ولماذا وصل الحزب الى ما هو عليه ؟ وكيف يمكنه الخروج من هذا المأزق الشعبي والسياسي ؟

ستفتح استقالة زعيمة الحزب الباب واسعا امام حملة لإنتخاب قيادة جديدة بدءً من زعامة الحزب وصولا الى كبار الإداريين.  ومقاربة هذا الإستحقاق لا بد من ان تبدأ  بمحاولة الإجابة على تلك الأسئلة عبر مراجعة مواقف قيادة الحزب وسياساته على الأقل منذ العام 2007.

أسارع الى القول ان الحالة الراهنة للحزب هي نتيجة سياسات -اللاموقف -وتجاهل  اوضاع سياسية مستجدة ودفن أمور وتأجيل اتخاذ القرار بمسائل اخرى، ما ادى الى تراكمات منذ العام 2007 أدت الى هذه النتيجة الكارثية التي يعيشها الحزب حاليا .

مما لا شك فيه ان للسيدة انغلاد صاحبة الخبرة كنائب لرئيس الوزراء في زمن السيد كويّارد وكزعيمة للحزب وللمعارضة في أعقاب انتخابات 2018 نصيب في التسبب بهذا الحالة نتيجة عدم استدراكها للمتغيرات السياسية الراهنة التي طرأت على خريطة توزع الأحزاب في المقاطعة من خلال وجود احزاب متعددة ومن خلال بروز أمور سياسية طغت على الخطاب السياسي مرحليا، لاسيما في موضوع الهجرة واللغة والعلمنة. وبالتالي من خلال تمسكها بإستراتيجية شكلت خروجا  على نهج الحزب التاريخي في المقاربة الإقتصادية من ناحية ومراعاة حقيقة وضع كيبك ذي الغالبية الفرنسية من الناحية الأخرى. وأقصت كل من كان له آراء تعبر عن هذا الاتجاه من ناشطين ذوي خبرة ولاحقا من مرشحين - نواب سابقين - في الحملة الانتخابية. وأصرت على الاقتصاد علما ان رئيس السيد كويّارد خسر الانتخابات  في الوقت الذي عرف فيه اقتصاد المقاطعة بحبوحة وفائضا ماليا تخطى اربعةَ مليارات دولار.

غير ان المرحلة التي كان لها دورا لافتا جدا في رسم مستقبل الحزب السياسي كانت مرحلة السيد جان شاريه حيث احتل البقاء في السلطة اولوية على مستقبل الحزب السياسي.

فبعد التطورات البالغة الخطورة  التي عاشتها المقاطعة في أعقاب حوادث نيويورك الإرهابية عام 2001 والاعتداءات العنصرية ضد المسلمين والمهاجرين، كلف السيد شاريه لجنة بوشار تايلور عام ٧..٢ - أسبوعين قبل استقالة حكومة الأقلية التي كان يرأسها- لتقديم مقترحات حول ما عرف آنذاك - بإستيعابات معقولة-  لإنتظام إيقاع المجتمع اجتماعيا وسياسيا .

وعلى الرغم من عودة السيد شاريه الى الحكم بغالبية الا انه وضع مقترحات اللجنة تلك وخاصة فيما يتعلق بإتداء الرموز الدينية فقط لدى موظفي الفئة الاولى على الرف وتملص من اتخاذ اي موقف خلال سنوات حكمه، ما ولد مضاعفات سياسية أدت الى اختلاط حابل العلمنة بنابل نظام القيم عبر سلسلة من مشاريع القوانين والقوانين المضادة. وأدت خلال سنوات الى تحجيم الحزب الليبرالي الكيبكي .

ان إلقاء اللائمة على النظام الإنتخابي المتبع  القائم على اساس النظام الأكثري في  الدوائر والمطالبة بإصلاح انتخابي لا يكفي لحل معضلة الحزب. لان هذا النظام هو الذي أوصل الحزب  الى الحكم عبر سنين طويلة . ولا بد من نقد ذاتي موضوعي لمسيرة سياسية ولإعادة ترتيب الأولويات .

ان اية مراجعة مدققة لتاريخ هذا الحزب -لا فرق ان أيدته او عارضته -  تبرز نقطة انطلاق واضحة لسياسة الحزب تمسك بها قادة الحزب عبر تاريخه من ولفرد لورييه الى جان ليساج  الى روبير بوراسا وهي المزاوجة بين خدمة الاقتصاد والتنبه الى مناخات المجتمع الكيبكي الاجتماعية دون الانحسار والتقوقع ضمن مكونات معينة ومحددة . ان الخروج من النفق المظلم  يبدأ من هنا .

إن إعطاء العمل من داخل الأحزاب التي طالما دعونا اليها الأهمية التي تستحق  أصبحت ضرورة تجب معالجتها بجدية وإستمرارية وسط حالة التشظي الاتني والديني في ظلال التعددية  التي تعيشه معظم الجاليات للمطالبة بالحقوق التمثيلية على كافة المستويات والمشاركة الفعالة في هذا الإستحقاق كما في غيره.

*الصورة مقتطعة من ڤيديو نشرته انغلاد على صفحتها على الفيسبك